أسمهان مسيرة فنية قصيرة ومتفردة ورحيل مثير للجدل
الأكثر مشاهدة
لم يتعدَ عمرها 33 عاما، ولكنهم كانوا كافيين لتصنع مجدها الخاص، وتترك بصمتها الغنائية والفنية، مع تساؤلات عن لمحات مثيرة للجدل من حياتها الشخصية، فاستطاعت أسمهان أن تتميز وسط عمالقة الغناء وقتها، وفي وقت قياسي تمكنت من المنافسة بصوت لم يجود الزمان بمثله.
أسرة تعيش في تركيا، الأب والأم الحامل وولديهما، تتسبب المشكلات في ارتحالهم، فيستقلون جميعا باخرة شحن يونانية لتنقلهم إلى لبنان، لكن طفلتهم الجديدة لم تتمهل حتى يصلوا إلى وجهتهم، وعلى متنها يأتي الأم آلام المخاض في أثناء الرحلة، وتلد ابنتها آمال فهد فرحان إسماعيل الأطرش في 25 نوفمبر 1912.
عاشت الأسرة في بيروت بحي السراسقة لفترة، ثم منه إلى جبل الدروز في سوريا، حيث كان للأب مكانة كبيرة وصيت ذائع، فهو الأمير فهد الأطرش أحد زعماء الدروز في الشام، وكانت والدتها الأميرة علياء حسين المنذر، الدرزية اللبنانية، فعاشت آمال، أو أسمهان كما لُقبت فيما بعد، مع عائلتها كريمة معززة مستقرة حتى وفاة الأب واندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925.
تعرفي على: برلنتي عبد الحميد بين الفن والسياسة
مع اندلاع الثورة، التي قامت ضد الاستعمار الفرنسي، وتدهورت الأوضاع في سوريا، فانتقلت الأم مع أبنائها الثلاثة إلى القاهرة، بحثا عن الأمان وتجنبا لملاحقة الفرنسيين لهم، كون عائلة الأطرش واحدة من أشهر العائلات نضالا ضد الاحتلال، لتبدأ في القاهرة مسيرة مختلفة للعائلة.
في القاهرة، شق الأخ الكبير طريقه نحو الفن والغناء، فبدأ فريد الأطرش في العمل بالكازينوهات والتعرف على الملحنين والفنانين، واستغلت الأم الأميرة علياء موهبتها الغنائية الفطرية، فكانت تقدم فقرات غنائية في الحفلات والأفراح، حتى توفر لأسرتها عائل مادي جيد.
حصلت آمال الآطرش على لقب أسمهان، عندما زار الملحن داوود حسني، أحد كبار الموسيقيين في مصر وقتها، شقيقها فريد الأطرش في منزلهم، وسمعها وهي تردد أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وبعضا من أغنيات أخيها، فطلب أن تغني له ويكون له فرصة تقييم صوتها عن قرب، وآمن أنه صوت لن يتكرر وذكره بمغنية قديمة لم تنل الشهرة التي تستحقها، فأسماها على اسمها "أسمهان".
اقرئي أيضا: تحية كاريوكا فنانة وراقصة وظاهرة وطنية متفردة
أغاني أسمهان
على مسرح صالة ماري منصور، شرعت أسمهان تصدح بصوتها بصحبة أخيها فريد الأطرش عام 1931، واكتسبت بطبقات صوتها الأوبرالي شهرة مع الوقت، حتى تمكنت من التعاون مع ملحنين كبار وموسيقيين، ولكن زواجها من الأمير حسن الأطرش في عام 1934، وانتقالها إلى سوريا منعها من استكمال مسيرتها الفنية في القاهرة.
استمر الزواج لست سنوات رُزقت خلالهام بابنتها كاميليا، لكن كانت روح أسمهان خلالهم معلقة بالفن والحلم الذي تركته في مصر، فكان قرارها بالانفصال والعودة إلى الغناء والتمثيل أيضا، فقدمت أول أفلامها "انتصار الشباب" عام 1941، مع فريد الأطرش وأنور وجدي، وكان من إخراج أحمد بدرخان، وفي عام 1944 قدمت فيلها الأخير "غرام وانتقام" مع يوسف وهبي.
بعد الفيلم، تزوجت أسمهان سرا من المخرج أحمد بدرخان كون الحكومة المصرية منعت وقتها الزواج بأجنبيات، ولكن بسبب غيرته الشديدة، لم يستمر الزواج أكثر من خمسين يوما، وانفصلت عنه أسمهان دون أن تحظى بإمكانية الحصول على الجنسية المصرية، ويشير ذلك إلى طبيعتها التي لا تحب الالتزام.
اقرئي أيضا: ولادة بنت المستكفي شاعرة الأندلس وحبيبة ابن زيدون
تعاونت أسمهان مع عدد من الملحنين، مثل محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ومحمد القبجي وزكريا أحمد، كما غنت قصائد الشعراء محمود إسماعيل، بيرم التونسي، وأحمد شوقي، وأحمد رامي، ومأمون الشناوي، ومن أغانيها: "ليت للبراق"، "كنت الأماني"، "الشمس غابت أنوارها"، و"ليالي الأنس"، و"أهوى"، وفي فيلم يوم سعيد عام 1940، شاركت في أوبريت مجنون ليلى مع محمد عبد الوهاب، وأغنية "محلاها عيشة الفلاح".
تزوجت أسمهان من الفنان أحمد سالم، ولكن طباعها التي لا تُفضل التقيد، وتتعمد التصرف بحرية، أدت إلى اشتعال غيرة زوجها للدرجة التي وصل معها الأمر لتهديده لها بمحاولة إطلاق النار عليها، حتى حدث الانفصال مع أوائل عام 1944، وكان الصحفي والكاتب المصري محمد التابعي قد تناول مسيرة أسمهان في كتابه "أسمهان تروي قصتها"، وذكر أن والدتها أخبرته أن أسمهان لا تحب أحد، وقالت له "عمرها ما أحبت رجلا، ولن تحب".
وكان التابعي يعتبرها ذات سحر وجاذبية أكثر من كونها جميلة ، فيقول "كانت فيها أنوثة، لكن لم تكن جميلة.. عيناها كانت كل شيء. في عينيها كان السر والسحر والعجب"، وهذا ما يفسر انجذاب الكثيرين لها، لكن كانت تبدو دائما هائمة تبحث عن شيء لم تصل له.
تعرفي على: مديحة حمدي سمراء النيل التي ألهم جمالها الشعراء والكُتاب
مقتل أسمهان
تردد كثير من الأوقايل عن تعاون أسمهان مع المخابرات البريطانية، بعد أن تم إقناعها بضرورة أن تقف إلى جانب القوات البريطانية في مواجهة قوات فرنسا التي احتلت بلدها سوريا، وعليها أن تسعى إلى التخلص من النفوذ الفرنسي بمعاونة بريطانيا، بعد إقناع قبيلتها بعدم اعتراض القوات البريطانية عند الدخول إلى سوريا.
ادت أسمهان هذا الدور بنجاح، ولكن كثيرين اعتبروا أنه كان سببا في مقتلها، ففي أثناء تصوير المشاهد الأخيرة لفيلمها "غرام وانتقام"، أرادت أسمهان أن تحظى بإجازة قصيرة في رأس البر تلبية لدعوة إحدى صديقاتها، وفي طريقها مع صديقة لها صباح يوم 14 يوليو عام 1944 تعرضا لحادث سير في مدينة طلخا، وانقلبت السيارة في ترعة الساحل.
توفيت أسمهان وصديقتها، ولكن ظل السائق على قيد الحياة، مما أثار كثير من الشكوك والتساؤلات حول الحادث، وكونه مُدبر من إحدى الجهات التي تعددت بداية من المخابرات البريطانية وحتى زوجها السابق أحمد سالم، لترحل أسمهان وسرها معها، وتترك لنا أغانيها وأعمالها الفنية المتفردة.
اقرئي أيضا:
فاتن حمامة وجه القمر التي بدأت مسيرتها بيوم سعيد
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ٣٠ يناير ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا