شجرة الدر السلطانة التي أوقفت الصليبين وماتت عارية
الأكثر مشاهدة
تاريخ مصر مليىء بالشخصيات التاريخية التي تركت بصمتها. وبعيدا عن الطريقة النمطية التي تحكي التاريخ وكأنه مُجرد معلومات معرفية، فالتاريخ وخاصةً تاريخ مصر ما هو إلا حكايات حقيقية حدثت لأشخاص مثلنا تماما ولكن في حقبة زمنية مختلفة. ولأننا نحكي قصص النساء المُلمهمات، وجدنا أن تاريخنا يزخر بالكثير منهن. وبطلة حكايتنا اليوم هى شجر الدر أو شجرة الدر كما هو متداول. فمن هى تلك المرأة التي استطاعت أن تحكم مصر في وقت كان حكم النساء شىء غير متعارف عليه تماما؟ إليكن الكثير من حكايات التاريخ عن واحدة من أشهر السيدات اللاتي حكمن مصر، وأكثرهن قوة أيضا. يطلق عليها اسم شجرة الدر، في حين كان الأصل "شجر الدر"، التي كانت تتمتع بالجمال والجاذبية، وأنعم الله عليها أيضا بالذكاء والشجاعة، فاستطاعت أن تغير مسيرة حياتها من جارية إلى ملكة متوجة شاركت في الحكم لما يقرب من 18 عاما.
اقرئي أيضا: أبرز الرائدات المصريات على مدار التاريخ
اسم شجرة الدر الحقيقي
اختلف كثير من المؤرخين في معرفة الجنسية أو الأصل الحقيقي لشجرة الدر، فمنهم من يرى أن أصولها أرمينية، أو بدوية، وقد تكون شركسية، أو لها أصول يونانية أو تركية، كما يبدو التعرف على موعد مولدها أمر صعب التحقق منه، فأهم ما ذكرته عنها كتب التاريخ متعلق بجالمها وذكائها.
كانت شجرة الدر تتصف بسمات الجمال المبهرة وقتها، فكان شعرها أسود غزير، ولديها وجه جميل جذاب بشرته بيضاء اللون، وخلاف ذلك كانت لديها القدرة على القراءة والكتابة والغناء، وكانت تتسم بالذكاء الشديد وسرعة البديهة وحسن التصرف، وتلك صفات يندر وجودها في أي من الجواري، اللاتي يعتمد اختيارهن على المظهر بشكل رئيسي.
جعلتها مواصفتها تستحوذ على انتباه الملك الصالح نجم الدين أيوب، فقربها منه، وبسبب فطنتها وذكائها استطاعت أن تكون الجارية التي ترافقه في ترحاله وسفره، حتى عندما تعرض للاعتقال في الكرك عام 1932 كانت شجرة الدر معه، وبعد أن استطاع التخلص من هذه التجربة وذهب إلى مصر اصطحبها معه.
وفي عام 1240 ميلاديا، تولى الملك الصالح نجم الدين أيوب ولاية مصر، وأنجب من شجرة الدر ابنه خليل، الذي كان يُلقب بالملك المنصور، وقيل وقتها إن اسمها الحقيقي هو "عصمت الدين"، إلا أنها حظيت بلقب "شجر الدر" بسبب جمالها، وظلت لما يقرب من عشر سنوات تشارك الملك الصالح حكم مصر، واتخذها زوجة له بعد وقت من ولادة ابنه، وتم منحها لقب "سلطانة".
لم يعش الطفل خليل طويلا، وكانت شجرة الدر زوجة ثانية للملك الصالح، ولكنها كانت الأكثر قوة وقربا، ليس من الملك بصفته زوجها فقط، ولكن أيضا من أمور الحكم والسياسة، وفي أثناء عودة الملك الصالح نجم الدين أيوب من سوريا إلى مصر عام 1249، وكان يعاني بشدة من المرض، كانت قوات ملك فرنسا لويس التاسع تستعد للهجوم على مصر، ضمن الحملة الصليبية السابعة وتُخطط للاستيلاء على المنصورة وغيرها من مدن مصر.
ومع هبوط قوات الحملة بقيادة الملك في مدينة دمياط، كان الملك الصالح ينازع الموت، حتى توفي في قصره بمدينة المنصورة في 22 نوفمبر 1249، وهنا، جاءت حكمة شجرة الدر وقدرتها على إدارة الموقف والسيطرة عليه بما لا يؤدي إلى الإضرار بمصلحة مصر، فاستدعت قائد الجيش المصري الأمير فخر الدين يوسف، ومعه رئيس القصر السلطاني الطواشي جمال الدين محسن، واتفقت معهما على إخفاء خبر وفاة الملك عن الجنود والشعب المصري.
قرارها الذكي بضرورة التكتم على خبر رحيل نجم الدين أيوب، الذي كان آخر ملوك الدولة الأيوبية، له دوره في صد الحملة الصليبية على مصر وقتها، فكانت تتفق مع الأمير فخر الدين والطواشي جمال الدين محسن على إصدار الأوامر الملكية بتوقيع الملك باستخدام توقيعاته القديمة، حتى لا يدري أحد بوفاته، ويعملون على منح الدولة الشعور بالاستقرار والقدرة على مواجهة الصليبين.
أرسلت شجرة الدر إلى توران شاه ليتولى الحكم بعد وفاة أبيه، وبالفعل تولى مقاليد الحكم، واستطاع الجيش أن يهزم الصليبين في معركة فارسكور، وتم القبض على الملك لويس التاسع، ولم يُطلق صراحه إلا بعد دفع فدية قدرها 800 ألف دينار.
تولي شجر الدر الحكم
بعد انتصار جيش الأيوبيين على الحملة الصليبية، وبعد علم المماليك بمحاولة توران شاه الإنقلاب عليهم وعلى شجرة الدر، يُقرر المماليك التخلص من توران شاه أولا فيقومون بمحاصرته في القلعة وقتله قبل أن يهرب. ثُم يُقرروا تولي شجر الدر الحكم ويُدعموها. وبالفعل حكمت شجرة الدر مصر منفردة لما يقرب 80 يوما، وكان ذلك بمبايعة من المماليك والأعيان، وكان يتم الدعاء لها على المنابر كأي حاكم، فيقولون "واحفظ اللهم الجهة الصالحية ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، ذات الحجاب الجميل والستر الجليل، زوجة الملك الصالح نجم الدين أيوب".
اقرئي أيضا: الملكة ناريمان الزوجة الثانية لفاروق وآخر ملكات مصر
وكان اسمها يتم نقشه على الدراهم والدنانير، وصدرت الأحكام بتوقيعها "أم خليل"، واستطاعت أن تسير المحمل من مصر إلى المدينة حاملا كسوة الكعبة، ولكن لم يرق ذلك للخليفة العباسي المعتصم في بغداد، الذي بعث يقول "إن كانت الرجال قد عدمت عندكم، فأعلمونا حتى تسير إليكم رجلا"، فاشتعلت المعارضة ضد توليها حكم مصر، وبدأ المشايخ يروجون على أنه مخالف للشرع، حتى أن الشيخ العز بن عبدالسلام أصدر فتوى بعدم جواز ولاية المرأة على المسلمين.
وبسبب ما واجهته شجر الدر من هجوم على فكرة توليها للحكم، اضطرت للتفكير في الزواج من شخص بحيث يكون حاكم من الظاهر بينما تستطيع هى إدارة أمور الدولة من الباطن. وبالفعل اختارت شجر الدر أن تتزوج من عزالدين أيبك، والذي كان أول حكام المماليك، بالرغم من وجود أمير أيوبي آخر ولكنه كان مجرد حاكم صوري وكان الحاكم الحقيقي هو عز الدين أيبك.
قصة شجرة الدر وعز الدين أيبك
لم تستسلم شجرة الدر لنزع الحكم منها، وعلى مدى فترة تولي عز الدين أيبك الحكم من 1250 وحتى عام 1257 ميلاديا، كانت تشاركه الحكم. وبالرغم أنهما لم يكونا على وفاق تام لأن شجر الدر كانت ترى أن عز الدين ليس أحد أفضل المماليك، ولكنها كانت تعرف أن اختيارها له كان لتستطيع أن تتحكم في كل شىء من أمور الإدارة. وبالفعل لم يكن عز الدين يخطو خطوة بدون مشورة شجر الدر وأخذ موافقتها. حتى أنها ساعدته للتخلص من غريمه "أقطاي".
وبعد مرور سنوات على هذا النظام وترسيخ ولاية عز الدين لمصر، بدأ في التقرب من حاكم الموصل بدر الدين لؤلؤ، وعزم النية على الزواج من ابنته لتوطيد العلاقة بينهما. ولكن شجرة الدر قررت الانتقام منه عندما علمت بهذا الأمر الذي رفضته رفضا تاما.
وقررت شجر الدر الانتقام من زوجها عز الدين فدبرت لقتله في القلعة. وعندما بدأ السؤال عن الحاكم كانت تختلق قصص أخرى عن موته لتدفن القصة الحقيقية معه. ولكن المماليك لم يُصدقوا رواياتها.
مقتل شجر الدر
قرر المماليك الانتقام من شجر الدر بعد أن عرفوا بقتلها لعز الدين أيبك، وهناك الكثير من الروايات التي تُقال عن مقتل شجر الدر، ولكن أشهرها أن قتلها كان انتقام من زوجة عز الدين أيبك الأولى، حيث اتفقت مع جواري وخدم شجر الدر فحاصروها وقاموا بقتلها ضربا بالقباقيب، وألقوا بها عارية من فوق أسوار القلعة في 3 مايو 1257.
عثر على جثتها بعد أيام، وتم دفنها في محراب كانت قد بنته خصيصا لها بجوار مسجد ابن طولون، يحتوي على النقش الكوفي الخشبي، ومكان للصلاة مزين بالفسيفساء.
اقرئي أيضا:
سناء محيدلي أول لبنانية تفدي بلادها بنفسها
الكاتب
هدير حسن
الأحد ١٨ أغسطس ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا