المزيكا وحدوتة«كارمينا بورانا»
الأكثر مشاهدة
أتذكر جيدًا يومي الأول مع "موبيل -HTC يونيفرسال"... ليتناوله خالي كمساعدة لمبتدئة وحمّل عليه الكثير من الموسيقى والأغاني، واستمع حينها لأول مرة إلى المقطوعة الأولى من معزوفة"كارمينا بورانا"، حيث كانت "الرنة" المعتادة لمعظم حاملي "الموبيل" في بداية الألفنيات....
"كارمينا بورانا" أغنيات باللاتنية قام كارول أورف بتلحينها منذ مائة عام، بعدما جمعها من أشعار رهبان كانوا يعيشون في دير ناءٍ بشمال أوروبا، ثم مسهم جنون الشبق والمتعة فانهمكوا في غواياتهم، وتركوا الصلوات وألفوا هذه الأغنيات المرحة، باللاتنية التي كانت آنذاك قد بدأت تندثر.
وكان كارل أورف من الفجور الإبداعي، بحيث لفّ الأغنيات المبتذلة، بدوامات بديعة من الإيقاعات الكنسية المتوالية، بادئا مقطوعته ومنتهيا منها، بنداء موسيقي ملحمي مزلزل، موجه للربة "فورتونا" إلهة الحظ والمتعة؛ لتبقى من بعده كارمينا بورانا بغلافها الموسيقي المهيب، وفحوى كلماتها اللاتنية المبتذلة، التي لا يعرف معناها إلا قلة –أشهر مقطوعة في العالم وأشهر مقطوعة يسمعها الناس- إطارها مهيب وقلبها عاهر!
عند سماع مقطوعة "أورف" المتألقة للوهلة الأولى تبدو كأنها تنطوي على مفارقة في الجمع بين الجمالية اللحنية والأسلوب الوحشي لموسيقى القرع في التزاوج بين المقطوعات الحديثة وتلك التي تنتمي الى القرون الوسطى. وتتكئ اوركسترا أورف الشديدة التلوين على الطواف على آلات القرع الذي يؤديه خمسة عازفين.
إن الإسلوب الموسيقي يتراوح بين الترتيلة البسيطة والمقاطع الإيقاعية الشبيهة بموسيقى الروك. ومقطعا الافتتاح والختام اللذان ينطقان بكلمة O Fortuna يعكس أحدهما الآخر كما في مرآة. يبدآن بكل عنفوان، ثم على حين فجأة يهبطان الى حالة من الإدهاش. بين هذه النهايات نسمع موسيقى من عدة أساليب، مع عنصر تكراري منوم، وصفاء مذهل في صوت السوبرانو المنفرد وكورس الاطفال...
يشتمل العمل على ثلاثة أجزاء: فصل الربيع، في الحانة، وحب. ويبدأ العمل بهدير الكورس، ثم يستحيل الى ترتيلة صامتة تقريباً حول مآسي القدر، ثم لا تلبث أن يتعالى صوتها بالتدريج، لتنتهي بهدير يصم الآذان.
وهناك أيضاً أغنية «أبكي على جراحات الحظ» التي ترافق العمل بين حين وآخر.
كما إن المقطع الأول من كارمينا بورانا يتحدث عن حلول الربيع والرقص على أعشاب القرية. وتغني الفتيات عن أحبائهن الذين ابتعدوا. والغابات مزدهرة. والفتيات يذهبن الى الحوانيت لشراء الصبغة الحمراء ليطلين بها خدودهن. هناك جو من المرح.
وتستريح النساء في حين يذهب الرجال الى الحانة. ويغني صاحب صوت الباريتون كيف هي الحياة رهيبة وكيف إنه يحاول التغلب على الهموم باقتناص المسرات. أما صاحب صوت التينور فيغني الأغنية التراجيكوميدية لبجعة كانت تستمتع يوماً بعومها بهدوء في البحيرة ثم ينتهي مصيرها بأن تشوى على النار في سفود. ويعود الباريتون ليغني عن سكير جرد من ملابسه من قبل أصحابه ويصرخ («واويلتاه!») في الشوارع.
ويتلو ذلك مختارات من الأغاني عن الحب والجنس، تبدأ بالحب الرقيق ثم تزداد صخباً. ثم ترداد كلمات «تعالوا، تعالوا، بربكم تعالوا» مع إيقاعات متلاحقة تنتهي بكلمات (حان وقت الاحتفال) حيث يغني جميع المغنين (بإستثناء التينور المسكين) بيتاً من الشعر، يتبعه غناء الكورس:
آه، آه، آه،
أنا أعود الى الحياة بكل عنفواني
الآن من أجل حب فتاة
أنا أشتعل لهيباً
إنه حب جديد لا مثيل له
إنني هالك!
لكن هذا الأداء يختتم بصوت الإفتتاح O Fortuna ليذكرنا بأنه رغم كل شيء فإن عجلة القدر تواصل دورانها، لتهبط باولئك الذين رفعتهم الى الأعالي .
كارل أورف (ميونيخ 10 يوليو 1895 - ميونيخ، 29 مارس 1982) كان ملحنًا ألمانيًا، ومن أشهر ملحني القرن العشرين، فأعماله تعتبر تعليمية، فعمد كارل على تعليم الموسيقى الإيقاعية. وأنشأ المركز التعليمي للموسيقى للاطفال في 1925 الذي مضى وقته للتعليم حتى موتة في 1982، ومن أعمله المهمة كانت كارمينا بورانا والكانتاتا.
الكاتب
حسناء محمد
السبت ٠٥ مارس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا