توحيدة بالشيخ أول طبيبة في العالم العربي من تونس
الأكثر مشاهدة
ضمن رائدات أخريات، كن الأوائل في اقتحام مختلف المجالات، استطاعت توحيدة بالشيخ أن تكون أول طبيبة تونسية وعربية، بعد أن واجهت رفض أهلها لدراستها بالخارج، ولكنها سطرت بمجهودها العلمي والاجتماعي اسمها في تاريخ سيدات العالم العربي اللاتي واجهن انغلاق المجتمع وضيق أفقه عليهن.
تعرفي على: بشيرة بن مراد رائدة الحركة النسائية التونسية
الدكتورة توحيدة بالشيخ
كانت ابنة بين ثلاث بنات أخريات وولد وحيد وُلد بعد موت والدها، الذي كان يعمل في الفلاحة، ولدت في 2 يناير (جانفي) عام 1909، في بلدة رأس الجبل بولاية بنزرت، وكانت أسرتها ميسورة الحال، فوالدتها حلومة بن عمار، التي تنتمي لواحدة من العائلات التونسية العريقة والثرية، فالم شقية لـ "الطاهر بن عمار"، الذي تولى رئاسة الحكومة التونسية عام 1954.
بعد وفاة الأب، كانت والدة توحيدة هي المسئولة عن تربية الأبناء وحدها، ورغم أنها سيدة بسيطة لم تتعلم اللغة الفرنسية التي كانت سائدة حينها بسبب الاحتلال الفرنسي لتونس، حرصت على أن يحصل أبناؤها على تعليم أفضل، ولذلك التحقت توحيدة وأخواتها جميعا بمدرسة نهج الباشا، ثم التحقت بمعهد أرمان فاليير، ونالت شهاد البكالوريا (الثانوية العامة) عام 1928، لتكون أول تونسية تحصل على هذه الشهادة.
اجتهاد توحيدة المتفرد حينها، جعل كثير من أساتذتها متحمسين لاستكمالها التعليم العالي، ولذلك رتب لها أحدهم لقاء بالطبيب والباحث الفرنسي ايتيان بيرنت وزوجته، وكان الطبيب يدير معهد باستور في تونس، وعندما سألاها عن ما الذي تريد أن تفعله، فصرحت عن رغبته في تعلم الطب، ونظرا لعدم وجود كلية للطب في تونس، ففكرت في الذهاب إلى الجزائر، مما جعل الطبيب الفرنسي يقترح عليها دراسة الطب من المكان المناسب، وهو باريس.
اقرئي أيضا: سعاد ماسي صوت جزائري سكن قلوب الشباب العربي
بعد اقتراح بيرنت، بات أمام توحيدة بالشيخ اقناع أسرتها بسفرها، وهي فتاة لم تكمل عامها العشرين بعد، فأوضحت الفكرة لوالدتها وأخوتها، وواجهت ضغطا ورفضا واسعا من الجميع، وبعد عدة محاولات استطاعت أن تقنع والدتهان التي سمحت لها بالسفر، رغم معارضة أخوالها ورفضهم القاطع.
تواصل الدكتور بيرنت مع اصدقائه في فرنسا ليوفرون لها سكن للمبيت يناسب وضعها كفتاة عربية في بلد غريب، حتى توصلوا إلى مبيت للفتيات أسسته سيدة امريكية في باريس، وسافرت توحيدة حاملة حلمها وقلقها من التعامل في بلد غريب يبدو مبهر، غير مصدقة دعم والدتها، التي كانت ترسل لها مصاريف دراستها كل عام.
التحقت بكلية الطب في باريس، وظلت في سكن الفتيات لثلاث أعوام، ومع مجيء الدكتور بيرنت وزوجته للاستقرار في باريس، دعاها للسكن معه، فكانت فرصتها للاطلاع على المجتمع الفرنسي بمفكريه ومثقفيه بصورة أوسع، فكانت اكثر قدرة على التعلم من خلال التعامل مع شخصيات من خلفيات سياسية وثقافية متنوعة، كما كانت في اثناء دراستها تعمل كطبيبة متدربة في أحد مستشفيات باريس.
اقرئي أيضا: أحلام مستغانمي شمس جزائرية تضيء الأدب العربي
أول طبيبة في العالم العربي
في عام 1936، حصلت توحيدة بالشبيخ على شهادة الطب، وحان وقت العودة إلى تونس، لتكون أول طبيبة تونسية وعربية، فاحتفت بها مختلف الجهات، ونظم لها الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي حفل تكريم في 18 أبريل عام 1937، وكانت توحيدة قد اهتمت بالصحافة والكتابة لفترة، فساهمت في إصدار مجلة "ليلى" الأسبوعية عام 1936، والتي كانت تعد أول مجلة نسائية تونسية باللغة الفرنسية، حتى أغلقت أبوابها عام 1941.
في البداية، عملت توحيدة بشكل خاص، وكانت تمارس الطب العام من خلال عيادتها الخاصة بمدينة تونس، فالمستشفيات تقع تحت سلطة الفرنسيين، وكانت في غير حاجة إلى طبيبة سيدة تونسية، فعملت توحيدة على مساعدة المرضى من خلال عيادتها، وقررت أن تتخصص في طب النساء والأطفال، وتزوجت من طبيب أسنان في عام 1942، وأنجبت منه ثلالثة أبناء.
ساعدت توحيدة من خلال عملها على نشر ثقافة الاعتناء بالأطفال الرضع والأمهات، خاصة، لدى العائلات الفقيرة، فعملت على إنشاء "جمعية القماطة التونسية"، والتي تعني (اللفة) عام 1950، فكانت تتواصل مع السيدات الفقيرات وتعلمهن طرق الاعتناء بالرضع وبانفسهن كذلك، كما ساهمت في تأسيس لجنة الإسعاف الوطني، وأصبحت عضوا في عمادة الأطباء التونسيين عام 1958.
كانت السياسة مشتعلة بالأحداث في تونس، الجميع يناضل من أجل الاستقلال والحرية، وتحاول توحيدة أن تساهم بأدائها لدورها كطبيبة تساعد الآخرين، دون الانخراط في دهاليز السياسة، فكانت نائب رئيس الهلال الأحمر التونسي، وفي خضم الأحداث التي سبقت رحيل الاستعمار الفرنسي عن تونس عام 1956، كانت الدكتورة توحيدة بدأت عملها على رأس قسم الولادة في مستشفى شارل نيكول بمدينة تونس، الذي طال من عام 1955 وحتى عام 1964.
واهتمت توحيدة بمجال تحديد النسل وصحة النساء والأطفال الرضع، فأنشات بمستفى شارل نيكول قسما خاصا بالتنظيم العائلي عام 1963، وعملت على توعية السيدات بضرورة اتباع خطة التنظيم التي تبنتها الدولة حينها، وتم تعيينها مديرة لبرنامج التنظيم عائلي عام 1970، وانتقلت من مستشفة سارل نيكول إلى مستشفى عزيزة عثمانة، حتى وصلت غلى سن التقاعد عام 1977.
رحلت توحيدة بالشيخ (توحيدة بن الشيخ) في 6 ديسمبر 2010، بعد ان نالت كثير من الاحتفاء والتقدير بمشوارها العلمي وإسهاماتها المجتمعية، فتم توثيق مسيرتها كطبيبة في فيلم يحمل اسم "نضال حكيمة" يتنوال سيرتها الذاتية، وصدرت طوابع بريد تحمل اسمها ضمن الاحتفاء بالرموز الوطنية التونسية في عام 2012، كما اهتم عدد من الأطباء بتخليد ذكراها عن طريق إنشاء جمعية "توحيدة بالشيخ للسند الطبي"، تقديرا لعطائها وريادتها.
اقرئي أيضا:
باية محي الدين فنانة الفطرة والسذاجة التي أسرت باريس
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا