أحلام مستغانمي شمس جزائرية تضيء الأدب العربي
الأكثر مشاهدة
في الغالب، إذا انتشرت مقولة او اقتباس عن الحب، أو علاقة المرأة بالرجل في مواقع التواصل الاجتماعي، إلا ويكون وراءها أحلام مستغانمي، الكاتبة والروائية الجزارية، التي عبرت بالمشاعر التي تجمع الطرفين عن كثير من أفكارها حول السياسة وارتباطها بالتاريخ وتأثيرها على المجتمع، فاستطاعت بإنتاجها الأدبي المميز أن تُحدث حالة من الجدل والتساؤل والاختلاف والاتفاق، وتحصد ملايين من المتابعين والمهتمين حول العالم.
تعرفي على: سعاد ماسي صوت جزائري سكن قلوب الشباب العربي
أحلام مستغانمي
في ظروف مؤلمة، تعاني فيها الأسرة من الحرمان من البقاء في موطنها، ولدت أحلام مستغانمي في 13 أبريل عام 1953، في تونس العاصمة، حيث المنفى الذي انتقلت لها العائلة بعد أن تم اضطهاد والدها محمد الشريف، الذي شارك في مظاهرات 8 مايو (ماي) 1945 ضد السلطات الفرنسية التي تحتل الجزائر، فتم القبض عليه وبعد إطلاق شراحه ظل ملاحقا من الشرطة الفرنسية، حتى قرر أن يهجر وطنه إلى تونس مع أمه وزوجته.
ظلت مدينة قسنطينة، مسقط رأس محمد الشريف والد أحلام مستغانمي، عالقة في ذكرياته، يحلم بالعودة إليها، بما تحمله من حضارة وتاريخ، فهي واحدة من أقدم مدن العالم، وتسمى بـ "مدينة الجسور المعلقة"، و"عاصمة الشرق الجزائري"، وإن كانت سنوات البقاء في تونس لم تخلو من المشاركة في النضال المغاربي ضد الوجدود الفرنسي، كما عمل الأب كمدرس للغة الفرنسية.
وبعد استقلال الجزائر، عادت الأسرة إلى موطنها الأصلي، وتولى الأب عدد من المناصب والمهام السياسية، ومن بينهما الإشراف على توزيع الأراضي الزراعية على الفقراء، ةبدء حملة لمحو الأمية في البلاد، وكان حريصا على تعليم أبنائه اللغة العربية، فالتحقت احلام مستغانمي بأول مدرسة عربية لا يشرف عليها الفرنسيون في الجزائر، وكانت ضمن أوائل الدفعات التي درست اللغة العربية في المدارس بدلا من الفرنسية.
وفي عمر السابعة عشرة واجهت العائلة أزمة اقتصادية بعد دخول الأب إلى المستشفى، قررت على غثرها أن تتولى أحلام زمام الأمور، كونها الابنة الكبرى، ومن باب التحلي بالمسئولية، قامت أحلام مستغانمي باستغلال اهتمامها بالشعر والأدب، وقدمت برنامج إذاعي يحمل اسم "همسات" عام 1970، يتم بثه على الراديو الوطني، يقدم الأبيات الشعرية ويناقش الأدب والفن.
اشتهرت أحلام ببرنامجها اليومي الإذاعي، الذي كانت تقدمه إلى جانب دراستها الجامعية، حتى تخرجت عام 1973 في جامعة الجزائر بدرجة البكالوريوس في الأدب العربي، وتزامن ذلك مع نشرها لأول أعمالها الأدبية، وهو مجموعتها الشعرية "على مرفأ الأيام"، التي اتصفت حينهات بجرأة لم يقبلها الكتاب والناشرين حينها من امرأة عربية، قتم رفض انضمامها لاتحاد الكتاب الجزائريين، كما تم رفض تسجيلها بالجامعة للحصول على درجة الماجيستير.
بعد أن تعرفت على زوجها جورج الراسي، الذي كان مهتم بالحركة السياسية في الجزائر، رغم كونه صحفي ومؤرخ لبناني، وفي عام 1976 انتقلت معه إلى باريس، حيث تابعت دراستها الجامعية بجامعة السوربون، وقدمت كتابات صحفية في مجلات "الحوار" و"التضامن"، كما نشرت مجموعتها الشعرية الثانية "الكتابة في لحظة عري".
اقرئي ايضا: باية محي الدين فنانة الفطرة والسذاجة التي أسرت باريس
في عام 1982، حصلت أحلام مستغانمي على درجة الدكتوراة في تخصص علم الاجتماع من جامعة السوربون في باريس، وكانت رسالة الدكتوراة الخاصة بها تتناول بشكل واضح "التعقيدات المتعلقة بالجر والمرأة داخل المجتمع الجزائري، والصراعات الناجمة عن عدم التفاهم"، فهي ترى أن كثير من الخلل يشوب علاقات النساء والرجال في المجتمعات العربية، رغم أنها ترى أن كلاهما ضحية المجتمع، "فالرجل تقوم بتربيته امرأة، وتعينه على أن يكون مستبد على امرأة أخرى".
بعد البقاء لـ 15 عاما في باريس، لم تتنازل فيهم أحلام مستغانمي عن الاعتزاز برؤيتها وثقافتها العربية لتنال رضا المثقف الأوروبي، عادت إلى الوطن العربي، فكانت لبنان هي محطتها التالية، حيث بدأت في نشر أول أعمالها الروائية، فنشرت "ذاكرة الجسد" عن دار الآداب عام 1993، وهو العمل الروائي الذي تنشره كاتبة جزائرية باللغة العربية، والعمل الذي استطاع أن يحوذ إعجاب المؤلفين والنقاد، ويكون بمثابة انطلاق لشعبية وجماهيرية مستغانمي، فالرواية استطاعت أن تبيع حتى الآن أكثر من مليون نسخة، وتم اعتبارها ضمن أهم 100 رواية عربية.
ولم يكن ما قدمته أحلام مستغانمي وليد حظ التجربة الروائية الأولى، ولكنها استطاعت أن تتبعها بروايتين مكملتين لثلاثية "ذاكرة الجسد"، فنشرت عام 1997 رواية "فوضى الحواس"، وفي عام 2003، أتمت الثلاثية برواية "عابر سرير"، التي تمت طباعتها لأكثر من 20 مرة، وكانت السلسلة تتناول الأحداث التاريخية والسياسية وانعكاساتها على الناس والمجتمع في الجزائر، فكتب عن موطنها الأصلي قسنطنية، وتناولت التغيرات التي انتابت الأجيال المتعاقبة والخيبات التي لحقت بهم.
بثلاثيتها، استطاعت أحلام مستغانمي أن تثبت أقدامها في عالم الكتابة، وتشير غلى أديبة جزائرية تملك أدواتها، ولديها من الفصاخة والرصانة اللغوية الكثير، فاستطاعت في عام 1998 أن تحصل على جائزة نجيب محفوظ للأدب العربي، وعبر الشاعر السوري نزار قباني عن إعجابه بروايتها "ذاكرة الجسد"، وقال "روايتها دوختني.. النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق.. ولو ان أحدا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بامطار الشعر لما ترددت لحظة واحدة"، وسعى البعض إلى تحويلها إلى أعمال درامية تلفزيونية، وتم إنتاج الجزء الأول منه بالفعل في عام 2010.
استكملت مستغانمي إنتاجها الأدبي بكتابها "نسيان com" عام 2009 الذي كتبت على غلافه من باب الدعابة والتهكم "يحظر بيعه للرجال"، واعتبرها كثيرون بعد هذا الكتاب صوت للتيار النسوي، رغم أنه تنكر أن يكون هذا هدفها، فهي ترى في نفسها كاتبة عربية مهمومة بقضايا العروبة والوجع العربي ومشكلاته، ويعتبر "نسيان" كتاب تنعي فيه مستغانمي اختفاء الرجولة وتقدم نصائح للنساء حول التعامل مع الرجال والعلاقات العاطفية.
وفي نفس العام (2009)، نشرت كتاب "قلوبهم معنا وقنابلهم علينا"، الذي يضم مجموعة من المقالات المنشورة من قبل في عدد من المجلات، وتناقش بها القضايا التي تتعلق بالسياسة ومشكلات الوطن العربي ومآسيه، وبعد توقف لسنوات عن الكتابة وإصدار الكتب، قامت أحلام مستغانمي عام 2012 بإصدار روايتها "الأسود يليق بكِ"، الذي تتناول من خلاله تأثير فترة العشرية السوداء على الجزائريين من خلال سيدة جزائرية تواجه الإرهاب وسلطة المال أيضا، واستطاعت روايتها أن تحقق شعبية واسعة.
أصدرت أحلام مستغانمي مجموعتها الشعرية الثالثة "عليك اللهفة" عام 2014، قائلة عنها "ما هذه المجموعة سوى مراكب ورقية لامرأة محمولة على أمواج اللهفة، ما ترك الحب من يدى سوى للتجديف بقلم"، وكانت روايتها "شهيا كالفراق" آخر أعمالها، التي صدرت في عام 2018.
اقرئي أيضا: تعرفوا على المناضلة جميلة بوحيرد في هذه المعلومات
اقتباسات أحلام مستغانمي
تملك أحلام مستغانمي شعبية واسعة، ورغم أن كثيرون يعتبرون كتابتها متعلقة بالحب والعلاقات العاطفية، ترى هي انها كاتبة مهتمة بالتاريخ والأوضاع السياسية العربية، وتمررها للقاريء من خلال العلاقات العاطفية التي يعيشها ابطال روايتها، كما أنها تعتبر نفسها كاتبة غير متحررة كما يزعم البعض، "مقياسي في الكتابة هو الاحترام، وأن يقرأ القراء كتابي دون خجل".
بالحديث عن الحب، تعبر عنه أحلام مستغانمي بمفهوم أوسع، فتقول "نحن نحب أوطانا لا تبادلنا المحبة، فأوطاننا تنكل بنا ما يجعلنا على استعداد لتقبل حبيب ينكل بنا أيضا"، يتابع أحلام مستغانمي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أكثر من 12 مليون شخص، وكذلك يتابعها على "تويتر" أكثر من مليون شخص، ينتظرون مقتطفات من كتابها يرون اناه تعبر عنهم، ويعيدون نشرها مرة أخرى، مما جعلها تعتبر "الناقد الحقيقي هو القاريء".
تعرفي على: حبيبة العلوي الكاتبة الجزائرية العنيدة التي تنتصر للثقافة والأدب
ومن أكثر الاقتباسات التي تم تداولها لمستغانمي: "أحبيه كما لم تحب امرأة، وانسيه كما ينسى الرجال"، "الوقت لا يجامل أحدان إنه يترك تجاعيده على قلوب الجميع"، "الأدب لا يحب مجالسة السعداء، فالسعداء لا وقت لهم للكتابة".. وغيرها كثير من الاقتباسات التي تأتي على لسان أبطالها، فيرى القراء فيها أنفسهم.
اعتبرها الرئيس الجزائري السبق أحمد بن بلة "شمس جزائرية تضيء العالم العربي.. رفعت بإنتاجها الأدب الجزائري إلى قامة تليق بتاريخ نضالنا"، وتم منحها درع بيروت عام 2009، وقلدها الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة ميدالية الشرف عام 2006، كما ضمها مركز دراسات المرأة العربية ضمن قائمة أكثر النساء العرب تميزا لعام 2006، واختارتها منظمة اليونسكو حاملة رسالة المنظمة من أجل السلام لمدة عامين، كونها من أكثر الكاتبات العربيات تأثيرا، واستطاعت أن تصل بأعمالها إلى خارج حدود الوطن العربي بعد ترجمتها لأكثر من لغة.
اقرئي أيضا:
تعرفوا على الكتبة الجزائرية آسيا جبار
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٨ يونيو ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا