نسمة يوسف تكتب : عندما تعلو مشيئة المجتمع على مشيئة الله!
الأكثر مشاهدة
(يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). قالها الله سبحانه وتعالى واضحة وصريحة فى كتابه العزيز؛ فالأُنثى مثل الذكر؛ كلاهما سواسية يُشَكِلان أساس المجتمع دون أى فرق بينهما سوى الإيمان والعمل الصالح الذى سنقابل الله به يوم القيامة "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، فلا يوجد جنس أعلى من جنس، ولا توجد قمة لكى يرتكز الرجل فيها ويضع المرأة أسفله لكى تكون تحت قدميه.
وضع الله المرأة فى مكانة مقدسة؛ فهى الأم التى انشأ الجنة تحت قدميها وجعل رضاها من رضاه، وهى التى تُشَكل ثلاثة أرباع المجتمع بناءً على كلام النبى الكريم؛ حين أتاه رجلاً يسأله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فرد: { أمك } فقال: ثم من؟ قال: { أمك } قال الرجل: ثم من؟ قال: { أمك }. قال: ثم من؟ قال: { أبوك }.
وهى الزوجة التى أمرك أن تعاشرها بالمعروف (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) و أمرك بالانفاق عليها وليس قهرها وإلغاء دورها فى الحياة فتجعلها كقطعة الأثاث التى لا نفع لها ولا ضرر. فالرجل مجرد شريك وليس سيداً أو آمراً يجب ألا يُعصَى له أمر. فلم تُخلق حواء من رأس آدم لترأسه ولـم تُخـلـق مـن قـدمـه لتكون جاريـةً لــه بـل خُلـقـت من ضـلعــه لتكـون بجانبــه.
وهى الابنة التى تجلب الخير للأسرة والتى تضمن بحُسن تربيتها الجنة؛ قال رسول الله (مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وهى الأخت التى يأتى حنانها على الأخ فى المرتبة الثانية بعد حنان الأم.
أنزل الله أحكامه الشرعية واضحة ومع ذلك يرفض مجتمعنا الانصياع لها؛ فوضع أحكاماً أورثها جيلاً بعد جيل؛ تَحُط من قيمة وقدر المرأة متجاهلاً أنها ضلعاً أساسياً ترتكز عليه صلابة وقوة المجتمعات. ومن البديهى - وبما أننا فى مجتمع متدين بطبعه - ان نربى ابنائنا على تعاليم الدين الحنيف التى ذكرها الله فى كتابه العزيز و جاءت على لسان رسولنا الكريم، ولكن ما يحدث هو العكس؛ فقد اعتمد الآباء والأمهات فى تربية الأبناء على ترسيخ مجموعة من الأفكار يزعمون أنها عادات وتقاليد مجتمعية يضعونها نصب أعينهم وكأنها كتابٍ مُنَزَل فى لوحٍ محفوظ لا يجوز الحيد عنه ومن يخرج عن شريعة العادات والتقاليد فهو آثم، كمن سبَ الذات الإلهية. فجعلتنا ننتقل الى الدرك الاسفل من العالم ونقلتنا الى اسفل سافلين.
فما أقسى أن تعيش مقهوراً في مجتمع اتفقت أفراده على أن يضربونك ضربة رجل واحد. فكم من فتاة تُسلَب حريتها عند تزويجها دون رغبةً منها بحجة اقترابها من سن لا يسمح لها اللحاق بالقطار المتحرك الذى يقف ليستقبل ركابه من الفتيات اللاتى يتلائم أعمارهن مع السن المحدد للزواج من قبل المجتمع فى لوح الوصايا العشر المقدسة.
وكم من امرأة تعيش تعيسة مع زوج يُحقر منها ولا ترضاه ولا تستطيع إنهاء تلك المهزلة بسبب ضغوطٍ تمارس عليها بحجة أن المرأة المطلقة دائما ما تكون منبوذة من مجتمعٍ يعيش هو نفسه منبوذاً وسط دول العالم المتقدمة التى تحترم حقوق الانسان وتُبجلها. وكم من فتاة تم اغتصابها تفكر يومياً فى نهاية حياتها؛ فهى تعيس برأس مُنَكَسة لأن مجتمعها يترجم معنى كلمة "فتاة مغتصبة" على أنها فتاة مجرمة جالبة للعار.
وكم من بنت تعيش ذليلة داخل منزلها؛ نتيجة زرع نزعة السيطرة فى الذكور منذ الصغر. فنجد الأم والأب بدلاً من تربية البنت والولد على أنهم سواء وأن لكل واحد نفس الدور الذى يقوم به الآخر؛ يأمرون بناتهم بخدمة أشقائهم. فينشأ الولد على أن الدور الوحيد الذى خلقت من اجله الفتاة هى خدمته فقط؛ فهو يجب عليه ان يعيش كالأمير داخل المنزل ويجب على الفتاة أن تقوم بعمل كل ما يلزم لخدمة ذلك الأمير من كافة الأشياء دون تذمر أوعِصيان.
وكيف لمجتمع أن يحلل أمراً حرمه الله ويكيل فيه بمكيالين. فقد حرم الله الزنا للذكر والأنثى على السواء فقال (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) فلم يقل "ولا تقربى الزنا أيتها المرأة". ولكن جاءت التقاليد بتحريمه للفتاة واباحته للفتى تحت مبدأ "الولد مايعيبوش حاجة"و "عيل وغلط". فاذا ارتكب الولد ذلك الفعل - المحرم - يكن معه تسعة وتسعون عذراً، بينما اذا فكرت الفتاة فى مجرد الارتباط بشخص تحبه فتُرجم حتى الموت!!
أى مكيال ينبذ من كفتيه جنساً ويترك الجنس الآخر بلا قيود حتى ولو كانت تخالف الشرع والدين الذى يتحدثون عنه؟ أى مكيال أجاز لهم وأد أحلام الفتاة ودفنها فى طبقات الأرض السابعة ومنعها من رؤية النور الإلهى الذى لم يكن حكراً يوماً على الرجال دون النساء؟ أى مكيال جعلكم تنشئون مجتمعاً عنصرياً ذكورياً بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف وجعله ينتهك حُرمه أجساد نسائه وكأنهن جوارى يملكونها؟ أى مكيال يًبرر تحرش الذكر بالأنثى ويدافع عنه؟ فـ بأى مكيال تكيلون به الأمور؟
الكاتب
نسمة يوسف
الأحد ٢٤ يناير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا