”بسمة عبد العزيز” طبيبة نفسية تكتب وترسم وتعزف.. وترفض لقب ”دكتورة”
الأكثر مشاهدة
تصوير: نورهان محسن
شكلت وعيها بنفسها، بقراءات أطلعت عليها وهي ما زالت طالبة في المرحلة الإعدادية، بأفكار آمنت بها بعيدا عن نمط محدد يورثه الآباء لأبنائهم، كانت خارجة عن المألوف بصورة خاصة رسمتها هي لمستقبلها وأحلامها، وحتى في ممارستها لهواياتها، قضت سنوات عمرها ما بين الطب والكتابة والنحت والرسم، وما زالت تكتشف نفسها.
مع بداية هذا العام (2018)، أصدرت الطبيبة النفسية بسمة عبد العزيز روايتها الثانية "هُنا بَدَن" عن دار المحروسة، بعد رواية "الطابور" الصادرة في 2013، وبينهما الكتاب الأكاديمي "سطوة النص: خطابات الأزهر وأزمة الحكم" عام 2016، الذي تم رفضه كرسالة ماجستير فتم نشره في كتاب يتناول الصراع بين الأزهر وجماعة الإخوان في التحدث باسم الدين، وقبلهم، كانت البداية بمجموعتها القصصية "عشان ربنا يسهل" في 2007، ثم "الولد الذي اختفى" المجموعة القصصية المنشورة في 2009، إلى جانب كتاباتها الأكاديمية عن التعذيب، فتتبعت مسار العلاقة بين الشرطة والمواطنين في "إغراء السلطة المطلقة"، وناقشت المردود النفسي للتعذيب في "ذاكرة القهر".
الاهتمام بالآخر والانشغال بكون الآخرين في سلام من منطلق إنساني، مبادئ نشأت عليها بسمة، منذ كانت تدرس في مدارس الراهبات "اللي جزء من التربية فيها الإحساس بالآخرين، وإزاي تشوفي وتقدمي خدمة للمجتمع والأشخاص الموجودين معاكي فيه، بعيدا عن التمركز حول الذات"، كما كان لوالدتها وجدتها أثر كبير في تغذية الحس الإنساني لديها.
جان جاك روسو، جان بول سارتر، وألبير كامو أسماء ألِفتها وهي ما زالت تدرس في المرحلة الإعدادية، "كنت بقرأ بنهم شديد.. مكتبة خالي كانت عظيمة الشأن وأكلت (قرأت) كل اللي الكتب اللي فيها"، مما كان له تأثيره الواضح في تكوين أفكارها وشخصيتها بصورة كبيرة.
دراسة لم ترق لها في كلية الطب بجامعة عين شمس، بعد أن دُفعت إليها من قبل عائلتها نتيجة "مجموع كبير في الثانوية العامة" يعني وجوب الالتحاق بإحدى كليات القمة، رغم أن رغبتها كانت الدراسة بالفنون الجميلة، لتصقل موهبتها الفطرية في الرسم والنحت، فقررت أن تتخصص في دراسة الطب النفسي "الميل الفني هو اللي خلاني اختار الطب النفسي، لأنه دراسة النفس البشرية هو الحاجة الوحيدة القريبة من الفن".
خلال سنوات الجامعة، أنشأت بسمة مجموعة مع زملائها لها توجه يساري، اهتمت بحقوق الإنسان والميل لمناصرة المستضعفين، لكنها لم تلقَ الترحيب داخل كليتها "مكنش مألوف في الكلية وجود نشاط يساري، فتواجهت المجموعة بشكل عنيف"، وأدت مشاركتها إلى منعها من التعيين في الجامعة، رغم أحقيتها وحصولها على حكم قضائي يثبت ذلك "لم أسع لتنفيذ الحكم، لأنه كان بعد 6 أو 7 سنين ووقتها كنت سلكت مسلك تاني".
بعد التخرج في 2000، أعدت بسمة رسالتها للماجستير في "الأمراض النفسية والعصبية"، والتحقت للعمل بمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في 2002، واستمرت في تقديم المساندة النفسية والمشورة لما يقرب العشر سنوات، إلى جانب عملها بمستشفى العباسية للصحة النفسية، حتى توقفت لدراسة علم الاجتماع في فرنسا، ولم تعد بعدها لممارسة دورها كطبيبة نفسية.
بعد أن أنهكتها الممارسة الإكلينيكية للطب النفسي، قررت التوقف "حاليا مكتفية بالإدارة، وبعدت عن الممارسة من ست سنوات لأنها تتطلب سعة الصدر والتحمل، والتعامل مع فكرة عدم القدرة على تغيير واقع مؤلم"، متجهة إلى الكتابة لتحتمي من الاضطرار إلى سماع شهادات وحالات تعاني من أوضاع صعبة لم تعد تملك القدرة على التعامل معها، وترى في كتاباتها الروائية والأكاديمية فرصة للتحكم في هذه الأشياء وكشفها.
مواجهة السلطة القمعية بجميع أشكالها، الدينية أو الأبوية أو سلطة المجتمع فكرة ومشروع قررت بسمة أن ترصده في كتاباتها سواء المقالات الأسبوعية في الجرائد، أو الكتابات الأكاديمية، وأعمالها الأدبية "كتاباتي تبلورت فيها السلطة بشكل واضح وإذا جاءت أي أفكار أخرى هكتب عنها"، موضحة أن الفكرة هي التي تحدد رغبتها في الكتابة عنها، واختيار الوسيلة الأنسب للتعبير عنها "كل جنس من أجناس الكتابة له حلاوته، واللي بيفرض عليا الاختيار هو الموضوع"، مع رفض فكرة التقيد بإطار معين لا يمكنها الخروج منه أو التطرق إلى غيره.
الكتابة التي تعد أمرا عسيرا على البعض، تعتبرها بسمة "سهلة" بينما العثور على الفكرة هو الأصعب، وفور تواجدها تنساب الكلمات دون طقوس معينة أو الحاجة إلى ممارسة الكتابة في وقت معين، تشرع في التعبير عن أفكارها "اتعلمت أكتب في أي مكان وأي زمان".
قبل أن تصدر روايتها الأولى "الطابور"، لم تكن تتخيل أنها ستكون قادرة على المكوث لساعات طويلة ترسم ملامح وتفاصيل وحياة أشخاص اختلقتها، الأمر الذي كان يثير الملل في نفسها، ولكن بعد أن مكثت لشهرين تكتب "الطابور" اكتشفت متعة أكبر من كتابة القصص القصيرة "تكثيف اللحظة والمشاعر والتفاصيل له متعته، لكن تتبع مسارات وحيوات الأشخاص من خلال الرواية له متعة خاصة"، فتبدأ مع الخيط الأول وتترك نفسها للكتابة والخيال ليشكلا النهاية كيفما تأتي الظروف.
في "هنا بدن"، دارت بسمة بروايتها في عالمين متوازيين يحكم كل منهما سلطة، قد تكون دينية أو مجتمعية، ويبدو للقارئ في البداية أنهما عالمين مختلفين، ولكن تظهر توازيات بينهما تُظهر تعدد أوجه التشابه، فالفكرة الرئيسية هي تناول الأثر الذي تتركه السلطة القمعية في نفوس وأجساد الأشخاص المقموعين، تأتي الرواية في أكثر من 500 صفحة، واحتاجت إلى 8 أشهر لإنهائها، وأحداثها واقعية بخلاف "الطابور"، التي كانت تحمل طابع فانتازي.
تؤمن بسمة بقدرة الكتابة على إحداث تغيير حقيقي في الوعي والأفكار "لو مكنتش الكتابة مؤثرة، لم تكن السلطة القمعية في أي مكان اهتزت من سيناريو فيلم مكتوب كويس أو أغنية بتناهضها أو مقالة بتنتقدها"، فالسلطة، كما تراها بسمة، تخشى الأقلام المضادة لها. ووجود منتج أدبي، حتى وإن كان 80 في المئة منه ليس له قيمة، يعد حراكا إيجابيا من وجهة نظرها "ده معناه إنه المجتمع مش صامت وليس به موات".
يومها يبدأ دون أن تدري كيف تنتهي ساعاته، أو تخطط لقضائها بصورة محددة "أنا حد بيمشي حسب المزاج، وبعطي لنفسي المساحة والمرونة أتنقل بسرعة من حاجة لحاجة"، فمن الكتابة إلى الرسم والنحت والعزف أحيانا يمكن لبسمة، التي ترفض لقب "دكتورة"، ولا تعرّف به نفسها أو تجعله يسبق اسمها على كتاباتها، التعبير عن أوجه متعددة للفن تحملها داخلها، فالرسم ليس فقط هواية تمارسها، ولكنها شاركت في معارض جماعية ومنفردة، كما تعلمت النحت على يد الفنان صبري ناشد، وشاركت بأعمالها في عدد من المعارض، فأصبحت تحمل عضوية نقابة الفنانين التشكيليين، وأتيليه القاهرة للأدباء والفنانين.
بداية من من الفصل من كليتها، وحتى أزمة التعيين لم يخلُ مشوارها من الأزمات والصعوبات، التي كانت تضيف لها جزءا أقوى، وتمنحها القدرة على التكيف وتجاوز العقبات، فامتلكت نظرة إيجابية استطاعت أن تمحو بها سلبيات ما تتعرض له. تستعين بسمة بالموسيقى لتمنح قلبها الراحة والهدوء، فحفلة للأوركسترا الألماني أو أوبرا كارمن العالمية كفيلة أن تبهجها وتعزلها عن الواقع.
"معنديش حدود، ومش بحط أهداف بشكل واضح، ولكن طموحي إزاي اللي جاي يكون أفضل؟"، تواصلت شركة أمريكية مع بسمة لتحول روايتها "الطابور" إلى عمل سينمائي، واختارتها مجلة "فورين بوليسي" عام 2016 ضمن أفضل 100 شخصية من قادة الفكر في العالم، كما كانت ضمن الشخصيات العربية الأكثر تأثيرا لعام 2017، وفق اختيار مركز الأبحاث السويسري Global Influence، بخلاف حصولها على المركز الثاني بجائزة ساويرس للأدب المصري عن أفضل مجموعة قصصية لعام 2008، والفوز بمنحة وجائزة أحمد بهاء الدين البحثية لعام 2009.
الكاتب
هدير حسن
الأحد ٢٥ فبراير ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا