أحمد بكر يكتب: حكايات الخوف
الأكثر مشاهدة
1
ذلك اليوم لم انسى المفتاح، وجدته في جيبي، لم ازعج امي بالجرس، اعلم ان رجلاها تؤلمها، جدسها كله، أكلت الزمن فأكلها، تحملت مالا طاقة لها به حين كانت صغيرة ولم تفقد جمالها الى الان، ربما نال الزمن من امي في المها، لكنها نالت منه في احتفاظها بجمالها وبطفولتها في آن واحد، لا اعلم منذ متى انظر لامي تلك النظرة، ولكنني اجدني اقف عند كشك الحلوى واشتري لها عدد من انواع الشيكولاتة، حتى افاجئها بهم حين صعودي.
فتحت باب الشقة، وجدتها نائمة فجلست بجانبها على الارض، ايقظتها لاخبرها اني جئت، واعطيها الشيكولاته واخرج للصالة، تسألني عما ماذا سوف افعل، هل سأجلس كعادتي في غرفتي ام ماذا، اعلم سرا انها تريد ان تجلس معي، اشعر دائما ان امي لا تتعامل معي كإبنها البكر، بل اخيها الصغير، اخبرها اني ذاهب لاجلب المياه وسوف اجالسها، تخبرني أن "طيب" وتعتدل في جلستها، اضحك في سري واذهب اليها.
تشكو لي ابي، وافعاله؛ تشكو لي قسوة الزمن، تحكي عندما كانت صغيرة جدا، تتباهى بشعرها وبذهابها للكوافير كل خميس، بملابسها وبالذين احبوها، امي كانت تلعب العود، عازفة ماهرة، كنا نحتفظ ببراوز لامي وهي صغيرة بشعرها، كانت جميلة جدا، لا عجب ان يجري ابي وراؤها سنينا؛ امي امرأة اعتمدت على نفسها مبكرا، سافرت لتعمل، ساعدت جدي وجدتي، وتحملت ما لا يطيقه الرجال وربما لذلك اعلم الان ان هذا تحديدا ما جعلني اقدر واحتفي بالجميلات.
كانت تبكي يومها، وكنت احتضنها بشدة، اربت على كتفاها، اقبلها، امسك خداها واشدهما كما كنت افعل صغيرا كي تضحك، تفشل محاولاتي وتستمر في البكاء، ثم تكح بشدة ولا تستطيع ان تأخذ انفاسها.....
اخاف... يقف قلبي ولا اشعر به، اجري على الثلاجة احضر زاجة مياه باردة، اجعلها تشرب، اغصل لها وجهها بالمياه الساخنه، انقر ظهرها، امسكها واضغط بطنها، تفشل محاولاتي كلها ..... لا تستطيع ان تأخذ انفاسها، تتشبث بي، تمسك يدي بشدة وتدخل اظافرها في يدي، اشعر بأن روحي تهرب من جسد، اغصل لها وجهها واضغط بطنها بضدة، اجعلها تشرب، ثم اجعلها تقف، ابذل اقصى محاولاتي، ولا اشعر بأي بقلبي ولا بروحي... اخاف بشدة ويهرب الدم من جسمي.... ماما ....ماما
تبدأ بالهدوء بعد ان توقف قلبي عن الخفقان، تنظر لي بحنان يكفي العالم بعد ان تهدأ تماما وتقول:
-خفت عليا ؟!!!
اخاف... يقف قلبي... انظر لها واتظاهر بأني ملم بأجزاء قلبي المتبعثر بصوت هادئ متزن:
-اكيد خفت طبعا وانا ليا غيرك يعني
اتركها لتنام، اغلق النور واقف حتى اطمئن لنومها؛ اغادر الغرفة ...... واخاف.
انظر لها ولا ارى مدى لجمالها، يستغرقني النظر اليها واتوه، وحين استفيق.... اخاف
2
انهكنتي علاقتي الاخيرة، استهلكت مني اجزاء من روحي، لم تكن الاولى ولا اعلم لماذا تلك تحديدا هي من فعلت بي ذلك، لا ادري، وربما ادري ولا اريد الاعتراف.
فات الكثير من الوقت، ربما ليس الكثير ولكنه كان الوقت الكافي لاصبج شحص اخر غير الذي كنته جملتاً وتفصيلا، تغيرت بسرعة فائقة لا اعرف مواكبتها، اكتشف التغيرات بعد ان يحدث الكثير غيرها واتفاجئ، اصبح شخصا اكثر نضجا، اكثر فهما للامور، تزيد اللامبالاة، اعبر ميدان التحرير في التاسعة، اجد الشارع ممتلأٍ بالسيارات، اعبر الطريق غير مبالي وانظر في هاتفي المحمول.
تزيد السخرية، تزداد غرابتي يوما بعد يوم، بمؤشرات كبيرة وكثيرة، اتخذ قرارات اخرى غير التي كنت اتخذها قبلا، اكثر بطأ اكثر تحديدا، ابعد، لا اعرف ... اتغير بسرعة تخفيني، الوضع حرج، لا استطيع المواكبة ولا الصمود، اتغير يوما بعد يوم، اشعر بأني اتعمق واغرق اكثر وازيد خفة يوما بعد يوم، اتحاشى المرآة، تقع عيني على صورتي فيها صدفة، اتمعن النظر يستغرقني الامر دقائق ثم اذهب مسرعا..... واخاف
تمر الايام، وتدور الدنيا واتغير... بسرعة.... واخاف؛ اقابل احداهن صدفة، لماذا الان!..... ذلك شعور اخر اكثر عمقا وهدوءا عما اعتدت، اكثر رزانة واتزانا، اخفي اهتمامي رغم تزايده، اصدر لا مبالاتي للمشهد وارفع دروعي .... وأخاف
انظر الى السقف بينما استلقي على سريري واتذكر كيف كنت، ارى في الظلام اشباح لمشاعر واشياء كنت امتلكها، اشياء معنوية كثيرة تعيد خلق ما هو مادي في ابسط صوره واجملها، اتذكر صديقي حينما اخذ نفسا من سيجارته ثم رشفة من البيبسي ثم قال:
-استنفذتك....
ارفع هاتفي، واتصل بها، نتفق على ان نتقابل في نفس اليوم، اتوجه الى المكان المتفق قبل ميعادنا بنصف ساعة، اجلس وأنشغل في عملي، حتى تأتي وعندما تدخل، انظر اليها واغمض عيني قليلا، نجلس ونتسمتع، نمشي ونسخر بنفس الكلمات في نفس الوقت فاسرح، يطاردني اعجابي بها وتطاردني اشباح استنذافي فلا اعرف كيف اتصرف...... واخاف
اجد صعوبة في التنفس وانهج، اشعر بضربات قلبي المتسارعة وصعوبة في التنفس مؤخرا حينما اخاف
حكاوي ومشاهد متفرقة من الخوف
الكاتب
أحمد بكر
الإثنين ٢٩ فبراير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا