سمر الزغول أردنية تغير عَمَّان وسلوفانيا بالمسرح التفاعلي
الأكثر مشاهدة
فتاة تجلس خائفة داخل غرف أحد المستشفيات، عمرها ما بين الـ 12 و16 عاما، يقف أمام باب غرفتها شرطيان يمنعان اقتراب أي شخص من محاولة الدخول إليها، بعد أن تم احتجازها لتعرضها للاغتصاب من قبل رجل ستيني، فاعتبر والدها وشقيقها جريمته عار جلبته الفتاة الصغيرة لا يمحيه سوى قتلهما لها.
مشهد لم يغب عن ذاكرة الأردنية سمر الزغول، منذ عاصرته حين كان عمرها 14 عاما تخضع لفحوصات طبية بمستشفى الجامعة الأردنية، ليصدمها كيف تعامل الأهل مع الجريمة التي سلبت ابنتهم الكرامة، فقرروا أنها الجاني وليست الضحية، وكان موقفا ضمن واحد من مواقف أخرى آمنت بعدها بضرورة تغيير هذا المجتمع الذي يقمع كل ضعيف.
قصتها التي اعتبرتها سمر "عادية"، فهي أردنية تعيش الآن في سلوفانيا وتعمل في منظمات المجتمع المدني على تسهيل الحوار عبر الثقافات باستخدام الفن والإبداع، لم تكن كذلك، فكانت دوما ترى الأمور من حولها بوجهة نظر إنسانية تحترم فيها الاختلاف وتقبله، واستطاعت أن تصنع طريق مهدته بنفسها لنفسها.
حكاية سمر الزغلول والمسرح التفاعلي
سمر الزغول والمسرح
أرادت سمر أن تدرس المسرح، فالتمثيل هوايتها منذ طفولتها "لما كنت صغيرة وقت يجيلي أرق، كنت أتخيل حالي على المسرح وأمامي جمهور"، ولكنه ظل شغف حياتها، الذي لم تدرسه أو تتعلمه، فأسرتها نصحتها أن تعتبر التمثيل هواية، وتدرس الأدب الفرنسي، لكن طريقها للوقوف على خشبة المسرح أمام جمهور كبير كان عبر تجربة مختلفة وليست تقليدية، فاتجهت نحو التطوع مع منظمات المجتمع المدني لتقديم أفكار اجتماعية عبر مسرح تفاعلي بخلاف الاشتراك في مسرح الجامعة.
اقرأ أيضا: 5 نساء غيروا في علم النفس
المسرح التفاعلي كان سبيل سمر لتحقيق رغبة طالما تمنتها، بطريقة تجعلها على وعي بنصيحة أهلها بضرورة البعد عن دراسة المسرح، فهي ابنة عائلة كبيرة تعود أصولها إلى بلدة عنجرة (شمال الأردن)، ورغم إقامتها في العاصمة عمان، فدراسة البنت للمسرح لدى العائلة الكبيرة تعتبر أمرا غير مقبول أو معتاد اجتماعيا "أهلي بدهم الأفضل لي، ونصحوني لمصلحتي لأنه رغبتهم دعمي وحمايتي من الاستهجان والتجريح".
منذ 2004، بدأت سمر رحلة التطوع مع المنظمات المدنية من أجل تنظيم مسرحيات تفاعلية تجوب محافظات الأردن من أجل تغيير كثير من المفاهيم المغلوطة عن التحرش الجنسي والصحة الإنجابية، فتعاونت مع شبكة Y-Peer من خلال مسرح "حارتنا" التفاعلي، وهيئة شباب كلنا الأردن، حتى أصبحت ممثلة ومدربة بالفريق الوطني للمسرح التفاعلي، التابع للمركز الوطني للثقافة والفنون الأدائية.
التفاعل على المسرح مع الجمهور، كان له أثره على سمر فرأته ليس وسيلة للترفيه ولكنه أداة يمكنها أن تعمل على التطوير وتساعد في التغيير من خلال طرح قضايا مجتمعية عاشتها سمر بنفسها ومرت بها، مثل التحرش الجنسي الذي تعرضت لها على مدار مراحلها العمرية المختلفة، وأخرى قضايا لاحظتها في المجتمع من حولها، فهو يستحضر الواقع ويجسده وينقل الفكرة للجمهور الذي يتفاعل معها بصورة مباشرة.
تعرف على: هدير ماهر من الهند إلى كينيا ونيبال من أجل الإنسان
ما زالت سمر فخورة بتأديتها لشخصية "مجد" في واحدة من المسرحيات التفاعلية، الفتاة المراهقة التي تعرضت للتحرش في طفولتها، فصارت تتصرف مثل الأولاد وتتحدث مثلهم وتظهر بمظهرهم حتى تحمي نفسها، وذكرتها الشخصية بموقف شخصي تعرضت له حين كانت سمر طفلة لم يتعد عمرها الست سنوات، وقرر أحد المارة أن يلمس جسدها، وقتها لم تعي شيئا مما حدث، ولم تبح به لأحد، ولكنه ظل عالقا في ذاكرتها، وفي سنوات المراهقة كانت بالفعل تحاول أن تحمي نفسها من الشارع بالتصرف مثل الأولاد، فكانت تغير صوتها وترتدي مثلهم، فلقبها زملاؤها بـ "كابتن ماجد".
"شخصية مجد أعطتني مساحة آمنة أناقش التحرش الجنسي، لأنها كانت بتمثلني وتمثل كتير فتيات بالأردن"، ورغم أن تفاعل بعض الجمهور مع هذه الشخصية كان أحيانا ما يأتي برد فعل سلبي ناكر لوجود التحرش الجنسي، مثلما فعل أحد أساتذة الجامعة في أحد العروض، ولكنها كانت تجد الدعم والمساندة من مجموعة أخرى ترفض أن يتم التنكيل بالسيدات واعتبار أن ملابسهن هي السبب في التحرش، وتلك لحظات كانت تجعلها فخورة ومؤمنة بما تفعله، وتنفي ما كان يخبره بها البعض بأن "المسرح حكي فاضي".
خضعت سمر لتدريب عن كيفية استخدام المسرح التفاعلي كأداة تعليمية بديلة في الجامعة الأمريكية ببيروت، ومن المسرح التفاعلي إلى المسرح الاحترافي، قدمت سمر شخصية فتاة متمردة ثورية مقاومة من خلال مسرحية "جسر العودة" عن القضية والمعاناة الفلسطينية للمخرج الأردني نادر عمران "وقتها المخرج آمن بيا، وكنت معتقدة أنه ما راح مثل مسرح احترافي من دون دراسة"، ولكن موهبتها جعلتها بطلة ضمن مسرحية احترافية قدمت عروضا في ألمانيا بمهرجان المسرح الدولي، ولاقت تفاعلا جماهيريا واسعا، وهو ما جعلها تؤمن أن العمل الفني قادر على التقريب بين الثقافات المختلفة والشعوب، كما شجعها على المستوى الشخصي أن تتعمق في قراءة التاريخ.
استطاعت سمر أن تحصل على فرصة للتدريب في برنامج تابع للاتحاد الأوروبي، يعمل على تعزيز الحوار بين دول أوروبا والشرق الأوسط من خلال التبادل الثقافي والفني، فتمكنت من الحصول على منحة لمدة 3 أشهر في أحد المنظمات بسلوفانيا، تعلمت خلالهم وقدمت عروض مسرحية تفاعلية في جورجيا وآرمينيا وإسبانيا والبرتغال، كما تعرفت على أدوات التعليم البديل.
اقرأ أيضا: حكاية الشيف سارة نشأت ومطبخها على إنستجرام
عادت سمر من المنحة محملة بأفكار مختلفة عن التعليم، ورأت صورة أخرى عن العلاقات الإنسانية والاختلافات البشرية، فقررت أن تتعلم اللغة الألمانية وتذهب في رحلة إلى ألمانيا لـ 40 يوما "فخورة بأهلي وبأبوي،لأنه آمن فيا وما أهتم بكلام العالم"، فوالدها الذي كان يخشى أن تخرج سمر في رحلة داخل الأردن وحدها، استطاعت الأيام والنقاش والحوار، وقدرتها على تحمل المسئولية أن يغيروا رأيه ليمنح ابنته فرصة التعرف على نفسها وهي في الـ 25 من عمرها، فتكفل برحلتها إلى ألمانيا.
رحلتها نحو سلوفانيا
خلال رحلتها، كانت تبحث سمر عن فرصة للدراسة، فتعرفت على أناس من خلفيات ثقافية مختلفة، كما واجهت تحديات وصعاب العيش وحدها في بلد غريب، وكنت الرحلة بابا فُتح لها للتعرف على ثقافتها العربية وبناء الثقة في نفسها، والمواقف التي مرت بها عززت انتماءها "خلت هويتي واضحة وأصبحت معتزة بيها، وفخورة بلغتي العربية وبإنجازاتنا"، فلم تنسلخ عن ثقافتها معتبرة أن الغرب هم الأفضل، ولكنها وعت للاختلافات الثقافية، وآمنت أن الحضارة العربية تحتاج إلى تعزيز بعيدا عن الإطار الغربي، حتى تكون حضارة معاصرة بهوية عربية.
اقرأ أيضا: الشغف بالرياضة وقود ماريز دوس للجري نحو أحلامها
بعد محاولات، تمكنت من الحصول على فرصة لدراسة الماجيستير بإحدى الجامعات الألمانية، والتي كانت الدراسة بها مكلفة، فتواصلت مع منظمة Povod بسلوفانيا من أجل الحصول على فرصة للعمل بها، وهي المنظمة التي تعمل على تعزيز الثقافة والتعاون الدولي عبر الحوار، ومن خلالها تعرفت على مدير المنظمة، الذي طلب أن يتزوجها بعد ذلك، بعد أن اكتشفا أنه رغم اختلاف الثقافات تلاقت الأفكار والاهتمامات، "قرر أنه يكون مسلم، وحكيت لأمي، فزارنا بالأردن وقدرنا نتجوز".
انتقلت سمر إلى سلوفانيا مع زوجها، ومنها قررت أن تنقل دراستها إلى جامعة ليوبليانا، لتحصل على الماجيستير في دراسة حالة لدور الحركات النسوية في صياغة الحركات العامة والسياسات العامة في الأردن وتونس، إلى جانب عملها كمنسق مشروعات في منظمة Povod، ومدربة مسرح ووسيط ثقافي عبر شركتها الخاصة ساما جودز للوساطة الثقافية والتعليم متعدد الثقافات، وتقوم على تنمية الإبداع وتسهيل الحوار عبر الثقافات، من خلال العمل مع المركز الوطني للصحة العامة بسلوفانيا على تيسير التفاهم بين الأطباء السلوفانيين وطالبي اللجوء من جنسيات مختلفة من خالا الفن والمسرح.
تعرف على: مي زين الدين والدة المصري المحلق التي غيرت حياة ذوي القدرات الخاصة
"علاقتي مع زوجي آخر ما يقلقني، فاختلافاتنا ممتعة وبتعطي شعور حلو للزواج" فزوجها مرشح لعضوية البرلمان وتقدم له الدعم والنقاش بينهما لا يتوقف حول الأوضاع السياسية في أوروبا والشرق الأوسط، ويعد 5 سنوات من العيش في سلوفانيا قدمت سمر صورة مختلفة عن العرب، وتطمح أن يكون لها مشاركة وضغط على الوضع السياسي العالمي، خاصة، فيما يتعلق بقضايا فلسطين وسوريا، مع توصيل هذه القضايا إلى قطاعات أكبر باستخدام الفن في أوروبا.
اقرأ أيضا:
تصميمات سلمى صابر تضيف لمسة جديدة للعبايات
رباعي كويينز طريق عازفات الأوركسترا نحو أحلامهن
رحلة أربع شابات نحو اكتشاف منصوراصورس
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٠ يوليو ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا