هند رستم التي تخلت عن الفن لتكون حرم الدكتور فياض
الأكثر مشاهدة
"هنومة".. هند رستم، الفنانة التي أمتعت عشاق السينما بأدوار تمثيلية صنعت بها تاريخ السينما المصرية، فلم تكن فقط "ملكة الإغراء" (اللقب الذي لم تحبه أو تفضله)، ولكن كانت أيضا "حرامية الكاميرا"، و"قطة السينما المتوحشة"، صاحبة الشخصية القوية المتفردة والحنونة أيضا.
اقرئي أيضا: أسمهان مسيرة فنية قصيرة ومتفردة ورحيل مثير للجدل
قصة هند رستم
البداية من الإسكندرية، حيث ولدت هند حسين محمد باشا رستم في حي محرم بك، في 12 نوفمبر 1931، كان والدها ضابط شرطة تتسم شخصيته بالحزم والقوة، وانفصل عن والدتها التي تنتمي لواحدة من العائلات السكندرية الأرستقراطية، فعاشت هند رستم مع الأب وزوجته، فلاقت معاملة سيئة من ضرب وتعذيب وإهانة، ولم تكمل تعليمها أيضا بسبب قيام والدها بإخراجها من المراحل التعليمية.
طبيعة شخصيتها العنيدة، التي ترفض المساس بكرامتها، جعلتها ترفض الانصياع لهذه الطريقة من التعامل المهين، ولأنها لم ترغب في أن تعيش مع والدتها التي تزوجت من شخص آخر، قررت هند رستم أن تهرب من العيش بهذه الطريقة، وألا تستسلم للمعاملة القاسية، فاتحلت لتستقر مع صديقة لها، وكانت ما زالت في سن صغيرة.
أرادت هند رستم أن تعمل، وكانت صديقتها بدأت تنخرط في مجال التمثيل ككومبارس في العروض المسرحية والأفلام، فاقترحت على هند رستم أن تشرع في دخول هذا المجال، وتتكسب جنيه أو اثنين من الوقوف مع "المجاميع"، حتى أتتها الفرصة لتثبت مهاراتها التمثيلية من خلال النجاح في اختبارات تمثيل قام بها حسين حلمي.
يقال إن أول ظهور لها على شاشة السينما عام 1947 من خلال مجموعة من الأفلام، وراها الجمهور تمتطي حصانا مع مجموعة من الفتيات الكومبارس خلف الفنانة ليلى مراد، وهي تغني "اتمخطري يا خيل" بفيلم غزل البنات الذي تم إنتاجه عام 1949، وكذا المشاركة في فيلم "بابا أمين" عام 1950، حين بدأت مشاركتها في الأفلام تاخذ حيزا أكبر.
ولأنها لم تكمل تعليمها، أصرت هند رستم أن تعمل على تثقيف نفسها بنفسها، فأحضرت مدرسين للغة العربية والفرنسية ليحرصوا على تعليمها في المنزل، كونها اهتمت أن ترسخ أقدامها في التمثيل ويكون لها خلفية ثقافية قادرة على مواكبة تطورات العمل السينمائي.
تعرفي على: هيفاء المنصور مخرجة سعودية متمردة وصلت إلى العالمية
أفلام هند رستم
تركت رصيد سينمائي، قد يفوق الـ 74 فيلما، على مدار ما يقرب من 30 عاما، اكتفت بهم واعتبرت أعمالا للتاريخ، غير نادمة عل قرار اعتزالها رغم أنها لم تكن قد تخطت الـ 47 عاما، فاختيارها كان الرحيل في أوج الشهرة والنجومية، لتتفرغ للتواجد قرب زوجها الدكتور محمد فياض، الذي "استغنيت عنه بالدنيا وما فيها"، وبعد ان لاحظت تدهورا واضحا في مجال العمل السينمائي، خاصة، وأنها كانت على الدوام ملتزمة في مواعيدها وتحترم العمل الذي تقدمه، ورغم شخصيتها القوية، كانت تلميذة مطيغة لكل مخرج عملت معه.
كان يُعرف عنها الروح المرحة والقدرة عل لفت الانتباه بحركات "شقية"، ولذلك منحها كثير من النقاد والسينمائيين لقب "حرامية الكاميرا"، فيحكي الفنان سمير صبري عن دور له أمامها بفيلم "الحلوة عزيزة"، ويقول عن هذا الدور "كنت خايف، لكن تماسكن وفضلت أقول الحوار وأنا مرعوش، وهي بتسمعني ومش بتعمل حاجة غير أنها كانت ماسكة ولاعة ترميها في الهوا وتلقفها تاني، لدرجة أني ركزت معاها، وبعد ما خلصت الحوار اللي هي مقالتش فيه ولا كلمة، لقيت المخرج بيقولها الله عليكي يا هند"، كونها استطاعت أن تسرق منه الكاميرا بحركة بسيطة وأداء غاية في السلاسة.
تكرر الأمر مع الفنانة فاتن حمامة، في أثناء العمل مع هند رستم في فيلم "لا أنام"، الذي تم إنتاجه عام 1957، ومن إخراج صلاح أبو سيف، حين قررت أن تُضفي هند رستم روحها المميزة في أحد المشاهد، ففي المشهد كانت فاتن حمامة تواجه هند رستم بخيانتها لوالدها، وكان المقرر أن تستمع للحوار فقط، ولكنها دوما كانت تستطيع خطف الأنظار حتى في صمتها، فقررت ان تستمع وهي تخلع حذائها وتمسك به بين يديها كلعبة، وهو الأمر الذي لم يرق لفاتن حمامة، فاشتكت للمخرج، الذي طلب منها إعادة المشهد، وبذكاء تخلت هند رستم عن الحذاء واستبدلتها بسيجارة نفخت انفاثها في وجه فاتن حمامة لتبدو غير مهتمة، وقالت للمخرج "عندكم مشهدين، اللي يعجبك يا مخرج حطه".
في بداياتها، كانت هند رستم تحب التعاون مع إسماعيل يس، الذي كان يحب أن يشاركها في أفلامه من "الستات ميعرفواش يكدبوا"، الذي تم إنتاجه عام 1954، وابن حميدو 1957، وإسماعيل يس في مستشف المجانين 1958، ويعتبر أول ظهور له ككومبارس في فيلم "أزهار وأشواك" عام 1947، بطولة مديحة يسري ويحيى شاهين، وتلاه أفلام "الأب"، و"الروح والجسد"، و"غزل البنات"، ثم "دلوني يا ناس"، و"رسالة غرام".
يعد فيلم "الجسد"، الذي تم إنتاجه عام 1955، هو أول بطولة لهند رستم، بالمشاركة مع كمال الشناوي وحسين رياض، ومن إخراج حسن الإمام، وكانت هي تفضل الأعمال السينمائية التي شاركها بها فريد شوقي، كونها كانت تشعر بالارتياح في العمل معه، ومن بينها أفلام "الأخ الكبير"، و"ساحر النساء"، و"باب الحديد"، و"كلمة شرف".
وفي "باب الحديد" أحد الأفلام التي تركت علامة في السينما المصرية، أدت هند رستم دور "هنومة" ببراعة لم يسبقها إليها أحد، رغم أن الفيلم لم يحقق النجاح المتوقع له حينها، فالفيلم الذي أخرجه يوسف شاهين وأنتجه جبرائيل تلحمي عام 1958، كان من المفترض أن يؤدي بها محمد توفيق الدور الذي قام به يوسف شاهين لولا تدخل هند رستم، التي أقنعت يوسف شاهين أن يمثل بالفيلم، مخبرة إياه أن الدور يليق بيه "أنتي شايفاني مجنون"، فقالت له "أنت شيخ المجانين".
عدم تحقيق الفيلم للنجاح الجماهيري الواسع، لم يجعل هند رستم تفقد إيمانها به، كونها كانت تمتلك رؤية فنية صائبة، فأخبرنت يوسف شاهين بعد صدور الفيلم "باب الحديد هيكون واحد من أعظم الأفلام السينمائية، لأنه بيحمل رؤية فنية متكررتش قبل كده"، وهو ما كان، فأصبح الفيلم في المركز الرابع ضمن أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وواحد من أهم الأفلام العربية على الإطلاق.
على مدار مسيرتها الفنية، تنوعت الأدوار التي قامت بها هند رستم، فلم تكن "ملكة الإغراء" فقط، وهو اللقب الذي رفضته كونه يحصرها في أدوار بعينها، ولكنها استطاعت أن تكون واحدة من نجمات الجيل الذهبي للسينما بأداء لن يتكرر، فتركت أعمالا سينمائية تعد من علامات الفن السابع في مصر والعالم العربي، من بينها "شفيقة القبطية" الذي تم إنتاجه عام 1963، وشاركها بطولته حسن يوسف وزيزي البدراوي، ومن إخراج حسن الإمام، وكان يتناول السيرة الذاتية لواحدة من أشهر الراقصات في مصر.
وجاء آخر أفلامها "حياتي عذاب" عام 1979، لتقرر بعدها الاعتزال، تاركة فن يحترمه الجميع ويفتخر به تاريخ السينما في مصر والعالم العربي، وسيرة فنانة كانت تقدر عملها، وتجتهد في سبيله، وتحرص أن تكون منضبطة حاضرة وجاهزة لكل شخصية تقوم بأدائها بداية من الملابس والمكياج والحركة.
اقرئي أيضا: ليلى مراد صوت الحب العذب لكل الأجيال
هند رستم وزوجها
رغم ما قد يبدو للجمهور بانها شخصية منفتحة ومتعددة العلاقات، كانت هند رستم منضبطة تؤدي عملها بإتقان، وتحترم خلفيتها الثقافية، فهي لم تتزوج في حياتها سوى مرتين، الأولى كانت مع بداياتها الفنية من المخرج حسن رضا، ورزقت منه بابنتها الوحيدة "بسنت"، أما الزيجة الثانية فكانت من الدكتور محمد فياض.
كانت تقدس هند رستم الحياة العائلية، ومن أجل زوجها تنازلت عن الشهرة والتمثيل، وقررت أن تتفرغ له "دكتور كبير، وكان يحتاج يعيش فيه بيت هاديء ومهيئ له، مكنش ينفع يرجع من شغله يقولوا له الهانم عندها أوردر"، ولهذا كان الدكتور محمد فياض أحد أسباب اعتزال هند رستم، الذي رأت في الفوز به كزوج نعمة أكبر وأهم من العمل في التمثيل والسينما.
عاشا معا حياة زوجية هادئة استمرت ما يقرب من 50 عاما، تذكرتهم هند رستم دوما بالامتنان والتقدير والمحبة، متخلية بعد زواجها منه عن ألقابها، فلم يعد يعنيها أن تكون "مارلين مونرو الشرق" مكتفية أن تحمل لقبه، وتكون "حرم الدكتور فياض"، وحين رحيله في عام 2009، شعرت كأنها خسرت الدنيا بما عليها، وظلت بعده سنتين تقاسي مرار الفراق، مؤتنسة بكلابها وزيارات ابنتها حتى لحقت به في 8 أغسطس 2011.
اقرئي أيضا:
تحية كاريوكا فنانة وراقصة وظاهرة وطنية متفردة
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا