تعرفوا على ”سهى عرفات” زوجة ”أبو عمار” الوحيدة
الأكثر مشاهدة
لم يكن سهلا على سهى عرفات أن تكون زوجة واحد من أهم القادة العرب، وأن تعيش معه وترافقه أوقات صعبة، وأحيانا تضطرها ارتباطاته بالقضية الفلسطينية أن تواجه وحيدة مواقف حياتية مؤلمة، ليكون اختيارها لياسر عرفات زوجا أشبه بمن يحمل نعشه على كف يده.
اقرئي أيضا: الملكة رانيا زوجة وأم وإنسانة مهمومة بوطنها العربي
سهى عرفات داود طويل
قبل أن تحمل لقبه، وتحاول أن تشاركه حياته، عاشت سهى عرفات حياة طبيعية في كنف والديها، فولادتها كانت في الضفة الغربية في 17 يوليو 1963، ونشأن في أسرة فلسطينية ثرية تدين بالمسيحية الكاثوليكية، وعاشت سنوات طفولتها ما بين مدينتي نابلس ورام الله، حين كانت كانت تخضعان للسلطة الأردنية.
الأب هو داوود الطويل الذي كان يعمل بمجال الصرافة والبنوك بعد التخرج من جامعة أوكسفورد، أما والدتها ريموندا الطويل فكانت لها اهتماماتها بالكتابة والأدب والشعر، وكذلك السياسة، وعرفت بقوة شخصيتها التي منحتها لقب "أنثى أسد نابلس"، وظلت مهتمة بالقضية الفلسطينية والأدوات الإعلامية التي يجب أن تعبر عنها، فافتتحت وكالة أنباء فلسطينية بالقدس، وتم وضعها بسبب نشاطها السياسية تحت الإقامة الجبرية لمدة 6 أشهر، واعتقالها بسبب اشتباكات مع مستوطنين.
يبدو أن الابنة ورثت طباع قوة الشخصية عن والدتها، فكانت سهى عرفات تمتلك دوما الأدوات التي تمكنها من المواجهة والثبات على الحق، حتى وإن بدت عكس التيار، ولكنها تميزت عنها بالهدوء. درست سهى عرفات في مدرسة الدير ومدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا في القدس.
وفي مرحلة التعليم الجامعي انتقلت إلى فرنسا مع أختها، والتحقت بجامعة السوربون، ورغم ابتعادها عن وطنها، لم تغب عنها القضية الفلسطينية، ورغبتها في أن ترى وطنها حرا، فشاركت في تنظيم التظاهرات بالعاصمة الفرنسية من أجل رفض الاحتلال، وتمكنت من أن تكون رئيس الاتحاد العام لطلبة فلسطين في فرنسا.
سهى وياسرعرفات
حياتها قبل لقائه، ليست هي بعد أن تعرفت عليه وارتبطت به، فاللقاء الأول الذي جمع سهى بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات كان في عام 1985 في الأردن، فزارته مع والدتها وإخوتها بمخيم الوحدات كـ "أبو عمار" القائد الذي كان يراه الفلسطينيون الأمل والرمز الذي يمثل حقهم في تقرير مصيرهم، ودليل وحدتهم، والمثال الذى فنى عمره من أجل تحرير بلاده.
بعدها بثلاث سنوات، حدث اللقاء الثاني عام 1989 في باريس عاصمة فرنسا، حين كان ياسر عرفات يقوم بجولته، ضمن برنامج سياسي، وتطوعت سهى عرفات أن تقوم بالإشراف على البرنامج والعمل كمترجمة له في لقاءاته مع الساسة الفرنسيين، لتكون تلك بداية تحول "الختيار" (وهو لقب باللهجة الشامية يشير إلى الرجل كبير السن) إلى زوج لفتاة تصغره بما يقرب من 34 عاما، ليواجه قرار بكثير من الاستنكار.
كان دوما ما يعلن ياسر عرفات، وهو رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المنتخب في عام 1996، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، والقائد العام لحركة فتح، أنه لن يتزوج، فزواجه أصبح من القضية الفلسطينية، التي فنى عمره في سبيلها، ولكن يبدو أن ظهور سهى عرفات غيّر ما كان يخطط له، وبدل أحوال قلبه.
لا تعرف سهى عرفات كيف حدث الأمر "صعب تقولي لأ لأبو عمار"، فهو قائد له هيبته أحبها وأحب وجودها إلى جانبه، وهيأيضا بادلته المشاعر، فلم يكن من الأمر مفر، ورأت أن إعجابه بها يأتي من تلقائيتها وتعمدها التصرف بطبيعية "أنا مو بأله وأقدس الأشخاص"، فكانت تعامله كإنسان "الطريقة الطبيعية بتصرفاتي قد تكون هي ما جذبته لي"، فكانت تتعمد أن تخبره ما لا يعجبها دون حذر.
تم الزواج، الذي عارضه والديها في البداية، فأخبرها والدها أن زواجها من ياسر عرفات يشبه بـ "كأنك تحطي دمك على كفك"، وصرحت لها والدتها بخوفها على حياتها، ولكن أصرت سهى عرفات "أتممنا الزواج دون موافقة أحد" في يوليو 1990، حين كان عمرها 27 عاما بينما هو رجل يستقبل عامه الستين، واعتنقت الإسلام بعد الزواج، الذي بقي سرا عن الإعلام لعامين كاملين، فلم يتم الإعلان عن زواجهما سوى في أبريل عام 1992، عندما اضطرت أن تذهب إلى ليبيا لتطمئن عليه بعد سقوط طائرته في صحاريها.
بعد الزواج، وحتى تكون سهى قريبة من ياسر عرفات، تم تعيينها مسئولة العلاقات العامة في منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت تتخذ من تونس مقرا لها، ثم أصبحت سهى عرفات مستشارة أبو عمار لشئون الاقتصاد، ولذلك كانت المناصب التي تولتها وزواجها منه خبر غير سار لكثير من المحيطين بياسر عرفات، الذي كان بالنسبة لهم "عنوان القضية الفلسطينية".
قالت سهى عرفات أن زواجها منه لم يكن مُرحبا به من كثير من القيادات الفلسطينية المحيطة برئيس السلطة الفلسطينية، وشهدت بسبب ذلك كثير من الصراعات وراء الكواليس، فلم يكن وجودها مقبول، متوقعين أنه حتى مع اختيار ياسر عرفات لزوجة، فمن الأفضل لها أن تكون صاحبة تاريخ نضالي ومشاركات سياسية بارزة "لا أن يختار سكرتيرته"، ولكن أن تكون فتاة صغيرة بالعمر، فكان ذلك غير مريح بالنسبة لهم.
كانت نتيجة هذا الزواج فتاتهما الوحيدة "زهوة ياسر عرفات" التي حملت اسم والدته، ورغم أنه كان يرغب في أن يكون مولوده الأول ذكر، كان وجود "زهوة" بحياته له وقع مختلف، كما تتذكر سهى، فكان يحبها وتذكرها بوالدته التي رحلت وهو بعمر الثلاث سنوات، وكان قاسيا عليها أن تلد ابنتها في 24 يوليو 1995 وحيدة في مستشفى بفرنسا، خاصى، بعد أن انتشر وجود قنبلة بالمستشفى التي تلد بها، وتم نقلهما وابنتها إلى جناح آخر "كانت زهوة ملفوفة بالواقي، وكنت ببكي بشدة" كأنها باتت تعلم أن مصيرها وابنتها أن تكونا مستهدفتين.
حاولت سهى عرفات أن ترافق زوجها في مشواره النضالي، ورغم صعوبة الوضع الذي عاشته، حرصت على أن تتقبله وتتعامل مع اختيارها، فكانت تتفهم غيابه لساعات طويلة، وكانت تحرص على أن تزوره بمكتبه هي وزهوة من حين لآخر، حتى تتعلق به الفتاة وتعرف عنه أكثر، كما كانت تدرك أنها من الممكن أن تكون قد عانت من الظلم، ولكن "اقتناعك به وحبك له وبالحياة اللي اخترتيها معه، بيعني تقفي معه معنويا وتختاري تكوني معه".
وبحثت سهى عرفات لنفسها عن دور يساهم في القضية الفلسطينية "العيش مع أبو عمار خلاني اتأقلم على حياته، وقررت أعمل شي لوطني لا أن أبقى بظله، وأحمل اسمه فقط". ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، استهدف هجوم صاروخي منزل حرس الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأصبح وجود زوجته وابنته في غزة يجعلهما مستهدفتين، فكان القرار برحليهما، فانتقلا إلى القاهرة لفترة، ثم استقرتا في باريس.
كان هدف نقل الأسرة إلى مكان آخر- من وجهة نظر ياسر عرفات- حتى لا يعتبر المجتمع الدولي أنه يستخدم زوجته وابنته كدروع بشرية للحفاظ على حياته، ولذلك فضل أن يعيشا في بلد آخر رغم خطورة ذلك أيضا، ولكن كان تواجدهما الدائم خارج البلاد مثار جدا، فكيف تعيش سهى عرفات وزهوة حياة ترف والشعب الفلسطيني يعاني، بينما كانت تبحث سهى عن نصف ساعة في جدول ياسر عرفات أثناء زيارته لفرنسا لتراه وابنتها.
وفاة ياسرعرفات
في 11 نوفمبر عام 2004 رحل ياسر عرفات، بعد سنوات من حصار الجيش الإسرائيلي له في رام الله، فمرض ودخل في غيبوبة، وتم نقله إلى إحدى مستشفيات باريس، ولقي حتفه بها عن عمر جاوز الـ 74 عاما، ورغم أن التشريح الطبي لجثته أعلن أن تليف الكبد سبب الوفاة، لم تصدق سهى عرفات.
بعد رحيل أبو عمار، انتقلت سهى وابنتها إلى تونس، حيث لقيت معاملة حسنة واستقبال جيد، للدرجة التي جعلت زين العابدين بن علي، الرئيس التونسي الأسبق، أن يمنحها الجسية التونسية، لكن سرعان ما تغير الأمر بحلول عام 2007، بعد أن تلقت معاملة غير لائقة من ليلى الطرابلسي، زوجة بن علي، وتم سحب الجنسية منها، وترحيلها، وانتقلت بعدها إلى مالطا، ثم إلى فرنسا.
في عام 2012، عادت سهى عرفات لتفتح ملف مقتل زوجها، فرفعت دعوى في محكمة نانتير بفرنسا ضد مجهول، تشكك في مقتل زوجها بسبب المرض، ولكن نتيجة التسمم، بعد العثور على مادة بولونيوم- 210 المشعة عالية السُمية في أغراضه الشخصية، وبالفعل تم نبش ضريحه وأخذ 60 عينة من رفاته، ولكن تم غلق ملف القضية بسبب تضارب أقوال الخبراء، وعدم وجود أدلة كافية.
تذكر سهى عرفات وصية أبو عمار بأن تدرس ابنته في أفضل الجامعات في العالم، وبالفعل، خصلت زهوة ياسر عرفات مؤخرا على درجة الماجيستير في العلوم السياسية من جامعة فرنسا، لتشعر سهى بأنها أدت نحوها واجبها ونفذت ما تمناه لها والدها، متمنية أن تعيش لحظات حل القضية الفلسطينية التي ناضل من أجلها زوجها.
اقرئي أيضا:
عائشة بن بشر الإماراتية الأكثر تأثيرا في العرب
الكاتب
ندى بديوي
الأحد ١٩ نوفمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا