ولادة بنت المستكفي شاعرة الأندلس وحبيبة ابن زيدون
الأكثر مشاهدة
في عصر، كانت فيه إسبانيا هي الأندلس وعاصمتها قرطبة، التي كانت واحدة من أهم مدن أوروبا، حيث كانت منارة للعلم والثقافة، وكان للأدب والفن مكانتهما، ذاع صيت الشاعرة الأموية الأندلسية ولادة بنت المستكفي، صاحبة الصالون الأدبي الذي يقصده الأعيان والأدباء، والشخصية الجريئة التي لم يقو أحد على منافستها، واشتهر بها كل من اقترب منها.
تعرفي على: صفية زغلول زوجة مناضل وأم للمصريين ومناصرة للمرأة
من هي ولادة بنت المستكفي
شاعرة الأندلس، التي كانت قمر يضيء سماء الثقافة والأدب في بلاد الأندلس، ولدت في ظل سيطرة الدولة الأموية، ويُرجح أنها إما 994 أو 1001 ميلاديا، حظيت بفرصة التمتع بثقافة واسعة وتعليم جيد وحب للقراءة، رغم أنها ابنة الخليفة الأموي محمد المستكفي بالله بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر الدين الله، الذي عُرف عنه بأنه واحد مِمَنْ استولوا على الخلافة عن طريق المؤامرات والدسائس، وكان مشهور بشرب الخمور وعدم الالتفات لأمور الحكم.
قال عنه أبو حيان التوحيدي "سقيم السر والعلانية، أسير الشهوة، عاهر الخلوة"، ورغم صفاته المذمومة، اشتهر كونه والد ولادة بنت المستكفي، التي انجبها من جاريته الإسبانية "سكرى"، فاكتسبت منها الجمال الغربي من العيون الزرقاء والبشرة البيضاء، وجمعتها بالثقافة العربية وسعة الاطلاع.
بعد وفاة والدها، مالت ولادة إلى الشعر والأدبن ففتحت بيتها لاستقبال الشعراء والأدباء، حتى اشتهر صالونها الثقافي، وتهافت عليه محبو الشعر والأعيان وأعلام الشعر والنثر في الدولة الأموية وحتى الساسة والوزراء، فحاول الكثيرون التقرب إليها وحضور مجلسها، الذي كان سابقا لعصره فكان بمثابة أول منتدى ثقافي تديره سيدة.
اقرئي أيضا: فاطمة سري الأم التي قهرتها هدى شعراوي
في حين كانت النساء في هذا الوقت لا يخرجن إلا بالحجاب، ولا يقمن بالاختلاط مع الرجال بصورة كبيرة، كانت ولادة بنت المستكفي امرأة متحررة، تتصف بالشجاعة والجرأة، فاستطاعت أن تدير صالونها للأدب والفن، كما كانت تظهر أمام الناس دون حجاب وبزينتها، وإلى جانب إلقاء الشعر، استهواها الغناء وكانت تغني في مجلسها.
توافد على صالونها الثقافي الجميع، كما كانت قبلة السيدات الراغبات في تعلم القراءة والكتابة والتزود بالفن والثقافة، والاستمتاع بالموسيقى أيضا، كانت ولادة شاعرة فصيحة وعلى قدر كبير من العلم والمعرفة، ولديها ملكة استخدام الكلمات والبلاغة في القول، ورغم ذلك لم يتبق من أشعارها سوى القليل، ويعتبر من أشهر أبيات الشعر الذي سطرته:
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه بها
وأمكن عاشقي من صحن خدي
وأعطي قبلتي لمن يشتهيها
ويقال إنها قامت بتطريز هذين البيتين بماء الذهب على طرفي ثوبها، فكانت تعتبرهما ردا على بعض مِمَنْ حاولوا أن يتهموها بـ "عدم الحياء"، وأن حياتها تُشبه فتيات الهوى، كما نصفها كثير من المؤرخين والشعراء ردا على ما تم وصفهم بالمتطرفين، الذين اعتبروا مخالطتها للرجال وقدرتها على منافستهم في نظم الشعر والإلقاء أمر غير مقبول.
تجاهل الجميع اعتقادات المتطرفين، وحظيت ولادة، صاحبة الجمال الفائث، على احترام وحب المحيطين بها، فأبو حيان التوحيدي الذي انتقد والدها، مدحها هي وقال عنها "أميرة شجاعة، كريمة الحسن واليد، وشاعرة مميزة في مجالس الأدب بقرطبة.. امرأة لا مثيل بجمالها وثقافتها وفصاحتها.. وتعتبر من أشهر النساء في التراث العربي".
كان بزوغ نجم ولادة وصالونها الثقافي، يتزامن مع حقبة تولي المسلمين للأندلس، فامتاز البنيان بالعراقة والفن، فبلغت القصور ما يقرب من 80 ألف، وانتشرت المساجد ذات المعمار المميز والرائع، وكانت قرطبة واحدة من أشهر وأهم مدن أوروبا، حينها، ولذلك كان من الطبيعي أن تكون ولادة بنت المستكفي واحدة من أعلام هذا العصر، إلى جانب شعراء آخرين وعلماء بارزين.
ولادة وابن زيدون
ومن ضمن من اجتذبهم صالون ولادة، أبو عامر بن عبدوس والشاعر الوزير ابن زيدون، وهو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي، الذي كان أشهر شعراء الأندلسوعُرف عنه الذكاء والفطنة والإلمام بجميع فروع العلوم،واول مكانة رفيعة تولاا كانت الوزارة وهو ما زال في الثلاثين من عمره، ولكن نارا اشتعلت بينه وولادة، فتبادلا الحب دون الاعتراف، ومع تغير الأحوال، وخيانته لها مع إحدى الجاريات، ابتعدا، وقررت أن تثير غيرته بالتقرب من بن عبدوس.
اقرئي أيضا: خناثة بنت بكار أول وزيرة في الدولة المغربية
وبعد دخول ابن زيدون للسجن، وهروبه منه والعودة إلى الحكم مرة أخرى، ظل هو وولادة يتبادلان العتاب عبر القصائد، ولكن لم يكن لهذا العتاب صدى، فكان الفراق نصيبهما في النهاية، لأنها لم تقبل خيانته لها وكتبت في إحدى القصائد:
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
لم تهوى جاريتي ولم تتخير
وتركت غصنا مثمرا بجماله
وجنحت للغصن الذي لم يثمر
وبعد انتهاء قصة الحبيبين، كانت ولادة بالقوة والشجاعة التي تجعلها لا تلتفت إلى ما مضى، فكانت تعلم مكانتها، وتثق في نفسها، وتقول عنها:
إني وإن نظر الأنام لبهجتي
كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لين الكلام فواحشا
ويصدهن عن الخنا الإسلام
ووصفها أحد المؤرخين قائلا إنها "كانت واحدة زمانها المشار إليها، في أوانها حسنة المحاضر، مشكورة المذاكرة"، فكانت مِمَنْ يشار إلي الآخرين بها، فأصبح والدها وشعراء زمانها يشتهرون بها، فالشاعرة مُهجة القرطبية التي زامنتها، كانت تعرف بـ "مهجة صاحبة ولادة"، والشاعر الوزير ابن زيدون، كان يُلقب بـ "صاحب ولادة"، ووالدها محمد المستكفي بالله كان "والد ولادة".
بعد انقطاع السبل بينها وابن زيدون، ورغم أنها لم تتزوجه ولم تقبل أن تتزوج أحد، ظل بن عبدوس ملازما لها، ومع زوال جمالها بعد الكبر في العمر، كان يرعاها حتى توفيت بعد أن عاشت ما يقترب من المائة عام، ويقال إنها رحلت في عام 1091، تاركة وراءها فراغ ثقافي امتدت طويلا، وكان شاهدا على بداية عصر زوال دولة الخلافة في الأندلس.
اقرئي أيضا:
أول امرأة حصلت على جائزة نوبل للسلام
المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد في معلومات
الملكة البريطانية العذراء في 14 معلومة
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٢٢ نوفمبر ٢٠١٨
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا