بين جراحة العيون والغطس مشوار صنعته نرمين رفعت باجتهادها
الأكثر مشاهدة
"أنا لن أقبل أني أكون والدة فلان ولا بنت فلان، أنا نرمين رفعت، اللي الناس تنسب إليّ وابني يقولوا ده ابن نرمين رفعت" برؤية مختلفة عن السائد والمتوقع، قررت جراحة العيون أن تخوض مشوارا تحدت فيه روتين مهنة الطب واعتقادات المحيطين.
عندما قررت أن تحزم أمتعتها متجهة نحو القاهرة في 2007، بعد عام عملت فيه بمستشفى رمد المنصورة، ونشأتها في قلب المدينة المعروفة بـ "جزيرة الورد"، لم يكن هناك مَنْ يمكنه أن يوقفها، فلا اعتراضات والديها أو ضرورة وجودها بجانب ابنها، الذي لم يكن قد تخطى عامه الأول بعد، أو كونها سيدة مطلقة.
جرح صغير في قدمها جعلها تدرك ما تريد، ففي طفولتها عندما استطاع الدكتور أن يشفي الجرح الذي أحدثته في أثناء لعبها، اعتبرته بطلا ورأتها معجزة، وتمنت أن تكون واحدة من أصحاب المعجزات، فصار كل من يسألها عن المهنة التي تتمناها عندما تكبر ترد، وبثقة "جراحة".
حققت نرمين ما أرادت، وكانت الأولى في عائلتها التي تدرس الطب، فالتحقت بكلية طب جامعة المنصورة، واكتشفت أن دراسته في مصر، كما تقول، قائمة على التعليم الذاتي "دراسة الطب في مصر غير عملية وغير واقعية لأنها دراسة نظرية، بنحفظ الكتب ونمتحن"، ورغم ذلك أصرت على أن تعلم نفسها الجانب العملي، الذي يعوقه كثرة عدد الطلاب في الكلية، "¬كنت بروح مستشفى الطواريء وأطلب منهم يعلموني، عشان متخرجش مش عارفه أخيط جرح ولا أدي حقن".
اقرأ أيضا: هدير ماهر من الهند وكينيا إلى نيبال وفيتنام
جراحة العيون، وقدرة الطبيب على أن يصلح عيوب الإبصار، وينقذ مريض من فقدان نور عينيه جذبت نرمين إليها، وقتها عرفت أنها ستكون جرّاحة عيون، "مفيش جراحات سيدات كتير في مصر، وده تحدي"، وحتى تجعل من حلمها واقع وحقيقة قررت أن تجتهد منذ اليوم الأول، فكانت تصر على التعلم بنفسها، وتذهب المستشفيات الخاصة والحكومية، وتحاول أن تكتسب منهم المهارات الأساسية.
جاء تعيينها في مستشفى رمد المنصورة، الذي تزامن مع زواجها وإنجابها لطفلها الوحيد جاسر. بعد التخرج يحمل طالب الطب لقب نائب، وكانت في المستشفى النائبة الوحيدة ضمن 10 نواب رجال، ومجموعة كبيرة من الأطباء السيدات والرجال، بل تفوق الطبيبات عدد الأطباء، ولكن العمل الحقيقي يقع عاتقه على الأطباء الرجال وحدهم، "كان في تقريبا 40 دكتورة مش بيعملوا أي حاجة، يجوا يمضوا ويمشوا"، استنتجت نرمين أن الطبيبات فضلن البقاء وعدم العمل لأن هناك اهتمامات عائلية.
عندما كانت تصرح برغبتها في التعلم، كانت تواجه دائما بضحك وحديث على غرار "كان غيرك أشطر.. كنا عاوزين نتعلم زيك كده برضه"، اتجهت نحو مدير المستشفى حينها، الدكتور أيمن عبد المنعم، وأفصحت له عن رغبتها في أن تكون جراحة، فأوضح لها أن الأمر يحتاج إلى مجهود "قولت له أنا مستعدة أبات في المستفشى، وده كان بيحصل بالـ 3 أيام".
رغم زواجها وابنها، الذي كان عمره 6 أشهر حينها، قررت نرمين أن تتحدى ظروفها وتتعلم، فكانت تبذل أقصى ما بوسعها لتثبت جدارتها، تقوم بتحضير المرضى للعمليات، واستطاعت دخول العمليات الكبرى للتعلم من الأطباء الجراحين، وفي خلال شهرين تمكنت من إجراء عملية المياه البيضاء وحدها "الدكتور كان منبهر أنه عرفت أعملها من مجرد النظر بس، وافتكر أني اشتغلتها قبل كده".
بسبب اجتهادها، كان هناك جدال يومي من زملائها الأطباء، رافضين أن توكل إليها العمليات والجراحات بحكم أنها "واحدة ست، ومش لازم تتعلم عشان آخرها هتقعد في البيت"، ولكن الدكتور الاستشاري كان يعلم اجتهادها ويمنحها الفرصة التي تناسبها، وبعيدا عن العمل كان مظهرها دوما مثار للحديث والجدل بين الأطباء والعاملين، "في مرة دكتورة ندهت لي من عيادة فيها 200 مريض، عشان تعرف أنا لابسه إيه تحت البالطو".
اقرأ أيضا: مي زين الدين التي غيرت حياة ذوي القدرات الخاصة
انتقال نرمين رفعت إلى القاهرة
علمت نرمين أن استمرارها في المنصورة لن يضيف لها جديد، فكانت طوال ايام عملها في المستشفى تسافر إلى القاهرة أسبوعيا لتحضر مؤتمرات علمية، وتتابع الجديد في مجال طب وجراحة العيون، فاستطاعت أن تطور نفسها وتتعلم طريقة جديدة لإجراء جراحة المياه البيضاء، قررت أن تنفذها في المنصوة باستخدام جهاز جديد لم يكن أحد يعرف كيفية تشغيله.
وقتها، انفصلت نرمين عن زوجها وحدث الطلاق، وأوضحت لأسرتها قرارها بالسفر إلى القاهرة، وتم مواجهته برفض تام، لكنها مضت في طريقها رغم ظروفها المادية ومسئولياتها نحو ابنها الوحيد، وعدم وجود أصدقاء أو أقارب لها في العاصمة، التي تبعد عن مدينتها ما يقرب من 126 كيلومتر.
استيقظت يوم جمعة، وجمعت أهم ما تحتاجه في حقيبة، وأبلغت أسرتها أنه قد تم قبولها في الزمالة المصرية وتم نقلها إلى القاهرة "قولت لهم هأمشي، وابني هيكون معاكم لغاية ما ظروفي تتحسن" قرار صعب ولكنها علمت أن رغبتها لن تتحقق دون ثمن، فكانت تعلم ان للطموح والوصول للهدف ضريبة يجب دفعها "كان ممكن أقعد جنب ابني وأقتل طموحي، لكن كان هيكبر ويكون ليه حياته وممكن يسافر، ووقتها كنت هبقى إيه؟ قدمت إيه لنفسي وحياتي هيبقى شكلها إيه؟".
اقرأ أيضا: دعاء عارف تطلق شفاء بعد معاناة مع السرطان
قناعتها بضرورة أن تكون جرّاحة سيدة لها اسم في مجال جراحة العيون، جعلتها تتحمل غضب أسرتها وتذهب إلى القاهرة حاملة حقيبتها وفي حوزتها 400 جنيه فقط، دون سكن أو معارف يمكنها اللجوء إليهم، لتواجه واقعا أسوأ، كما وصفته، فهي بنت وحيدة ومطلقة ومن "الأقاليم".
التحقت للعمل بمستشفى رمد قلاوون، التي كان يتوفر بها سكن للمغتربات، الذي لم يكن لها مكان به في البداية، "فضلت أسبوع بنام على أي سرير فاضي لغاية ما اتوفر لي مكان في السكن"، كانت على استعداد لتقوم بكل ما يمكنها حتى تحقق ما ابتعدت عن ابنها لأجله "الفرص في مصر غير متكافئة، ودايما بيتعاملوا معاكي أنك- كسيدة- درجة أقل لغاية ما تثبتي أنك احسن منهم".
استطاعت أن تثبت جدارتها بعمل جراحات العيون والمشاركة بها، في ظل رفض واستنكار من زملائها الأطباء، وأبدت استعدادها لتولي أي عمل لا يريده أحد بالمستشفى، وأن تتولى نوبات الليل، لتمر عليها أيام ما زالت تتذكر صعوبتها وآلامها، فهي تعيش وحيدة دون مال كافي، وتحت ضغط العمل.
يومها كان يبدأ وعلى مدار 3 سنوات، من الساعة الثامنة صباحا داخل المستشفى لتنهي عملها في الثانية ظهرا، وتتجه بعدها إلى مستشفى خاص للعمل حتى الثامنة مساء، ومنها إلى عيادة أخرى، وتعود بعدها إلى "رمد قلاوون" لتتولى نوبة الليل، فكأنها في عمل دائم لا يتخلله سوى سويعات قليلة للنوم.
"كان بيعدي أيام مش معايا فلوس المواصلات، أو عيانة (مريضة) ومش معايا أجيب الدوا"، مع الوقت بدأت أحوالها المادية تتحسن، وأنهت رسالة الماجيستير في طب وجراحة العيون، واستطاعت أن تستقبل ابنها في شقة مستقلة بهما في القاهرة، وهو في عمر الست سنوات، ورغم تأثير البعد على علاقتهم في البداية، تخطتها نرمين مع ابنها بمرور الوقت.
اقرأ أيضا: الشغف بالرياضة وقود ماريز دوس للجري نحو أحلامها
قدمت على إجازة من العمل في وزارة الصحة، وتفرغت للعمل في مستشفيات خاصة، وتعرفت على أحد أطباء العيون، الذي أعلن في 2013 عن جلبه لجهاز تقنية الفيمتو ليزر، وكانت نرمين من أول المتقدمين للتعلم على الجهاز، واستطاعت أن تتقن استخدامه، بعد الخضوع لتدريب مكثف في ألمانيا لمدة 3 أسابيع.
أصبحت تقدم دورات تدريبية في كيفية استخدام الجهاز لآخرين، وتشارك في مؤتمرات علمية وتوضح الاستفادة من تلك التقنية في طب وجراحة العيون، وبدأ اسمها ينتشر في الأوساط العلمية وبين المرضى، حتى تواصل معها الدكتور أحمد صدقي، أحد أكبر جراحي العيون في مصر، وطلب منها أن تعمل معه، فكان مصدر دعم وثقة ومساندة لها.
أصبحت نرمين رفعت بعد أكثر من 12 سنة تعمل كطبيبة، واحدة من أهم جراحي العيون في مصر، ولها عيادتها الخاصة، وتعمل في جراحات زراعة القرنية وعمليات المياه البيضاء، وزراعة العدسات وتصحيح الإبصار، ولكنها تطمح أن يكون اسمها في عالم الطب علامة تجارية Brand Name، وأن تكون الأنجح في تخصص أو جزئية محددة بجراحة العيون وتكون معروفة بها دون غيرها.
حلم آخر بمستشفى خيري يشبه ما تفوم به 57357، تتمنى نرمين أن تحققه يوما "نفسي في مستشفى متخصص في مجال جراحة العيون، ويقدم أبحاث علمية، وخدمة طبية مجانية للناس اللي محتاجاها"، ولهذا قررت عبر فيديوهات على صفحتها الشخصية على فيسبوك أن تقوم بتوضيح ما يقوم به الطبيب ودوره في أي جراحة، في محاولة لتبسيط المعلومات للمرضى، وتقديم وصف حقيقي ودقيق للمشكلات التي يمكن أن تواجهه في جراحات العيون.
"الفشل لما تقول أنا بقيت جامد"، ولهذا تؤمن نرمين أنها ستظل تتعلم، رغم سنواتها التي اقتربت من الـ 39، وعلى استعداد للتدرب على يد أي شخص في أي مكان في العالم، وأيا كان عمره، طالما يقدم تقنية جديدة في هذا المجال، وتريد أن تعرفها، فاعتادت أن تسافر لحضور المؤتمرات العالمية وتعرض أعماهالها وتطلع على الجديد.
اقرأ أيضا: حكاية الشيف سارة نشأت ومطبخها على إنستجرام
الغطس هواية نرمين رفعت
بعيدا عن الطب والعيادات والمرضى، تملك نرمين رفعت عالما خاصا، فهي عاشقة للسفر والتجربة والاستكشاف، فبدأت تخوض رحلات مع مجموعة من محبي السفر لتتعرف على مناطق مختلفة في مصر، فسافرت إلى دهب ونويبع وسانت كاترين، ووادي الحيتان وسيوة ومرسى علم والسلوم، والصحراء البيضاء والمحميات الطبيعية.
واستطاعت صاحبة الفوبيا من الغرق أن تتعلم الغطس وتحصل على 3 نجمات دولية ومعترف بها عالميا كغطاسة لها القدرة على تقديم الإسعافات الأولية وإنقاذ الآخرين. وتعتبر القراءة الهواية التي تمارسها بنهم، فتقرأ كل ما يصادفها، من الطب إلى التاريخ والفلسفة وعلم النفس ومقارنة الأديان، وحتى الأدب الإنجليزي والروايات الجديدة وعلم الطاقة.
"كل ده بيخلي فكرتك عن الدنيا والإنسانية تختلف"، وهو ما أرادت أن تُنشيء ابنها عليه، فجاسر الذي أتم أعوامه الـ 13، أصبح يرافقها في رحلاتها، وتتمنى أن تجعل منه شخص مسئول قادر على تحمل مسئولية قراراته، وأن يعامل الآخرين على مباديء إنسانية بعيدا عن أي توصيفات أخرى.
من الممكن أن تعتبر نرمين أن قرارها بالزواج مبكرا خاطيء "تقديراتك عن نفسك بتكون غلط، وعشان كده اختياراتك مش مظبوطة"، ولكنها تؤمن أنها صنعت لنفسها ماضي وحاضر تفخر به، تنظر لما مضى وتحدث نفسها "أنا كنت صح وفخورة بنفسي ومبسوطة باللي وصلت له ولسه كتير، لسه هكمل".
اقرأ أيضا:
حكاية ندى زين الدين وتعالوا نعرف مصر
رحلة إيمان وسناء وسارة من مكتب التنسيق إلى منصوراصورس
بسمة صبحي صاحبة أول كتاب رياضي
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٢٦ يوليو ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا