هيفاء المنصور مخرجة سعودية متمردة وصلت العالمية
الأكثر مشاهدة
نشأت في كنف شاعر ثائر، لم يرضخ لما يفرضه المجتمع، رغم أن له طبيعة محافظة تحترم التقاليد والعادات، فكان متمردا وقويا، دون أن يبدو فظا ومنشق عن مَنْ حوله، فجاءت الابنة تحمل من صفات الأب الكثير، وأصبحت هيفاء المنصور مخرجة سعودية عالمية استغرقت في قضايا مجتمعها المحلية.
تعرفي على: نادين البدير إعلامية سعودية ناصرت الحق وتجاهلت الهجوم
المخرجة هيفاء المنصور
"كان عندنا مساحة من الحرية في البيت، وخلتني أقدر أحلم أني أكون بعمل شيء مختلف" تعود أصولها إلى محافظة الزلفى في نجد، حيث كان مولد والدها المفكر والشاعر عبد الرحمن محمد المنصور، ولكنها من مواليد المنطقة الشرقية في الإحساء في 10 أغسطس 1974، والدتها بهية حمد الصويغ، وتربت في أسرة تكونت من 12 ابن وابنة، كان لكل منهم اهتماماته وتفضيلاته التي كان يراعيها الأب، ويشجعهم دوما على أن يسعون لتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، فكان من بينهم الفنانة التشكيلية هند المنصور، والملحن منصور المنصور، والمعلمة هناء المنصور.
في ذات مرة، أخبرت هيفاء المنصور والدها برغبتها في أن تكون مخرجة، فرد عليها مازحا "بس لا تحطين اسم العيلة"، لكنه طوال حياته وقبل رحيله في عام 2008 كان داعما وفخورا بابنته وباختياراتها المختلفة، فالسينما دائما ما كانت تبهرها، وفي مصر كان أول مرة تدخل إلى دار سينما لتشاهد فيلما، وبها أيضا درست الأدب الإنجليزي المقارن في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتخرجت عام 1997.
اقرئي أيضا: أميرة الطويل سيدة أعمال سعودية آمنت بحقوق المرأة
أفلام هيفاء المنصور
أن تحلم وتسعى بكل جهدك كي تصل إلى ما تطمح له دليل على اجتهادك وحبك لما تفعل، ولكن أن تحقق ما كان كثيرون يطلقون عليه مستحيلا، فهذا أمر يمكن وصفه بـ "الرائع" أو "الخارق"، ويبدو أن هذا ما فعلته هيفاء المنصور، التي ترى أنها فقط سعت نحو ما أرادت، رغم أنها صنعت أفلامها كمخرجة سعودية في دولة كان لا يوجد بها دار واحدة للسينما، وكانت نساؤها ممنوعات من قيادة السيارة، أو السفر دون إذن الولي.
"قلة الفرص تخلق فرص" هذا ما آمنت به المخرجة السعودية، فاستطاعت أن تجعل من المستحيل أمر واقع، وفي عام 1997 أخرجت أول أفلامها، وهو فيلم قصير بعنوان "مَن؟"، وتناولت من خلاله قصة سفاح تم اعتباره امرأة، حتى تبين أنه رجل تنكر في زي امرأة محجبة، وبعدها بسنوات في عام 2000، قدمت فيلمها الوثائقي "الرحيل المر" الذي تطرقت فيه إلى مفهوم التغريب عبر قصة شاب سعودي يحب الغناء ويجيده، ولكنه يقرر الهجرة بحجة الدراسة.
واستطاعت أن تصور فيلمها القصير "أنا والآخر" عام 2001 في الإمارات، وكان يدور حول 3 شبان تحتم عليهم الظروف أن يعيشوا معا، رغم اختلافاتهم الفكرية وعدم قدرتهم على تقبل هذه الاختلافات، وتمكن الفيلم من أن يحوز جائزتين دوليتين، الأولى عن أفضل سيناريو في مسابقة بالإمارات، والثانية فوزه بتنويه خاص في مهرجان روتردام للأفلام العربية في هولندا، كما تم عرضه في عدد من المهرجانات العالمية.
"نساء بلا ظل" فيلم وثائقي أخرجته هيفاء المنصور في عام 2005، وهو أول أعمالها التي احدثت جدلا واسعا، بعد أن ناقشت خلاله قضية الحجاب في المملكة العربية السعودية، كانت مدته 50 دقيقة، وتطرق إلى عمل المرأة في السعودية، وعرضت هيفاء من خلاله لقاء لها مع الشيخ السعودي عائض القرني، يوضح فيه أن المراة في المملكة يمكنها أن تعمل وتختلط مع الرجال طالما محتشمة، وهو ما أحدث رد فعل عنيف ضده من التيار المحافظ في السعودية، الأمر الذي جعله يتراجع ويندم على مشاركته بالفيلم.
رغم الهجوم الذي نال الفيلم، خاصة، من التيارات المتشددة والمحافظة في المملكة العربية السعودية، حاز "نساء بلا ظل" على اهتمام كبير، وتم عرضه في منزل القنصل الفرنسي في جدة، وداخل نادي "أصدقاء الثقافة" الفرنسي، ليكون أول فيلم يتم عرضه لهيفاء المنصور داخل السعودية، وحاز على جائظة الخنجر الذهبي من مهرجان مسقط السينمائي الدولي، ومن بعده قدمت برنامج "امرأة وأكثر" على الفضائية اللبنانية، الذي اعتبرته تجربة صعبة ولكن ممتعة، ثم قررت دراسة السينما والنقد السينمائي في جامعة سيدني، التي حصلت منها على درجة الماجيستير عام 2009.
ابتعدت هيفاء المنصور لسنوات، ولكنها عادت لتؤكد ما تؤمن به "العمل الدؤوب هو الطريق الوحيد للتغيير"، وفي عام 2012، ألفت وأخرجت هيفاء المنصور أول افلامها الروائية الطويلة "وجدة"، الذي يعتبر أول فيلم يتم تصويره داخل المملكة، وأول فيلم يمثل السعودية في حفل توزيع جوائز الأوسكار.
اقرئي أيضا: شدن نصار فلسطينية تعلم الاتزان والتعمق عبر اليوجا
أحدث فيلم "وجدة"، الذي كان يدور حول فتاة سعودية ترغب في أن تشتري دراجة وتركبها في شوارع السعودية مع أصدقائها من الأولاد، لتصبح الدراجة رمز الحرية والرغبة في التحرر من القيود المفروضة على النساء في المجتمع السعودي، ويتمكن الفيلم من حصد الجوائز العالمية، التي قيل إنها تخطت العشرين جائزة، ومن أهمها جوائز مهرجان فينسيا السينمائي الدولي (مهرجان البندقية)، وحصد "المهر الذهبي" لأفضل فيلم روائي عربي.
"لا أشعر أني تمردت على المجتمع، أنا أحترمه، فقط حاولت أن يكون لي صوتي وأن أفعل الأشياء التي أحبها"، فالمخرجة السعودية التي اضطرت أن تدير فيلمها السينمائي وتتابع تصويره من داخل سيارة مغلقة، حتى لا تثير حفيظة المجتمع السعودي حينها، كانت ترى أنها ليست ناشطة، ولكنها تحمل وجهة نظر، واستطاعت أن تُخرج المجتمع السعودي من الانغلاق إلى العالمية.
بعد النجاح الذي حققه "وجدة"، سعت هيفاء المنصور إلى الدخول للتلفزيون، فكانت تحب الدراما ولكنها تعلم أنها محاصرة بشخصيات وصناع محددين، ولكن في عام 2015، أخرجت هيفاء المنصور مسلسل "مبتعثات"، الذي تم عرضه في رمضان، وكانت قصته تدور حول 4 فتيات يسافرن لاستكمال دراستهن الجامعية بالخارج، والمواقف التي يتعرضن لها وطريقة تعاملهن مع المجتمع الجديد.
مع انتقالها للعيش في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، تمكنت هيفاء المنصور أن تكون مخرجة سعودية عالمية، بعد أن تم اختيارها لمهمة إخراج فيلم عن الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي، التي تعتبر واحدة من علامات الأدب الإنجليزي، وبالفعل في عام 2017 خرج فيلم Mary Shelley للنور وبحمل اسم المخرجة هيفاء المنصور لتكون أول مخرجة سعودية عالمية، وتم عرضه في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في سبتمبر 2017.
استمرت أعمال هيفاء المنصور العالمية، فقدمت مع شبكة نتفليكس فيلم Nappily Ever After، وهو فيلم رومانسي كوميدي تم إنتادجه عام 2018، وهو عن سيدة أمريكية من اصول غفريقية تواجه تحديات مختلفة داخل المجتمع الأمريكي، وشاركت أيضا في إخراج واحدة من حلقات المسلسل الأمريكي The Society، الذي يتم عرضه على شبكة الإنترنت.
وكون طموحها لا حدود لها، ولنها لا تمل من طرق جميع الأبواب، وتجرب كل الفنون، قررت هيفاء المنصور أن تقدم فيلم رسوم متحركة "أردت أن اقدم فيلم يحتفي بالثقافية السعودية"، وهو ما حرصت عليه في فيلمها "Miss Camel" الذي يتطرق إلى مسابقة لأجمل جَمَل، تقام سنويا في أبو ظبي، وتوضح رحلة هذا الجمل مع صاحبته للفوز باللقب، عملت على كتابة الفيلم وإنتاجه مع زوجها الأمريكي، وتم عرضه في مهرجان دبي السينمائي.
وبالعودة إلى المجتمع السعودي، ناقشت هيفاء المنصور من خلال آخر أفلامها "المرشحة المثالية"، الذي تم إنتاجه في 2019، قصة الطبيبة السعودية التي قررت أن تترشح إلى الانتخابات من أجل أن توفر طريق ممهد لمدخل المستشفى الذي تعمل به، متجاهلة رفض المجتمع، وشارك الفيلم في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي بإيطاليا، وتم عرضه بمهرجان تورنتو الدولي.
اقرئي أيضا: أحلام مستغانمي شمس جزائرية تضيء الأدب العربي
هيفاء المنصور وزوجها
تزوجت هيفاء المنصور من الدبلوماسي الأمريكي برادلي نيمن، الذي اعتبرته أكبر داعم لها ولمشوارها النفي، فدوما ما كان مقدرا لسفرها وانشغالها بصناعة الأفلام وتحقيق حلمها، فكان بداية التعارف بينهما بعد فيلم "نساء بلا ظل"، الذي أبدى برادلي إعجابه الشديد به، وكان بداية لصداقة تحولت غلى حب فزواج.
بالطبع، لم يكن زواج هيفاء المنصور من رجل أمريكي أمر يمكن قبوله مجتمعيا، لذلك اشترطت اعتناقه ببإسلام، وبدا برادلي مُرحبا، وأنتج زواجهما عن طفلين هما آدم وهيلي، وتعيش هيفاء مع أسرتها في لوس أنجلوس حاليا، محاولة أن تتمسك بفرص التعبير عن الهوية والثقافة السعودية، التي عانت من الانغلاق لسنوات طويلة، متمنية أن ترى دور السينما والمهرجانات الفنية الدولية وهي تٌقام في المملكة.
اقرئي أيضا:
نانسي صلاح موهبة بحثت عن والدتها في الشهرة والتمثيل
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ١١ سبتمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا