المرأة في حياة جبران خليل جبران
الأكثر مشاهدة
"أنا مديون بكل ما هو أنا الى المرأة منذ كنت طفلًا حتى الساعة، و المرأة تفتح النوافذ في بصري و الأبواب في روحي . و لولا المرأة الأم و المرأة الشقيقة و المرأة الصديقة ، لبقيت هاجعًا مع هؤلاء النائمين الذين ينشدون سكينة العالم بغطيطهم ."
هكذا أحب جبران المرأة و قدرّ دورها العظيم في مراحل حياته ، و ذلك يتضح جليًا من خلال كتابات جبران ، فتلك كانت كلماته الى حبيبته مي زيادة في احدى رسائله إليها ليخبرها كيف أنه لولا المرأة ما أصبح جبران هو جبران خليل جبران الفنان الذي عشقته أوروبا ، منذ كان طفلًا و حملته أمه مع إخوته إلى بوسطن مهاجرة من لبنان و تشجيعها المستمر له و حرصها على تعليمه الفنون و بث روح الطموح فيه ، و المرأة الشقيقة التي يقصد بها أخته "مريانا" التي تكرست لخدمته و رعايته أيام مرضه ، مروراً بالمعلمة "فلرونس بيرس" في مدرسته بالمهجر و التي رأت فيه موهبة الفنان و راسلت صديقة لها، ذات نفوذ أعلى تدعى "جيسي فريمونت بيل "و هي بدورها راسلت الفنان "فريد هولاند داي " و الذي ساعده بشكل كبير على بداية طريقه في الرسم ، و صولًا إلى "ماري هاسكل" المرأة الصديقة والتي كانت تكبره بعشرة أعوام لكنها كانت الملهمة و المساندة طوال فترة حياته مذ عرفها و هو في الحادية و العشرين من عمره حتى وفاته ، و مي زيادة المرأة التي عشقها و ظل يراسلها حتى أنه تمنى أن يعود و يتزوج من "مي" لتحقق له الرومانسية الشرقية
كان للمرأة دور بالغ الأهمية في تكوين شخصية "جبران" و إعطاء الملامح العامة لأعماله فقد رافقته المرأة منذ سنين شبابه الأولى من سنته الرابعة عشر إلى آخر أيام حياته ، لذلك كثرت أسماء النساء في حياة جبران و لكن الأسماء الأبرز منها و اللاتي كان لهن دور كبير في حياة جبران خليل جبران هن : أمه (كاملة رحمة) , و (ماري هاسكل)،و (اميلي ميشيل أو ميشلين) ،و (سلمى كرامة أو حلا الضاهر ) و (مي زيادة ).
لوحة الأم القديسة بريشة جبران خليل جبران
أمـه
أمه "كاميليا رحمة" و اسمها الأصلي (كاملة), أحب جبران المرأة من خلال أمه فأفرغ الكثير من تفكيره نحو موضع الأم و الحنان وكان بارعاً في ذلك الجانب ،فصورها في مظاهر عديد كلها تشيد بالحب و التعلق للانسانية التي خلقت على التضحية و الفداء و بذلك من الحب الشيء الكثير وكانت مثالًا للإنسانية في تلك المزايا الرائعة , ففي أحد رسائله يقول لمي زيادة عن أمه "لقد كانت ولم تزل وهي في الأبدية ، أماً لي بالروح أي أِشعر اليوم بوجودها و مساعدتها و تأثيرها عليّ أكثر مما كنت أشعر قبل أن تذهب " ، و كتاباته تؤكد أ، جبران كان ينظر الى المرأة من خلال أمه
ماري هاسكل بريشة جبران خليل جبران
ماري هاسكل
ماري" هي المرأة التي حملت خصائص الأم في نظر جبران أكثر مما سواها من النساء اللاتي عرفهن ، فكانت ماري" هاسكل رئيسة معهد للاناث في بوسطن ،كانت تكبره بعشرة أعوام ، وتعرفت إليه عام 1904 لمناسبة أول معرض أقيم لرسومه ، أعجبت ماري برسوم جبران فسألته أن يعرض في مدرستها ، ثم توطدت علاقة الصداقة بينهما فأرسلته على نفقتها إلى باريس ليتابع دراسة الفن فيها و قد كتب إليها عام 1908 يقول "أقبل يدك باجفاني يا أم قلبي العزيزة "، ويقول لها في 1920 "نعم يا ماري ، انك أم ، أم حبيبة جداً " و يصارحها في العام التالي بأنها الوحيدة في العالم التي يشعر معها أنه طفل مع أمه ، عرضت "ماري" على جبران الزواج لكنه رفض حيث كان يشعر بأنها أمه فقط و بعد أن يئست ماري من إمكانية الزواج من جبران تزوجت أحد سكان ولاية جورجيا لكنها ظلت حتى وفاته بجانبه تسانده
ورفضه لا يعني أنه كره ماري بل لقد أحبها حباً جنونياً مما دفعه ان يقول لها :"ياماري أريد أن أموت صديقاً لكِ".
ميشلين بريشة جبران خليل جبران
اميلي ميشيل أو ميشلين
لقد تعرف جبران إلى "ميشلين "من خلال ماري هاسكل ،و هي شابة فرنسية تعرف إليها جبران في مدرسة ماري حيث كانت تعمل مدرسة و قامت بينهما علاقة حب قوية حتى أن جبران ذكرها في العديد من رسائله لماري عند زواج ميشلين من رجل آخر يقول :" وميشلين المسكينة العزيزة ، أتعرفين أيتها الحبيبة ماري إني لا أجد كلمة واحدة أقولها لها ؟ ، إنها حلوة جداً و عزيزة جداً ، وصلاتي أن تجد سلاماً و راحة في ظل رجل صادق طيب " ، و إن لم تساعده ميشلين كما ساعدته ماري إلا أنها ألهمته كثيراً في مؤلفاته
سلمى كرامة بريشة جبران خليل جبران
حلا الضاهر أو سلمى كرامة
سلمى" هي فتاة لبنانية قابلها جبران حينما عاد إلى لبنان لتعلم اللغة العربية حيث كان في الثامنة عشرة من عمره حيث" يقول في كتابه الأجنحة المتكسرة "كنت في الثامنة عشرة عندما فتح الحب عيني بأشعته السحرية ، ولمس نفسي لأول مرة بأصابعه النارية ، وكانت سلمى كرامة الأولى التي أيقظت روحي بمحاسنها .." ، و لكن التقاليد حالت دون زواج جبران من سلمى حيث تزوجت سلمى من ابن أخ المطران و توفيت بعد 5 أعوام من زواجها بعد حياة تعسة و معذبة
مي زيادة
مي أديبة و شارعة لبنانية فلسطينة كانت تيش في القاهرة أ؛بت جبران و أحبها تسعة عشرة عاما دون لقاء واحد لان جبران كان مقيماً في امريكا ، فكانت العلاقة قائمة على الرسائل المتبادلة حيث كانت يرسل أ؛دهم رسالة و ينتظر فترة حتى يجيء الرد ،وقد دعته مي للعودة إلى مصر قائلة: تعال يا جبران وزرنا في هذه المدينة، فلماذا لا تأتي وأنت فتى هذه البلاد التي تناديك. تعال يا صديقي، تعال فالحياة قصيرة وسهرة على النيل توازي عمراً حافلاً بالمجد والثروة والحب. لما توفي جبران لم تتزوج مي زيادة رجل وفاءاً لحبها له و يقال أنها بعد وفاة والديها و جبران أودعت مصحة للأمراض النفسية
هكذا جال جبران خليل جبران في عالم المرأة و كشف بجرأة في كتبه عن حقيقة ما تتخبط به من الذل و الهوا ، وهي الكائن الرقيق الناعم الجدير بالحب و الإحترام و الاهتمام ، فكانت نظرته الى المرأة تختلف عن نظرة عصره ، رأى فيها مصدر الحياة و دفق الحنان و العاطفة بينما رأى فيها عصره مصدر اللذة ، فراعى شعورها و اح يدافع عنها ، فثار على التقاليد السائدة ،و التي كانت تعتبر الزواج خضوع المرأة للرجل ، فكان الحب في نظره أرغن سماوي يحمل الى الملأ الأعلى روحين متعانقين ،لكن الحب في بلاده لم يكن أبدًا كما تمناه في كتاباته فكان بمثابة القيود الحديدية التي تكبل المرأة ، و اذا ما تجرأت الفتاة على حب شاب تلاقي أمامها الذل و العذاب و الهوان ، وتحول التقاليد أو الأموال بين القلبين العاشقين و يستحيل الزواج بالنسبة للفتاة جحيم ، لذلك جاءت كتبه في ذلك المجال دعوة صارخة الى العالم بأن يتركوا المرأة تعيش و تختار مصيرها و تحب فالحب هو الغذاء الضروري للروح الذي بدونه لا قيمة للأشياء , يقول جبران في قصته "مرتا البانية" التي كانت ضحية أحد الأنذال "أنت زهرة مسحوقة تحت أقدام الحيوان المختبيء في الهياكل البشرية ...."
الكاتب
نورهان سمير
الخميس ٢٥ فبراير ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا