للعربية إرث في الحب
الأكثر مشاهدة
كان "عروة" يعيش في بيت عمه والد "عفراء" بعد وفاة أبيه، وتربيا مع بعض وأحبا بعضهما وهما صبيان، فقد ربط الحب بين القلبين الصغيرين منذ طفولتهما المبكرة، وشب مع شبابهما...
كانت للعربية حظ وإرث عظيم من قصص الحب، حيث ورد العديد من قصص وحكايات الحب بكتب التراث العربي وأشهرهم....
عنترة وعبلة
من أكثر القصص تداولا بكتب التراث العربي "عنترة وعبلة"، قصة الشاعر والفارس عنترة العبسي، الذي وقع في حب ابنة عمه عبلة بنت مالك، وصادف أن أحبته هي الأخرى.
وكان عنترة قد نشأ من أب عربي هو عمرو بن شداد، وكان سيدا من سادات قبيلته، وأم أجنبية هي الأمة السوداء الحبشية زبيبة، واكتسب عنترة السواد من أمه.
وبلغ الحب بعنترة وعبلة مبلغه فصارا عاشقين، وتقدم عنترة إلى عمه يخطب إليه ابنته، لكن لون بشرته السوداء ونسبه وقفا في طريقه. فقد رفض مالك أن يزوج ابنته من رجل يجري في عروقه دم غير عربي. وحتى يصرفه عنها ويشعره بقلة الحيلة والعجز عن دفع مهرها، طلب منه أن يدفع لها مهرا ألف ناقة حمراء من نوق الملك النعمان المعروفة بالعصافير، فسعى عنترة لتحقيق ذلك، وبلغ منه الأمر من المشقة أقساها، إلا أنه لم يستسلم، وجاء بمهر عبلة، إلا أن والدها لم يقبله منه، وبدل ذلك جعل من مهر ابنته رأس عنترة لمن أراد الزواج منها، فرأى من ذلك عنترة الويل، وواجه المستحيل، وفي النهاية قضى الأمر أن تتزوج عبلة من فارس عربي، وتترك عنترة في حزنه، هائما في حبها ينظم الشعر فيها حتى مات.
عروة وعفراء
كان عروة يعيش في بيت عمه والد عفراء بعد وفاة أبيه، وتربيا مع بعض وأحبا بعضهما وهما صبيان، فقد ربط الحب بين القلبين الصغيرين منذ طفولتهما المبكرة، وشب مع شبابهما.
فلما شب عروة تمنى عروة أن يتوج الزواج قصة حبهما الطاهرة، فأرسل إلى عمه يخطب إليه عفراء، ووقف المال عقبة في طريق العاشقين، فقد غالت أسرة عفراء في المهر، وعجز عروة عن القيام به، وألح عروة على عمه، وصارحه بحب عفراء، ولأنه كان فقيرا راح والدها يماطله ويمنيه الوعود، ثم طلب إليه أن يضرب في الأرض لعل الحياة تقبل عليه فيعود بمهر عفراء.
ولم يكذب عروة خبرا، وانطلق من غده بحثاً عن المال، وعاد وجيبه عامر بالمهر وما يزيد ، فقد تيسر له ما كان يسعى إليه، والأمل يداعب نفسه، ويرسم له مستقبلا سعيداً يجمع بينه وبين عفراء، وفى أرض الوطن يخبره عمه أن عفراء قد ماتت، ويريه قبراً جديداً ويقول له إنه قبرها.
وتتحطم آمال عروة، وينهار كل ما كان يبنيه لأيامه المقبلة، وترتبط حياته بهذا القبر، يبثه آلامه، ويندب حظه، ويبكي حبه الضائع ومأساته الحزينة، ويذيب نفسه فوق أحجاره حسرات ودموعاً، فقد فقد حبيبته ورفيقة صباه.
ثم تكون مفاجأة لم يكن يتوقعها، لقد ترامت إليه أنباء بأن عفراء لم تمت، ولكنها تزوجت، فقد قدم أموي غني من الشام في أثناء غيبته، فنزل بحي عفراء، ورآها فأعجبته، فخطبها من أبيها، ثم تم الزواج رغم معارضتها، ورحل بها إلى الشام حيث يقيم.
وتثور ثائرة عروة، ويصب جام غضبه على عمه الذي خدعه مرتين:خدعه حين مناه عفراء، ودفع به إلى آفاق الأرض البعيدة خلف مهرها، ثم خدعه حين لفق له قصة موتها، وتركه فريسة أحزانه ودموعه، فمضى يهجوه :
فيا عم يا ذا الغدر لازلت .. مبتلي حليفا لهم لازم وهوان
غدرت وكان الغدر منك سجية ..فألزمت قلبي دائم الخفقان
وأورثتني غما وكربا وحسرة ..وأورثت عيني دائم الهملان
فلازلت ذا شوق إلى من هويته .. وقلبك مقسوم بكل مكان
وانطلق عروة إلى الشام، ونزل ضيفاً على زوج عفراء والزوج يعرف أنه ابن عم زوجته ولا يعلم بحبهما بطبيعة الحال، ولأنه لم يلتقي بها بل بزوجها فقد راح هذا الأخير يماطل في إخبار زوجته بنبأ وصول ابن عمها.
ففكر عروة في حيلة عجيبة، فقد ألقى بخاتمه في إناء اللبن وبعث بالإناء إلى عفراء مع إحدى الجواري، وأدركت عفراء على الفور أن ضيف زوجها هو حبيبها القديم قد عاد فتلتقي به ..
ويلتقي العاشقان بعد تلك الأيام الطويلة الحزينة التي باعدت بينهما، ويتذكران ماضيهما السعيد فوق أرض الوطن البعيدة وما فعلت بهما الأيام، وتكون شكوى، وتكون دموع...
تاجوج والمحلق
ومن قصص الحب التي تتخذ منحا آخر لم نعتده في قصص العرب، قصة تاجوج والمحلق، فهي لم تحرم من حبه ولم يحرم من الزواج بها إلا أنه فرط بها دون قصد فخسرها.
كانت تاجوج بنت الشيخ محمد بن علي بن محلق بن محمد بن علي التي دوت أخبارها في أكثر الافاق وتناقل الناس حديث جمالها. فتقدم المحلق إلى والدته يطلب منها أن تخطبها له من خاله. فامتثلت الأم وطلبت من أخيها ابنته " تاجوج " لأبنها المحلق، فرضي الخال ولكن بعد أن طلب مهراً غالياً من ابن أخيه فأستعان المحلق بوالده وأوجده لأصهاره، وكل عاشق لا يعوقه غلاء المهر وتم القران.
عاشت تاجوج تحت سقف الزوجية يرفرف فوقهما ملاك الحب المتبادل، وكانا أسعد زوجين عرفتهما أرض القبيلة. لكن حبه المتقد لها كان عثرة لحياتهما، فأكثر من المدح فيها وتناقل الشعر في محاسنها، حتى أشعل غيرة الفتيان، فما كان من أحد أبناء عمومته، يقال له النور بن اللمم إلا أن جاءه ونهره في ذكره زوجته في أشعاره حتى صارت غناء الفرد والجماعة ومضغة لأفواه تلوكها الألسن وعرف أسمها ووصفها القاصي والداني.
وهنا وقعت الطامة، فقد ذهب حبها بعقله حتى لم يعد يدرك ما يفعل، فدعا ابن اللمم ليراها قائلا: "تعال معي إلى الخباء كي أريك إياها في غفلة منها"، وكانت هذه الدعوة كافية لأن تظهر اللوثة التي أصابت المحلق من جنون حبه وأنه أصبح لا يعرف ما يصح وما لا يصح.
ورافقه إلى موقع لا تراه فيه، وشق له ثقبا في خبائها ظنا منه أنها لم تشعر به، ثم دخل عليها وطلب منها أن ترقص له، فتعجبت من طلبه ولكنها صبرت وتجلدت وقالت سمعاً وطاعة، إلا أنها استحلفته أن ينفذ لها طلبا بعد ذلك لا يردها أبدا، فوعدها ظنا منه أن طلبها لن يتعدى ما تطلبه النساء من ترف.
فلما ضمنت منه تنفيذه لطلبها نفذت مطلبه، ولما انتهت من رقصاتها كان الفرح قد تملكه والهيام اسكره فشكرها وطلب منها أن تذكر مطالبها، فنظرت إليه طويلاً وقالت له "طلبي واحد وهو الطلاق والفراق الأبدي"، فصعق حين سمع طلبها وأنزعج ابن اللمم وولى هارباً من وراء الخباء بعد أن دمر عامراً حلالاً، إلا أن الأمر كان قد انتهى ووقع الطلاق، فلا رجعة فيه. وبذلك خسر المحلق زوجته التي هام بها، رغم كل محاولاته لاستردادها، فما كان منه إلا أن قضى نحبه كغيره من المحبين، إلا أن فرقه هو أن محبوبته غادرته بخطأ منه.
قيس وليلى
وذكر التاريخ لنا قصة قيس وليلى، احب" قيس بن الملوح" ابنة عمه "ليلى بنت المهدى" وهما صغيران يرعيان ابل اهلهما، ولما كبرا حجبت عنه ليلى، وظل قيس على حبه وبادلته ليلى الحب، ولما شاعت بين الناس قصة حبهما غضب والد ليلى ورفض زواجه منها فحزن "قيس" واعتلت صحته بسبب حرمانه من ليلى فذهب والده الى أخيه والد ليلى وقال له: إن ابن أخيك على وشك الهلاك أو الجنون فاعدل عن عنادك وإصرارك، إلا أنه رفض وعاند وأصر على أن يزوجها، فلما علم بحبها لقيس هددها إن لم تقبل بزوج آخر ليمثلن بها، فوافقت على مضض، ولم تمض الا عدة ايام حتى زوج "المهدى" ابنته من "ورد بن محمد" فاعتزل قيس الناس وهام في الوديان، ذاهلا لا يفيق من ذهوله الا على ذكرى ليلى. وأصبح قيس يزور آثار ديارها ويستعبر ويبكي وينظم الشعر في حبها، حتى لقب بالمجنون.
الكاتب
حسناء محمد
الأربعاء ٣٠ مارس ٢٠١٦
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا