”سندلر” بطلة أنقذت 2000 طفلًا من ظلمات النازيّة
الأكثر مشاهدة
الحرب تجعل العالم مكان بشع، تحطم الأسقف فوق الرؤوس، لكنها تعجز عن تحطيم القلوب التي تسكنها الرحمة، وإن تحدثنا عن الرحمة فلا بد من ذكر نموذج نسائي ليشهد لنا على ذلك.
من منا لا يعرف بشاعة الهولوكوست الذي قام به هتلر ونازيّته، والذي هلك فيه ما يقرب من ستة ملايين يهودي، لكن وفي أثناء تلك المجزرة كان هناك قلب ينبض، وعقل يدبّر، وأيدي ناعمة اشتدّت للخروج بأكبر قدر من أطفال ليس لهم أي ذنب في وجودهم في عالم مجنون.
هي السيّدة "إيرينا سندلر" التي خاطرت بحياتها لإنقاذ 2000 طفل يهودي من هولوكوست هتلر، في الوقت الذي كانت فيه عقوبة مساعدة يهودي هي الإعدام كجريمة خيانة عظمى.
في البداية كانت سندلر تقوم بتزوير الأوراق الخاصة بالعائلات اليهوديّة، حتى وصلت أعداد الوثائق التي قامت بتزويرها لإنقاذهم 3000 وثيقة، غير مبالية بأحكام الإعدام التي كانت تطبق على من يقوم بمساعدة أي يهودي.
"يولانتا" هو الاسم الحركي الذي أطلق عليها بعد انضمامها لمنظمة "زيجوتا" السريّة عام 1943، تلك التي كانت تهتم بأمور اليهود أثناء فترة حكم هتلر، وقد انتُخبت يولانتا أو إيرينا لتصبح رئيسة القسم المسؤول عن الأطفال بالمنظمة.
بحكم عملها في مكتب الرعاية الاجتماعية كان يتم السماح لها بدخول أحياء اليهود في (وارسو)، كما كان يسمح دخول الأطباء أيضًا إلى هذا الحيّ، لمعالجة مرض التيفويد الذي انتشر بكثرة في هذا الوقت، وذلك حرصًا على سلامة المواطنين الألمان من العدوى.
في الواقع كانت سندلر تدخل هذا الحي ليس بغرض التحقق من أعراض المرض فقط، ولكن لتهريب الأطفال الرضّع، والصغار، وذلك عن طريق إخفائهم داخل عربات الإسعاف، أو القطارات، ولكن في أغلب الأحيان كانوا يضعونهم في حقائب السفر لضمان عدم كشفهم.
كان هدف "سندلر العظيم هو إبقاء هؤلاء الأطفال على قيد الحياة، سالمين بعيدًا عن أهلهم، وبعيدًا عن بشاعة الحرب، ولضمان إعادتهم لأهلهم مرة أخرى بعد انتهاء الحرب كانت تحتفظ بسجلات دقيقة تحمل أسمائهم الجديدة، وأماكن إقامتهم الجديدة.
لم تنجُ "سندلر" من بطش النازيّة، فقد تم تعذيبها ببشاعة في معتقلات الغيستابو -وهي الشرطة السريّة النازيّة- لكنها ورغم التعذيب لم تبح بأسرار أولئك الأطفال، ولا أصدقائها الذين قاموا بمساعدتها على هذا العمل.
استطاعت الشُجاعة "سندلر" أن تفلت من الحكم عليها بالإعدام، وذلك بمعاونة أصدقائها الذين قاموا بدفع رشوة من المال للضباط الذين كانوا يقتادونها لتنفيذ الحكم.
حصلت "سندلر" على الكثير من الألقاب والأوسمة لشجاعتها، وصفاء قلبها، فقد حصلت على لقب أكثر المواطنين البولنديين صلاحًا بين الأمم ومنحت جائزة على ذلك، كما حصلت على وسام "النسر الأبيض" وهو وسام لأعلى المراتب الشرفية في بولندا.
"يزعجني بشدة مصطلح ’البطلة‘ الذي لطالما ذكر قبل اسمي، لأنني أشعر بأنني لم أقم بواجبي على أكمل وجه، لقد أنقذت القليل مقارنة بالعدد الهائل الذي كان في الحي اليهودي، كان يجب أن أنقذ عدداً أكبر ولكن للأسف لم أستطع". قالت هذه الكلمات في عام 2007 وهو العام الذي سبق عام وفاتها، في 2008 توفيت العظيمة "إيرينا سندلر" عن عمر ناهز الـ 98 عام.
الكاتب
أمينة صلاح الدين
الإثنين ١١ ديسمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا