الأم الروحية لـ ”لا” في التاريخ
الأكثر مشاهدة
بعد انفصال والديها عن بعضهما عندما كانت في الثانية من عمرها، عاشت روزا لويس باركس مع والدتها، جديها، وأخيها الأصغر في مزرعة خارج بلدة توسكيج، وتلقت هناك تعليما منزليا حتى بلغت الحادية عشرة من العمر.
أكملت باركس دراستها في إحدى مدارس مونتجمري التي أنشأت من قبل بعض النساء اللاتي اعتنقن فكرا متحررا، توافق مع نصائح والدتها في فهم قيمة الشخص نفسه. ثم انتقلت إلى مدرسة خاصة بالأفارقة الأمريكيون لإكمال المرحلة الثانوية، إلا أنها أجبرت على التخلي عن دراستها للعناية بجدتها، ووالدتها بعد أن أعياهما المرض.
وفي عام 1943 أصبحت روزا عضوا ناشطا في منظمة الاتحاد الوطني للدفاع عن حقوق السود، وانتخبت كسكرتيرة متطوعة، ثم كرئيس للمنظمة، وقد عملت عام 1940 لفترة قصيرة في قاعدة ماكسويل للقوات الجوية، وهي منشأة فيدرالية لم يكن الفصل العنصري مسموحا فيها حتى ضمن وسائل النقل، وقد قالت روزا فيما بعد أثناء وضع سيرة حياتها أن عملها في ماسكويل "فتح عينيها واسعاً".
لم تقف باركس عند هذا فقط، بل قالت أول "لا" في تاريخ أمريكا وهي في الاربعينات من عمرها، وهكذا تبدأ الحكاية والثورة....
في أحد أمسيات شهر ديسمبر عام 1955 الباردة جمعت روزا باركس حاجياتها، وهي ذات البشرة السمراء والتي تعمل خياطة، وتجهزت للعودة إلى بيتها بعد يوم من العمل الشاق المضني ، مشت روزا في الشارع تحتضن حقيبتها مستمدة منها بعض الدفء اللذيذ .
التفتت يمنة ويسرة ثم عبرت الطريق ووقفت تنتظر الحافلة كي تقلها إلى وجهتها، وأثناء وقوفها الذي استمر لدقائق عشر كانت روزا تشاهد في ألم منظر مألوف في أمريكا آنذاك ، وهو قيام الرجل الأسود من كرسيه ليجلس مكانه رجل أبيض.
لم يكن هذا السلوك وقتها نابعا من روح أخوية، أو لمسة حضارية، بل لأن القانون الأمريكي كان يمنع منعا باتا جلوس الرجل الأسود وسيده الأبيض واقف .
حتى وإن كانت الجالسة امرأة سوداء عجوز وكان الواقف شاب أبيض في عنفوان شبابه، كما كان مشهورا وقتها أن تجد لوحة معلقة على باب أحد المحال التجارية أو المطاعم مكتوب عليها ( ممنوع دخول القطط والكلاب والرجل الأسود) .
كل تلك الممارسات العنصرية كانت تصيب روزا بحالة من الحزن والألم والغضب . فإلى متى يعاملوا على أنهم هم الدون والأقل مكانة …
إلى أن جاءت المحطة التالية، وصعد الركاب وإذ بالحافلة ممتلئة ، وبهدوء اتجه رجل أبيض إلى حيث تجلس منتظرا أن تفسح له المجال، لكنها ويا للعجب نظرت له في لامبالاة وعادات لتطالع الطريق مرة أخرى.
ثارت ثائرة الرجل الأبيض، وأخذ الركاب البيض في سب روزا والتوعد لها إن لم تقم من فورها وتجلس الرجل الأبيض الواقف .
لكنها أبت وأصرت على موقفها، فما كان من سائق الحافلة أمام هذا الخرق الواضح للقانون إلا أن يتجه مباشرة إلى الشرطة كي تحقق مع تلك المرأة السوداء التي أزعجت السادة البيض ....
وكان هذا الموقف بمثابة الشرارة التي أشعلت حملة ضخمة من السود لمقاطعة الحافلات استمرت إلي 381 يوما نظمه القس مارتن لوثر كينج.
وكانت تلك الاحتجاجات بداية لإلغاء التمييز بين المواطنين على أساس اللون في وسائل النقل. ووصل الذروة في عام 1964 بصدور قانون الحريات المدنية الذي حرم التمييز على أساس العرق في الولايات المتحدة.وبعد ذلك بسنوات حصل مارتن لوثر كينج على جائزة نوبل لإنجازاته في مجال الحقوق المدنية.
روزا لويس باركس؛ ولدت في 4 فبراير عام 1913، تحت اسم روزا لويس ماكولي في بلدة توسكيج في آلاباما. كانت ابنة كلٍ من جايمس ماكولي الذي كان يعمل بالنجارة، وليونا إدواردز التي عملت مدرسة . كما كانت ذات أصول أفريقية أمريكية، شيروكية (من قبائل الهنود الحمر)، واسكتلندية إيرلندية.
الكاتب
حسناء محمد
الثلاثاء ٢٦ أبريل ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا