من ”أمل دنقل” لـ ”عبلة الرويني”
الأكثر مشاهدة
"إنني لا أبحث فيكِ عن الزهو الاجتماعي ولا عن المتعة السريعة العابرة، ولكني أريد علاقة أكون فيها، كما لو كنت جالسًا مع نفسي في غرفة مغلقة"
رغبات بسيطة للغاية جمعت بين الشعر الحالم، و الصحافة الواقعيّة.. في مقهى ريش كان اللقاء الأول الذي جمع "عبلة الرويني" بـ "أمل دنقل"، والذي لم يكن في البداية أكثر من لقاء بين صحافيّة مبتدئة، وشاعر متمرّس، ذو شهرة ذائعة.. افتتنت عبلة بهذا الشاب الذي استفزها غموضه، والذي زاد من استفزازه لها كلماته التي وجهها لها فى لقائهم الرابع "يجب أن تعلمي أنك لن تكوني أكثر من صديقة"، لترد عليه قائلة "أولا أنا لست بصديقتك كما أنني لا أسمح لأحد بتحديد مشاعري متى تتزايد أو تتناقص، إنني وحدي صاحبة القرار في علاقاتي بأصدقائي".
كانت كلمات عبلة فى هذا اللقاء بمثابة أمر، وجّه أمل نحو التراجع في قراره الذي اتخذه منذ السابعة عشر من عمره، قرارًا بمقاطعة جنس النساء، اتخذه بعد وفاة أبيه وتحمّله مسؤولية أسرة وهو فى سن صغيرة فكما قال: "اغتربت عن كل ما يمنح الطمأنينة حتى الأبد، وأعتقد أن السهم الوحيد الذي يمكن أن يصيبني في مقتل سوف يجيء من امرأة"، لذلك كان يدفع عنه أي مشاعر نحو أنثى، لكن مشاعره نحو عبلة كانت مختلفة تمامًا.
" تحدث عن أشياء كثيرة غير مترابطة في هذا اللقاء، بينما كنت أنا أشعر بفرحة غامرة، فرحة ميلاد عاطفة جديدة، فمن المؤكد أن أمل أحبني وأن غضبي لعبارته يعني أنني أحمل نحوه المشاعر نفسها"
لم يستطع أمل إخفاء مشاعره الحالمة نحو عبلة أكثر من ذلك، فكان فى كل لقاء بينهم يفسر لها بعضًا من غموضه دون قصد، وكانت عبلة تغمرها السعادة بذلك، ففي نهاية هذا اللقاء وعندما بادر أمل بالسلام على عبلة قال لها: "هل آراكِ غدًا" لترد قائلة: "بالتأكيد فأنا أحببتك".. وفي هذه اللحظة كما تروى عبلة، مد أمل رقبته إلى الأعلى ليخفي عنها ابتسامته الخجولة.
"إلى الآنسة عبلة الرويني. كان من الممكن أن تكون صديقتي لكن عنادها حطم هذا الاحتمال أرجو أن يكون هذا الكتاب عند حسن ظنها مع تقديري لشاعريتها".. أهداها أول نسخة من ديوانه "العهد الآتي" تحت هذا الإهداء، لتكن نقطة فاصلة في علاقتهم، وتأكيدًا لعبلة على بداية قصة حب.
لكن هل تبقى البدايات على حالها؟
تحوّل أمل فجأة من الشخص الهارب من مشاعره، ومشاعر من حوله تجاهه، إلى شخص دائم البحث عن عبلة، دائم الإلحاح على إظهارها لحبها له، وكأنه يبحث فيها عن الطمأنينة التي غابت عنه منذ طفولته، فكما قال في رسالة لها: "في كثير من الأحيان إنني أحتاج إلى كثير من الحب وكثير من الوفاء وكثير من التفاني إذا صح هذا التعبير، ولكنك لا تعطيني أي شيء لدرجة أنك إذا أحسست أني محتاج إلى كلمة حب رفضت أن تنطقيها وإذا طلبت منك طلبا صغيرا فأقرب شيء إلى لسانك هو كلمة الرفض. إن قلبك - قفر جدا - لا يستطيع أن يكون وسادة لمتعب، أو رشفة لظمآن"
شاعر جيّد وعاشق شرير
كأي علاقة حب يغمرها الاضطراب، وعدم الاستقرار على حال، والسبب الرئيسي في ذلك ذهاب كل طرف نحو أهوائه دون النظر لأهواء شريكه، حتى وإن كان دون قصد منه، لكنه في النهاية يحكم على شريكه بما لا يرغب لإرضاء رغباته.
كما وصفت عبلة الطريق الذى سلكته مشاعر أمل فقالت: "ظل أمل يبحث دائما عن تأكيد لحبي له - من دون أن يمنحني نفسه هذا التأكيد - كان شعوره الدائم بالوحدة وعدم الأمان يطالبني بالمزيد من المشاعر، وهو الواثق أن مشاعري ليست فقط أضعاف مشاعره وإنما انتماء كامل له، كنت أريد من مشاعره الكثير من الكلام والكثير من الانفعال والكثير من النار والكثير من الحرائق، وكان يمنحني مشاعر عميقة تأكيدها بالألفاظ، وكان هو يريد من مشاعري المزيد من الهدوء، المزيد من السكينة من أجل لحظة اطمئنان واحدة لم يعرفها طوال حياته".
وصل الشد والجذب بينهم لمرحلة، افتراق بعضهما عن بعض، وبحث كلاهما عن الآخر مرة أخرى، لم يستطع أحد منهم الاستغناء عن الآخر رغم اضطراب مواقفهم، لكن في النهاية يقف حبهم على أرض ثابتة، فكل منهم واثق من حب الآخر له، حبًا شد من رباطه الزواج.. فتصف عبلة الحياة بينهم بعد الزواج قائلة: "إن أمل يستيقظ ظهرا وكنت أصحو قبل ذلك كثيرا حتى يمكنني الذهاب إلى جريدتي والعودة قبل استيقاظه كمن هي على موعد غرامي جديد، فقد كنت أشعر دائما بفرحة حضوره وأحرص على تواجدي معه".
الكاتب
أمينة صلاح الدين
الإثنين ١١ ديسمبر ٢٠١٧
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا