”جوابات” من ذاكرة السينما المصرية
الأكثر مشاهدة
السينما المصرية مليئة بتفاصيل فنيّة.. كادرات محمد خان، وحوار وحيد حامد، وموسيقى راجح داؤو.. والكثير من البصمات التي لا تُنسى.
أما عن البصمة التي نفتقد وجودها في عصرنا، رغم تخليد السينما لها، هي "الجوابات"، جوابات بطابع إنساني، كُتبت في سياق درامي للأفلام المصرية، وأوصلت ما بداخل الشخص المرسِل على أكمل وجه، وتركت بداخلنا حنين لهذا الزمن الذي نمسك فيه القلم ونبدأ في التفكير فيمن نرسل لهم كلماتنا مع كل حرف نكتبه.
ومن أهم تلك الجوابات التي كتبت في الأفلام المصرية
فاتن حمامة التي راسلت الموتى
عام 1988 خرجت لنا السينما بالفيلم الرائع "يوم مر، يوم حلو" كانت بطلته الجميلة فاتن حمامة، وفي أحد المشاهد طلبت من ابنها الصغير أن يكتب لها ما يجول ببالها في جواب، بقصد إرساله لزوجها "الميّت"، بهدف "الفضفضة" فقالت فيه:
"جوزى عبد الجبار متولى ... اتجوزتنى صغيرة مكنتش فاهمة حاجة فى الدنيا كنت معاك وعمرى ما سيبتك، عمرى ما خبيت عنك أى حاجة ولا دخلت عليك أى هم، كنت دايمًا أقولك انت ضلّى..
قعدت سنتين أخدم فيك وانت عيان وكنت قاعدة جنب راسك وانت بتموت، ايه اللى عملته معاك بقى عشان يحصلى ده كله ؟ قولى آخرة ده ايه وايه اللى هيجرالى خصوصًا انى وصلت أبيع السرير اللى بينام عليه عيالى بكرة !
الجواب ده انا بعتاهولك عن طريقك يا سيدى يا إمام يا شافعى يا عادل شريعة ياللى شرعت بين أمك وابوك اشرع بين عيشة محمد المناديلى -بنت فاطمة، أبوها كان بياع بخور وعطور بين السورين- وبينه عبد الجبار متولى -عسكرى المزيكا ابن لبيبة- وفى أول جلسة أرجوك تجاوب ايه الحل عشان العمل .. جاوب بسرعة قبل خراب البيت ولو انّى لا يمكن هسيبه يخرب وهقاوم حتى الممات. ودمتم للمخلصة عيشة.. عيشة محمد المناديلى"
عادل إمام عندما راسل حبيبته من خلف أسوار السجن
فيلم "حب في الزنزانة" 1983عندما تعرّف "صلاح" لأول مرة على حبيبته "فايزة" أو سعاد حسني، بعد أن رآها تلوّح له بمنديل أخضر من خلف أسوار سجنها، وسجنه، فكتب لها:
"أختي العزيزة ذات المنديل الأخضر
أهديكي أرق التحيات
أحب أعرفك بنفسي، أنا صلاح الغرباوي، دبلوم صنايع، وشاطر جدًا في الخراطة، لكن مكسبي كان مكفيني بالعافية، خصوصًا وأنا عندي أحلام كبيرة، فدخلت السجن علشان أبني مستقبلي وأكوّن نفسي.
بصراحة أنا كنت مهموم وحزين، لكن راحت همومي لما شوفتك، وشوفت اللون الأخضر بين إيديكي.. ربنا يجعل سنينك كلها خضرة.
وختامًا، أتمنى لكي السعادة وراحة البال.. المخلص ليكي صلاح".
من ألمانيا كتب صالح سليم جواب لفاتن حمامة ليكسر الحواجز بينه وبينها
في الفيلم المأخوذ عن الرواية الخالدة الباب المفتوح" كتب حسين أو صالح سليم الجواب الأكثر نضجًا في تاريخ السينما المصرية ليرسله لحبيبته ليلى أو فاتن حمامة، التي رفضت حبه ظنًا منها أن الحب ضعف وانكسار، فجاء جوابه ليثبت لها أن الحب سيشدد أزرها، ويعينها على مخاوفها فقال:
"عزيزتى ليلى
لم أكن أريد أن أستعمل كلمة ” عزيزتى ” بل أردت أن أستعمل كلمة أخرى، كلمة أقرب الى الحقيقة والى شعورى نحوك ولكنى خفت أن أخيفك وأنا أعرف أن من السهل اخافتك. من السهل بشكل مؤلم، مؤلم لى على الأقل.
وهذا أيضا هو سبب ترددى فى الكتابة اليك ولكن حنينى الجارف الى الوطن لم يترك لى الاختيار فقد أصبحت أنت رمزا لكل ما أحبه فى وطنى وعندما أفكر فى مصر أفكر فيك وعندما أحن الى مصر أحن اليك وبصراحة أنا لا أنقطع عن الحنين الى مصر.
أكاد أراك تبتسمين، فأنت لا تصدقينى. أليس كذلك ؟.. أنت لا تثقين بى. أنت تقيمين بينى وبينك الحواجز، أنت لا تريدين أن تنطلقى وأن تتركى نفسك على سجيتها، لأنك تخشين أن تتعلقى بى، أن تفنى كيانك فى كيانى، أن تستمدى ثقتك فى نفسك وفى الحياة منى، ثم تكتشفى كيانك مدلوقا-كالقهوة- فى غرفتى.
وأنا أحبك وأريد منك أن تحبينى، ولكنى لا أريد منك أن تفنى كيانك فى كيانى ولا فى كيان أى أنسان. ولا أريد لك أن تستمدى ثقتك فى نفسك وفى الحياة منى أو من أى أنسان. أريد لك كيانك الخاص المستقل، والثقة التى تنبعث من النفس لا من الاخرين.
واذ ذاك – عندما يتحقق لك هذا- لن يستطيع أحد أن يحطمك لا أنا ولا أى مخلوق. اذ ذاك فقط، تستطيعين أن تلطمى من يلطمك وتستأنفى المسير. واذ ذاك فقط تستطيعين أن تربطى كيانك بكيان الآخرين، فيزدهر كيانك وينمو ويتجدد، واذ ذاك فقط تحققين السعادة فأنت تعيسة يا حبيبتى، وقد حاولت، ولم تستطيعى، أن تخفى عنى تعاستك…
لقد أنحبست فى الدائرة التى ينحبس فيها أغلب أفراد طبقتنا، دائرة الأنا، دائرة التوجس والركود، دائرة الأصول، نفس الأصول التى جعلت عصام يخونك، وجعلت محمود يشعر بالعزلة فى معركة القناة. وجعلت طبقتنا، كطبقة، تقف طويلا موقف المتفرج من الحركة الوطنية، نفس الأصول التى تكرهينها وأكرها، ويكرها كل من يتطلع الى مستقبل أفضل لشعبنا ووطننا.
وفى دائرة الأنا، عشت تعيسة، لانك فى أعماقك تؤمنين بالتحرر، بالانطلاق، بالفناء فى المجموع، بالحب، بالحياة الخصبة المتجددة.
عشت تعيسة لأن تيار الحياة فيك لم يمت بل بقى حيا يصارع من أجل الانطلاق.
فلا تنحبسى فى الدائرة الضيقة، انها ستضيق عليك حتى تخنقك أو تحولك الى مخلوقة بليدة معدومة الحس والتفكير…
انطلقى يا حبيبتى، صلى كيانك بالآخرين، بالملايين من الآخرين، بالارض الطيبة أرضنا، بالشعب الطيب شعبنا.
وستجدين حبا، أكبر منى ومنك، حبا كبيرا، حبا جميلا… حبا لايستطيع أحد أن يسلبك اياه، حبا تجدين دائما صداه يتردد فى الاذن، وينعكس فى القلب، ويكبر به الانسان ويشتد: حب الوطن وحب الشعب…
فانطلقى يا حبيبتى، افتحى الباب عريضا على مصراعيه، واتركيه مفتوحا..,
وفى الطريق المفتوح ستجديننى يا حبيبتى، أنتظرك، لأنى أثق بك، وأثق فى قدرتك على الأنطلاق، ولأنى لا أملك سوى الانتظار… انتظارك"
الكاتب
أمينة صلاح الدين
الأربعاء ٢٤ يناير ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا