هيلين توماس عميدة مراسلي البيت الأبيض من جذور لبنانية
الأكثر مشاهدة
منذ عام 1961، رافقت الصحفية الأمريكية الأشهر والأكثر تأثيرا هيلين توماس الرؤساء الأمريكين بداية من جون كينيدي وحتى باراك أوباما في البيت الأبيض، لتكون دوما أول مَنْ يُلقي الأسئلة، ففي المؤتمرات الصحفية تجلس في المقدمة بثبات وتنهيها بعبارة "شكرا، سيادة الرئيس".
اشتهرت مقولتها "الدول العربية ستزول بالكامل"، فهي أمريكية ولكنها تحمل أصولا عربية، فوالداها جورج أنطونيوس وماري هاجرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1892، من طرابلس في لبنان، حين كانت واقعة تحت الحكم العثماني، وولدت هيلين أميليا توماس في 4 أغسطس عام 1920 في وينشستر بولاية كنتاكي ، لتكون الطفلة السابعة من بين تسعة أبناء.
انتقلت أسرة هيلين إلى ولاية ميتشيجان، حيث عمل والدها في محل للبقالة، والتحقت بمدارس ديترويت العامة، وواجهت خلالها بعض المتنمرين بسبب جذورها العربية، ولكنها أكدت على فخرها بانتمائها إلى ثقافتين مختلفتين، فتعتبر نفسها لبنانية أمريكية، وفي أثناء دراستها بالمرحلة الثانوية ادركت رغبتها في العمل بالصحافة، ولكنها لم تدرس كون الجامعة لام تكن تقدم شهادات في تخصص الصحافة، فالتحقت بجامعة واينن وحصلت على شهادة البكالوريوس في دراسة اللغة الإنجليزية عام 1942.
منذ البداية، كانت هيلين صحفية مميزة تؤمن بحرية التعبير، وتقدر قلمها وتراعي الدقة وتتحراها فيما تقول، فانتقلت بعد تخرجها إلى واشنطن، وعملت في جريدة واشنطن ديلي نيوز (التي توقفت عن الصدرو الآن) كموظفة طباعة، ولكن بعد ثمانية أشهر من العمل بها، حدث ما جعاها تنظم إضرابا عن العمل مع زملائها وتم فصلهم جميعا.
في عام 1943، انضمت إلى وكالة يونايتد بريس انترناشيونال، كما كانت تقدم موضوعات صحفية عن المرأة لخدمة الراديو الخاصة بالوكالة، واهتمت بالقضايا الاجتماعية في البداية، وكتبت في أعمدة الرأي، وتابعت ملفات المشاهير، حتى عام 1955، الذي أصبحت بعده مهامها الصحفية متعلقة بتغطية وزارة العدل والوزارات الأمريكية الأخرى، كما تولت تغطية نشاطات مكتب التحقيقات الفيدرالي.
على مدى عامي 1959 و1960، تولت هيلين توماس رئاسة النادي الوطني للصحافة النسائية، ومن أكثر المواقف التي تشهد لها بالشجاعة، عندما أجبرت هي ومجموعة من الصحفيات السيدات نادي الصحافة الوطني عام 1959 على الخضوع لرغبتهن في حضور خطاب الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف، بعد أن تم منعهن.
تعرفي على: جورجينا رزق العربية الوحيدة صاحبة لقب ملكة جمال الكون
المراسلة من البيت الأبيض
في نوفمبر 1960، بدأت هيلين مشوار مهني مميز من داخل البيت الأبيض الأمريكي، وتزامن ذلك مع رئاسة جون كينيدي للولايات المتحدة، فأصبحت مراسة وكالة يونايتد بريس بالبيت الأبيض من حينها وحتى الفترة الرئاسية الثانية باراك أوباما، كفانت تجلس في مقدمة قاعة المؤتمرات الصحفية ترى تعاقب رؤاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حتى منحها كثيرون عدة ألقاب، منها "بوذا الجالس"، و"سيدة الصحافة الأمريكية الأولى".
كان لها عدد من المواقف المهنية التي تناقلتها الأجيال، كدليل على التفوق الصحفي وأخذ زمام المبادرة، والاتصاف بالإقدام، ففي عام 1962، استطاعت أن تقنع الرئيس الأمريكي جون كينيدي بضرورة حضور النساء للعشاء الذي يتم تنظيمه بحضور رئيس الولايات المتحدة مع مصوري ومراسلي البيت الأبيض، وهو ما قام به بالفعل.
أصبحت هيلين توماس رئيسة مراسلي اليونايتد بريس في البيت الأبيض عام 1972، وهو العام نفسه، الذي سافرت فيه مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون خلال زيارته إلى الصين، لتكون أول سيدة من جريدة مطبوعة ترافق رئيس أمريكي في زياراته الخارجية، ومع حلول عام 1974، باتت هيلين توماس هي المسئولة عن إدارة مكتب اليونايتد بريس في البيت الأبيض، وظلت بهذا المنصب لما يقرب من 25 عاما، ووثقت تجربتها في عمود صحفي دوري بعنوان "Backstairs at the White House".
بخلاف أنها طافت مع رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين بلدان أخرى حول العالم، كانت هيلين توماس الصحفية التي غطت كل قمة اقتصادية عالمية تشارك بها الولايات المتحدة منذ عام 1975، وكانت أول سيدة صحفية تحصل على عضوية بنادي واشنطن للصحافة، وهو أقدم نادي للصحفيين والمعروف باسم "جريديرون Gridiron"، كما تولت خلال الفترة من عام 1975 إلى 1979 رئاسة جمعية مراسلي البيت الأبيض، كأول سيدة تتولى هذا المنصب.
بعد أكثر من نصف قرن بوكالة يونايتد بريس، قدمت هيلين استقالتها في 17 مايو 2000، بعد ان أنتقلت ملكية الوكالة إلى شركة أخرى رأت هيلين أنه لن تتوافق مع رؤيتها وعملها، ثم انضمت للعمل بصحيفة هارتست، وأصبح لها عمود رأي ثابت بالجريدة، وبدأت تعبر عن آرائها بحرية وتتناول الشأتن الأمريكي والسياسة الخارجية بالتحليل والنقد.
ضمن رؤساء الولايات المتحدة الذين عاصرتهم، اعتبرت هيلين توماس أن جورج بوش الابن هو "أسوأ رئيس في تاريخ أمريكا"، ونشبت بينها وإدارته كثير من الخلافات، فلم تعد تُنهي بعبارتها "شكرا، سيادة الرئيس" مؤتمراته الصحفية، وانتقلت من الجلوس في الصف الأمامي إلى الصفوف الخلفية.
اقرئي أيضا: نوال المتوكل أول عربية وإفريقية تفوز بأولمبية ذهبية
وكان لهيلين أراء تتعلق بقرار الحرب على العراق، تناقض ما هو سائد، وكانت دوما ما تواجه مسئولي البيت الأبيض بأسئلة صادمة وحازمة، فهي تعبر عن ما تراه بوضوح وبشكل مباشر، وكثيرا ما وضعت أسئلتها المسئولين في وضع حرج، وواجهت وصف جورج بوش الابن بالحرب على العرق بأنها طحرب من أجل الله والصليب"، واعتبرتها حرب من أجل الشيطان.
هاجمت هيلين توماس هيمنة الإسرائيلين، أو اللوبي اليهودي على صناعة القرار في الولايات المتحدة، وعبرت بشجاعة عن رفضها لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وقالت "فلسطين أرض محتلة، ويمكن للإسرائيلين أن يذهبوا إلى البلدان التي أتوا منها في أوروبا وأمريكا"، وهو التصريح الذي تسبب في تعرضها لموجة هجوم عنيفة، كما رفضت كبريات الصحف الأمريكية نشر مقال لها، في حادثة تعد الأولى التي تصادفها على مدار مشوارها المهني.
على إثر هذه الحادثة، وقفت في أحد مؤتمرات نادي الصحافة بواشنطن، تقول صارخة "اليهود يسيطرون على إعلامنا وصحافتنا، ويسيطرون على البيت الأبيض"، ورات أن الإرهاب صناعة إسرائيل التي تريد القضاء على الدول العربية وتقسيمها، وتم اتهامها بمعاداة السامية بسبب هذه التصريحات.
مع توالي التصريحات التي أدلت بها، والهجوم الذي طالها من جميع الجهات، سواء جمعية الصحفيين المحترفين أو الصحيفة التي تعمل بها، اضطرت هيلين توماس في 7 يونيو 2011 إلى تقديم استقالتها من صحيفة هارتست، وباتت تنشر مقالات متقطعة في عدد من الصحف حتى عام 2013.
اقرئي أيضا: توحيدة بالشيخ أول طبيبة في العالم العربي من تونس
جوائز هيلين توماس
على مستوى حياتها الشخصية، تزوجت هيلينمن دوجلاس كورنيل، وهي بعمر الـ 51 عاما، حتى توفي بعد إصابته بألزهايمر في عام 1982.
وتلقت هيلين عديد من الجوائز والشهادات على مدار مشوارها المهني الطويل، فنالت أكثر من 30 شهادة دكتوراة فخرية، وتم اختيارها عام 1976 كواحدة من ضمن أكثر 25 سيدة نفوذا في العالم، وفي عام 1986، حصلت على جائزة مؤسسة ويليام ألين من جامعة كانساس، كما نالت جائزة التميز في وسائل الإعلام من منتدى الحرية عام 1991، وتم تأسيس جائزة ابسمها "الأنجاز مدى الحياة هيلين توماس" كتكريم من جمعية مراسلي البيت البيض في عام 1998.
جنازة هيلين توماس
توفيت هيلين توماس في 20 يوليو عام 2013، وعمرها ناهز الـ 92 عاما، وتم حرق جثتها ودفن رفاتها في ديترويت بولاية ميتشجان، بعد انتهاء مراسم الجنازة بالكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية.
اقرئي أيضا:
بشيرة بن مراد رائد الحركة النسائية التونسية
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ٢٢ يوليو ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا