بالنحاس والجلد توثق ”رانيا هلال” التراث.. وتسعى للتصدير
الأكثر مشاهدة
بنقوش وخطوط تحمل التراث والفن معا، تسعى رانيا هلال إلى تحويل الحرفة المصرية في النقش والحفر إلى صناعة كبيرة تجذب إليها مَنْ تسربوا منها إلى "التكاتك"، بعد أن ضاقت عليهم سبل العيش في مجال ورثوه أبا عن جد، ولكنه يواجه الاندثار ويعاني الإهمال.
في حي الجمالية، وداخل ورشتها بحارة الدرب الأصفر، قرب شارع المعز، تستعد رانيا هلال يوميا لأن تضيف لمسة جديدة لتواكب السوق وتدفع المستهلك ليدرك قيمة ما تقدمه، بعد أن تخلت عن وظيفة ثابتة بمكتب وزير الصناعة والتجارة، لتترك الوجاهة الاجتماعية والتعامل مع الوزراء، وتعمل على مشروعها الخاص.
في بيت شبعته الأم بالفن، حيث الأخت الكبرى تدرس الفنون، عرفت حينها رانيا طريقها بعد أن هيأت نفسها للدراسة بقسم الزخرفة، وأتقنت التصميم والجرافيك، ولكن سحبتها الوظيفة الحكومية إلى عالم آخر، حيث عملت على العلامة التجارية لوزارة الصناعة والتجارة لسنوات زارت خلالها المشروعات والمصانع.
"الشغل على كمبيوتر وفي مكتب بيسحب طاقة كبيرة، وكنت محتاجة أعمل حاجة بإيدي" إلى جانب عملها الإداري المشحون بالضغوطات والتفاصيل الإدارية الروتينية، قررت رانيا أن تتعلم تصميم النحاس والتقنيات المتعلقة بالحفر عليه، وأنتجت تصميمات للحلي النحاسية، واستطاعت حينها، عام 2008، أن تجتذب إلى منتجاتها عملاء من التواجد في المعارض والتواجد بساقية الصاوي، حتى تمكنت من الاشتراك في معرض مركز الجزيرة للفنون في عام 2010.
"وقتها قدرت أبيع أكتر من 60% من المنتجات في أيام المعرض" نجاح كبير لتصميماتها النحاسية المطلية بالذهب، خاصة، أن السعر يتناسب مع كثيرين، ولكن علمت رانيا أنه لن يدوم طويلا، وأن عليها أن تنتهج استراتيجية تسويقية تضمن لها الاستمرار "نجاح المعارض مفاجئ ومش بيحقق الاستمرارية، فبدأت أبحث عن مصادر تانية أوزع فيها وأسوق لشغلي".
اقرئي أيضًا.. نرمين رفعت بين الغطس وطب العيون
عندما أدركت رانيا أن مشروعها يحتاج إلى التفرغ حتى يصل إلى ما تطمح إليه، قدمت استقالتها وواصلت عملها في تصميم الجرافيك لشركات القطاع الخاص، حتى كان القرار النهائي بالتفرغ التام في 2012، التي بدأ معها Rania Hilal Designs يأخذ مسيرة احترافية في مجال تصميم المجوهرات والحلي، وخوض مجال الجلود أيضا.
مع سعيها نحو تأسيس مشروعها وضم فريق عمل، أخذتها الصدفة نحو "سانت كاترين" بجنوب سيناء، حيث عملت مع الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة على تطوير إنتاج أهالي هذه المنطقة من النباتات العطرية والأعشاب التي تجد الرواج والانتشار لدى السائحين، الذين قل تواجدهم للتسوق أو التنزه في سانت كاترين خلال هذه الفترة (2012/2013)، فصممت عن طريق الأمم المتحدة علامة تجارية تخص منتجاتهم وتميزها لدى المستهلك الأوروبي، باستخدام تغليف صديق للبيئة ومعبر عن ثراء وجودة المنتج الذي يحتويه.
ومن "سانت كاترين"، أصبحت رانيا مستشارة للمشروعات الإنمائية بالأمم المتحدة، وكانت محمية وادي الجمال محطتها التالية، حيث انتبهت إلى إمكانية استخدام الجلد في التصميمات، بعد أن عملت مع سيدات المحمية على إعادة إحياء التراث الذي أوشك على الاندثار لعدم الاهتمام بتوثيقه، فاستخدمت مواد الطبيعة في المحمية لتعليم السيدات كيفية حرق النحاس على الجلد، لتعود محملة بأفكار تثمر مشروعها الخاص.
وكانت "وادي الجمال" طريقها لمحاولة استخدام الجلد في التصميم، فأنتجت الحقائب والمحافظ وعملت لعامين على تطويرهم لتكون راضية عنهم بشكل تام، وهكذا كانت تنميتها لمشروعات المجتمعات المحلية، تعود عليها بالثراء الفكري والثقافي بما يفيد مشروعها، كما تعود عليهم بالنفع في تطوير المنتج المحلي اليدوي الذي يقدمونه.
اقرئي ايضًا.. هدير ماهر من الهند وكينيا إلى نيبال وفيتنام من أجل الإنسان
وظلت إلى جانب عملها في Rania Hilal Designs، تعمل على التنمية وإعادة إحياء التراث في مجتمعات النوبة وسيوة ووادي الريان ووادي الجمال، دون أن تغير في المادة الخام أو طبيعة المنتج الذي يقدمونه "بنعيد إنتاج التقنيات القديمة، حتى لا تفقد الحرفة قيمتها الأساسية، مع الاحتفاظ بكل رمز أو إشارة للواقع والمدلول الثقافي للمكان"، فهدف رانيا أن يحافظ أهالي المنطقة على مخزونهم الثقافي والتراثي دون تغيير، ولكن بإضافة عين خارجية له، بإعادة إحياء الحرفة نفسها، حال إندثارها أو إهمالها.
اهتمت رانيا بتوضيح تأثير التصميم في إضافة قيمة للمنتج، وكانت تبتكر طرق لتغليف المنتجات بخامات صديقة للبيئة ورسومات معبرة عن طبيعة المكان نفسه، "كنت عاوزة أثبت إننا مش محتاجين نغير من المنتج، ولكن التصميم هيظهره ويزود من قيمته دون تغيير"، فاستخدمت تصميم يعتمد على شجر المنجروف، الذي يعد واحد من أهم مظاهر الطبيعة في "وادي الجمال"، ورسمته بالقهوة التي يقدمها أهالي المحمية لكل زائر، على ورق بني مصمم ليستوعب المنتج الذي يصنعونه، فيترك لدى السائح بصمة عن المكان.
واعتمدت على الشمس بأشعتها والنجوم ورموز اللغة الأمازيغية في تصميم أغلفة منتجات محمية سيوة، فالأهم أن يحافظ التصميم على الثقافة واللغة الخاصين بالمكان. ترك التعامل مع أهالي هذه المجتمعات، التي تحمل تراثا إنسانيا نادرا، تأثيره على نفس رانيا.
"لما بتتعاملي معاهم بقلبك، بيحبوكي ويفتحوا هما كمان قلبهم"، فكانت تجالسهم بطريقتهم وترتدي ملابسهم وتتواصل معهم بالطريقة التي تناسبهم، وتعتبر رانيا أن الأهم "لازم تأخدي خطوة في اتجاههم مش في اتجاه ذوقك، من غير تغيير في خاماتهم وألوانها"، فأي تغيير قادر على تدمير ثقافتهم وهويتهم، فالمنتج يجب أن يحمل روح أصحابه.
نتاج الخبرة في هذا المجال كانت تفتح لرانيا أبوابا لأفكار مختلفة تستثمرها بمشروعها، فمع فريق عمل من سبعة أفراد بدأت تستوحي أشكالا جديدة للحفر على النحاس، والرسم على المنتجات الجلدية، فصممت الحقائب والأحزمة والساعات والإكسسوارات والحلي، متقبلة ردود فعل العملاء وطلباتهم.
توسعت في نواحي التسويق، خاصة بعد أن تدربت على دراسة السوق ومعرفة ما يحتاجه المشروع وأوجه الخلل ومناطق القوة فيه، فنجحت في توزيع منتجاتها بجاليريهات التجمع الخامس والدقي ووسط البلد والزمالك، كما تعاونت مع محلات الأحذية، مستثمرة أموالها في شراء الخامات وتجربتها حتى تحصل على ردود فعل إيجابية تطور من المنتج وتواجه سوقا إستهلاكية تتغير كل يوم.
اقرئي أيضًا.. حكاية سالي مبارك سلطانة صناعة الفضة
الابتكار هو النواة الرئيسية لكل ما تقوم به رانيا، فكل خطوة يجب أن تقدم جديدا، دون البقاء على منوال واحد لمدة طويلة، بل الاستثمار والتطوير المستمر لمواكبة السوق، ولتقديم صناعة تواجه شبح الاندثار، فأصحاب الحرفة ينسحبون منها نحو طريقة أسهل في كسب الرزق "هدفي تنمية الحرفة وألحق المصانع اللي بتقفل والناس اللي بتخرج بره الصناعة، لأن عندهم مخزون ثقافي وحرفة مهمة عاوزين نلحقها عشان المجتمع ميقعش".
بالاعتماد على تقنية وأهمية التصميم اليدوي، ترغب رانيا أن تؤسس له كصناعة متكاملة ليس حرفة تستدعي النوستالجيا أو تؤرخ وتوثق الماضي، ولكن يمكن إنتاجه في تصميم عصري يناسب احتياجات المستهلكين، مستغلة الثورة الصناعية التي نمتلكها، بما يرفع من قيمة "العمل اليدوي" الاقتصادية والسوقية، "الخطوة الجاية محاولات التوسع للتصدير" متمنية أن تملك القدرة على استخدام الخشب في ابتكار أفكار جديدة.
اقرئي أيضًا..
رباعي كويينز.. الكمان والتشيللو طريقهن نحو الحلم
مطبخ إمي.. ينشر الثقافة الفلسطينية وينمي المجتمع المصري
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ٠٤ أبريل ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا