”مريم جاليري”..عالم من الأحلام الملوّنة
الأكثر مشاهدة
تصوير: نورهان مُحسن
تجلس مريم بين ألوانها وكأنها جزء منهم، تتحدث بشغف عما يشغل بالها طوال الوقت "الألوان، الأطفال، الجاليري".
"مريم عادل" منذ الفرصة الأولى التي أتاحت لها حرية اختيار ما تحب دراسته بعد إنهاء المرحلة الثانوية، اختارت دراسة "الفنون التطبيقية" بالتحديد قسم تصميم داخلي وأثاث، ظنًا منها أنه الشئ الذي سيصقل مهاراتها في التصميم والابتكار، لكنها كانت الصدمة الأولى في مشوارها، كانت دراستها تسير في مسار مختلف عما تخيلته، فكانت دراستها أقرب من الهندسة -حسب ما قالته-.
لم تستسلم مريم في أولى محطاتها، أكملت دراستها ومن ناحية أخرى كانت تتعلم ذاتيًا ما يفيدها في تطوير موهبتها في الأعمال اليدوية، وإعادة التدوير باستخدام الألوان المبهجة.
"كانت أي فكرة تيجي في بالي ببحث في الإنترنت لحد ما أتعلم إزاي أنفذها"ن كان الإنترنت وسيلة مريم في التعلم، كانت تفكر، وتتعلم، وتبتكر لتنتج أعمالا إن أطلقنا عليها اسم، فلن نجد أمثل من "أعمال عالم مريم"، العالم الذي خلقته مريم باستخدام الألوان، والزجاج، والأخشاب، والخيوط.
مريم والأطفال
لم تحد مريم موهبتها بأسوار، بل أطلقتها، ولإيمان مريم بقدرات الأطفال وحبها لهم وقدرتها على التعامل معهم اختارت أن تساعدهم بموهبتها في تنمية ما خلقوا عليه من مهارات.
"مفهوم الناس عن الأطفال إننا لازم نوجههم عشان يتعلموا، بس ده مش صح الطفل لازم يختبر الخامات بنفسه ونسيبه لخياله يقوده" كانت لمريم طريقتها الخاصة في تعليم الأطفال، فهي لا ترى الطفل غير جدير بإطلاق العنان لخياله وإنتاج عمل فني مبدع.
قامت ورش "مريم" للأطفال على أساس وضع الخامات والألوان أمام الطفل وتركه لخياله "بقوله مثلًا تخيل شكل الفضاء عامل إزاي وارسمه، لكن ما بحدد له شكل شجرة معينة وأقوله ارسمها".
أحلام مؤجلة
طوال فترة مريم الدراسية، كانت تجتهد بهدف "الشهادة"، ومن ناحية أخرى تجتهد من أجل أحلامها التي كانت تراها بعيدة "كان نفسي في مكان يجمع لوحاتي وشغلي اليدوي، بس كنت شايفاه حلم مش هيتحقق قبل 10 سنين مثلًا".
في عام مريم الأخير من دراسة الفنون التطبيقية، أثناء تنفيذ مشروع تخرجها كانت تبحث كثيرًا عن أماكن تجلس بها لتستوعب ساعات عملها على مشروعها ومذاكرتها "كل الأماكن كانت دوشة أو فوضوية، مكانش في مكان ممكن يستوعب ناس بيقعدوا ساعات طويلة ينفذوا تصميم" في الوقت ذاته تعرفت مريم على "جون" الذي أصبح بعد ذلك شريك حياتها الشخصية، خطيبها، وشريك حلمها.
جمع جون بين حلم مريم في مكان تعرض به أعمالها الفنية، ومكان يستوعب أي شخص يبحث عن مساحة إبداع للعمل أو المذاكرة، فاقترح فكرة "مريم جاليري".
"بالفعل بدأنا ندور على أماكن للجاليري واخترنا أكتر مكان قريب من كل الناس -وسط البلد-" استأجرت مريم وجون مكان بعمارة عتيقة من عمارات "شارع محمد محمود" بمنطقة وسط البلد، وبتفكير اقتصادي طلبوا من كل أصدقائهم العاملين بالفن أن يساعدوهم في وقوف "مريم جاليري" على قدميه، وبدأ العمل، فشاركهم من لديه مهارة الرسم بالرسم على جدران "الجاليري" ومن يستطيع التلوين يلون لهم أثاث المكان، حتى خرج "جاليري مريم" بأقل تكاليف ممكنة.
عقبات أخرى
بعد شهور من العمل اشتهر الجاليري بين أوساط الشباب، فكان يأتي لهم كل من يبحث عن مكان هادئ للعمل، أو المذاكرة، او حتى الرسم واستخدام الألوان المتاحة لأي شخص بالمكان، لكن في الغالب تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن.
لأسباب أمنية واجهت مريم مشكلات مع مكان تواجد "الجاليري"، حيث يوجد بمكان حساس بعد ثورة يناير -شارع محمد محمود- "ما استسلمناش وكملنا لأن كل أوراقنا وتصاريحنا كانت سليمة، لكن أكبر مشكلة كانت التضييق الأمني بسبب تجمعات الشباب".
أغلقت مريم مكانها بعد محاولات كثيرة لعدم الاستسلام، ورغم إغلاقه لم يحسب على مريم استسلامًا، فقبل مرور شهر كانت تفكر هي و خطيبها "جون" في مكان جديد تنقل إليه أعمالها وأحلامها.
كان هدف مريم هذه المرة هو اختيار مكان لم تنتشر به فكرة الـ Co working space أو مساحات العمل والإبداع، فاختارت منطقة "مصر الجديدة، بجانب "كلية البنات" لتفتتح من جديد "مريم جاليري".
جددت مريم في طريقة عملها لتجذب الناس إلى مكانها مرة أخرى "في الأول كانت الناس بتجيلنا عشان المكان قريب من معظم الشباب والطلبة الجامعيين، المرة دي المكان إلى حد ما بعيد، فحطينا خطط جديدة عشان نجذبهم بيها" وضعت مريم جدولًا لورش العمل المختلفة التي تستضيف فيها مدربين لتعليم "الهاند ميد، وإعادة التدوير، والـ String Art، وكورسات الإتيكيت".
كما رحبت بأي عمل فني يريد صاحبه مكان يعرضه به، وقدمت لكثير من الشباب تسهيلات يستطيعون من خلالها إيصال أعمالهم لجمهور "مريم جاليري".
"ما كنتش متخيلة إن حلمي يتحقق بسرعة، بس ورا حلمي دعم كبير من أصحابي وأهلي" أسرة مريم دعمتها بشكل كبير في عملها، رغم أنهم في البداية لم يستوعبوا فكرة معرضها، لكنهم أهملوا فكرة خوفهم من خوضها للمغامرة وتركوها تخطو خطوات ثابتة في حلمها، والآن، تقف مريم من جديد بين ألوانها التي يحتضنها معرض صغير تطمح بأن يتسع بها خطوة تلو الأخرى.
الكاتب
أمينة صلاح الدين
الأربعاء ٠٧ فبراير ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا