هدير ماهر من الهند وكينيا إلى نيبال وفيتنام من أجل الإنسان
الأكثر مشاهدة
بحثا عن براح ضيقته الضغوط، وعن راحة شوهتها الأفكار والتناقضات، ارتحلت هدير ماهر إلى بلاد الله، لتجد خلقه يمنحونها مددا وعونا لم تطلبه ولكن تمنته، حتى تسكن القلب سكينة تعينها على استكمال مشوارها وتجعلها توقن بأن لله في خلقه شئون وعِبر.
لم تكن فيتنام، المحطة التي وصلت إليها هدير في رحلتها، لتكون بلدا تتمنى أو تنتوي زيارته لولا سنوات طويلة من العمل المجتمعي والمدني بعد إيمان عميق بضرورة أن تكون فردا يشعر المحيطين بوجوده، وقدرته على التغيير والتأثير، فالبداية كانت الثورة التي أنارت داخلها أهمية المشاركة والإحساس بالآخرين.
"بعد الثورة (25 يناير) اكتشفت أني كنت عايشة في فقاعة" فالطريق المرسوم لطالبة مجتهدة استطاعت أن تتفوق في الثانوية العامة، فدرست اللغتين الصينية والألمانية بكلية الألسن، إلى جانب إجادتها للإنجليزية، هو أن تكون مترجمة في الأمم المتحدة، معتقدة أن حياتها بذلك متحققة وجيدة، لكن التغيير الذي شهدته مصر حينها جعلها تتغير هي الأخرى، ومنحها نظرة أخرى للأمور.
في العام الذي تخرجت فيه من الجامعة (2011)، قررت هدير أن تتجه نحو العمل التنموي، وتلغي خططها السابقة بالبحث عن عمل مستقر في مكتب، وتعود إلى مدينتها الإسكندرية بعد 4 سنوات من الدراسة في القاهرة، وتبدأ مشوارها مع العمل المجتمعي من مكتبة الإسكندرية "كان عندي إحساس بالمسئولية، فاشتركت في مبادرات تنموية في المكتبة وأخدت شهادات في الريادة المجتمعية".
العمل الإنساني
عملت لفترة مع مؤسسة أوتاد، ثم حصلت في 2013 على منحة من الولايات المتحدة موجهة للبنات والسيدات العاملات في المجال التنموي، فتحت لها مجالا أوسع نحو التطوع والعمل على نطاق أوسع من اجل تنمية الإنسان والارتقاء به، فجاءتها منحة أخرى متعلقة بالتنمية المجتمعية تابعة لجامعة Monterey Institute of International Education في كاليفورنيا، ومن خلالها توجهت هدير إلى الهند، لتظل نحو 6 أشهر تعلم مع الفتيات والسيدات في مومباي كيفية استغلالهن للموادر المتاحة لهن وتمكينهن اقتصاديا، مع محاولات إنقاذهن ومناهضة الاتجار بهن عن طريق الجنس.
من الهند، رأت هدير في السفر وسيلة لتدرك أن العالم أكبر مما يحدث في مصر، فاستمر عملها في المجال المجتمعي ومع منظمات المجتمع المدني، فأسست مبادرة "عبر"، التي كانت تعمل على تنمية مهارات المراهقين بعيدا عن المدرسة، ولكن لم يُكتب لها الاستمرار أكثر من عام ونصف، سارفت بعدها إلى الصين مع مؤسسة Have A Dream لتعلم الفتيات الصينيات اللغة الإنجليزية.
وبسبب عملها مع مؤسسة Litworld في نيويورك، وهي مؤسسة متخصصة في تعليم الفتيات والنساء في الأماكن المهمشة في كل مكان حول العالم القراءة والكتابة والحكي، وزيادة وعيهن بالقضايا المجتمعية التي يمكن أن تؤثر على واقعهن ومستقبلهن، استطاعت هدير ان تتجه إلى إفريقيا، حيث كينيا "كنت مهتمة بقارة إفريقيا، وعاوزة أعمل شغل تنموي فيها".
في 2016، حظيت هدير بتجربة ثرية في قرية سوماجو الكينية، حين اختارت أن ترشد المعلمات الكينيات في القرية عن الطريقة المثالية لتدريب الفتيات في المدارس الثانوية على الحفاظ على أنفسهن وحمايتها في مواجهة الاغتصاب والتحرش، ودربتهن على الوسيلة التي تجعل الفتيات يمتلكن الثقة بأنفسهن "كنت عايشة في كوخ بعيد عن الناس، لا كهربا ولا إنترنت، وبمشي يوميا 3 كيلو عشان أوصل لمقر المؤسسة.. الحياة كانت بدائية وبضطر أستحمى بين الشجر"، منحتها كينيا رؤية مختلفة للأمور وتقدير أكبر للموارد التي أُتيحت لها.
تعرفي على رحلة نورهان إلى الهند
بعد شهرين في الدولة الإفريقية، عادت هدير إلى مصر وعملت مع مؤسسة أهل مصر كمسئولة عن البحث الاجتماعي والتمويل الخارجي، ومسئولة المشروعات في جمعية من أحياها "في الجمعية كنت بقدر أشوف التغيير قدامي وبشكل حقيقي"، فهي الكارهة للأعمال المكتبية، عشقت الشوارع والعمل على الأرض، فاستطاعت أن تشارك معها في بناء المدارس المجتمعية، التي خدمت عددا كبيرا من قاطني القرى الفقيرة ومن فاتهم التعليم وما زالوا في سن صغيرة.
رحلة هدير للبراح
شغفها بما تفعله، مكنها من أن تتقن عملها، فهي تؤديه بحب وضمير، فدرست حقوق الإنسان وصحة المرأة من خلال تدريب على الإنترنت بجامعة ستانفورد، ولكنها رأت أن هناك حلقة مفقودة، فلم تعد ترى لعملها جدوى، ولم يعد لديها طاقة لتقدم المزيد، فقررت أن تترك كل الوظائف التي تقوم بها في مصر، وتبدأ رحلة تساعد بها غيرها ليكونوا عونا ومدد لها.
"كنت محتاجة أبعد فترة عشان ألاقي شغفي، وأعرف هدفي في الحياة" ترى هدير شغفها يتحقق عندما تعرف الآخرين وتقبل اختلافهم، وتعي أن العالم أكبر بكثير مما يدور حولها في مصر، فاختارت أن تسافر إلى الهند مع بداية شهر يناير، واختارت الذهاب لولايات بعيدة عن العاصمة، وانفصلت عن العالم دون إنترنت أو موبايل، لتطوف خمس ولايات في 45 يوما.
"السفر مكنش للرفاهية" كانت تبيت في منازل أهالي المكان الذي تستقر به، أو تعلم بعض الطلاب الإنجليزية مقابل أن تنام ليلها في ملجأ، فرغبتها كانت أن ترى وجها آخر للعالم تزيل عنه كل وسائل الترفيه، لتراه كما هو وتعرف الإنسان على حقيقته، وتكتشف جديدا في نفسها. ومن الهند قررت أن تتجه نحو نيبال، لكن دون طائرة، مستقلة القطارات والحافلات "في قطار قعدت فيه لـ 50 ساعة، ومشيت على الحدود 500 متر"، من أجل أن تتسلق أحد جبال الهيمالايا وتثرى روحها بتجربة جديدة.
على مدى 14 يوما، تسلقت واحد من جبال الهيمالايا يقع على ارتفاع 4130 متر فوق سطح البحر، ويعتبر عاشر أعلى قمة في العالم، فرغم نصيحة كثيرين بعدم التسلق وخوض هذه التجربة وحدها، فعلت هدير ما أراحها، وجهزت لرحلتها بعد بحث طويل عن الجبل ومتطلباته.
تعرفي على البلاد الآمنة لسفر البنات وحدهن
رغم التعجب من أن تقبل فتاة وحدها، لم تتعد الـ 28 عاما، على تسلق الجبال بنفسها ودون مساعدة، أصرت هدير أن تكمل مشوارها، الذي تخلله معرفة واختبار لقدرتها، وتعب وإرهاق وآلام أحيانا، فكانت تمشي لثلاث ساعات يوميا في الغابات، تفقد الطريق ثم تتعلم كيف تقرأ العلامات، تصيب قدمها وتتداوى بالعلاجات الطبيعية، تقابل كثيرلاون من جميع انحاء العالم "كان في ناس لما قابلتهم كانوا مدد وعون، ودايما يسألوا عني، ورغم أني كنت لوحدي لكن محستش اني وحيدة"، ومع نهاية التجربة أدركت تأثيرها.
الوجود في حضرة الجبال ترك داخل هدير أثر عظيم "التجربة كانت أقوى مني، ذهنيا وبدنيا، والجبال لبليها هيبة وجلال غير طبيعي"، ومن نيبال استعدت هدير لفيتنام، مؤكدة أن رحلتها لا تتعلق بخطة محددة واضحة وضعتها لنفسها، ولكنها جاءت بالصدفة ودون تخطيط، فقد تتجه نحو كمبوديا عقب فيتنام ويمكن أن تعود إلى مصر.
حبها للناس ورغبتها في اكتشافهم، كان اساس رحلتها، التي اعتبرتها طريقا للبحث عن قيمة نفسها، بعد أن كسرت حدودا وحواجز لخوف وهمي، متمنية أن تستطيع العودة إلى مصر وهي نافضة عن نفسها أفكارا سلبية وضغوطا مرت بها، من خلال التعرف على مختلف أنواع البشر، مكتشفة أن رغم الاختلاف نبقى جميعنا متشابهين.
لخصت هدير تجربتها في جمل بسيطة "ممتنة لكل حاجة حصلت في الرحلة، تجربتي مع الجبل من أقوى الحاجات اللي مريت بيها، كان لازم أحس أنه أنا لسه موجودة وحية، وكان مهم ألاقي صوتي ونفسي تاني، كنت محتاجه أبعد شوية عشان أقدر أتعامل تاني لما أرجع، ولحد دلوقتي أنا في فضل ونعمة كبيرة"، مستعدة للعودة إلى العمل مع المنظمات والمجتمعات المحلية في مصر، وتطوير خططها الاستراتيجية والمالية.
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا