نعيمة عاكف رحلة قصيرة لابنة السيرك اللهلوبة
الأكثر مشاهدة
"لعبية يا ولا.. وشقية يا ولا.. لهاليبو يا ولا" نعيمة عاكف "لهلوبة" السينما المصرية، التي كانت تحمل روح متفردة ومختلفة، تهوى الحركة والنشاط، وتغريها المنافسة لتكون الأفضل، لا يمكن لأحد أن يغفل طلتها وحضورها، فنظرات العينين وتفاصيل الوجه ومرونة الجسم كانوا قادرين على جذب الانتباه وانتشال الجمهور ليركز معها وحدها.
رغم ما تحدثه طلتها من بهجة وسعادة وونس بالحركة والابتسامة، لكن حياتها لم تكن بهذه السهولة والخفة، كونها ولدت في ظروف معيشية صعبة لا تعرف الاستقرار، ولم تهنأ طويلا بحياة الأسرة والعائلة، فجدها هو إسماعيل عاكف مؤسس سيرك عاكف عام 1912، كما أنه كان مدربا لرياضة الجمباز في صالة للألعاب الرياضية، وكان يعمل في أكاديمية الشرطة.
تعرفي على: هند رستم التي تخلت عن الفن لتكون حرم الدكتور فياض
ابنة السيرك
وظل السيرك ونشاطه هو مهنة العائلة ومصدر رزقها، خاصة، في أوقات الموالد التي كانت تُقام في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، موطن العائلة الأصلي، ومن أشهرها مولد السيد البدوي، فولدت نعيمة سيد إسماعيل عاكف في 7 أكتوبر عام 1929، ليغضب الأب فور رؤيتها كونه كان يتوقع أن يُرزق بولد، وتكون ضمن 4 فتيات شقيقات.
لم تتعلم نعيمة عاكف، ولم تُلحقها الأسرة بالمدارس، فالجد يريد لسيركه أن يكبر ويحقق المبيعات، فوجدت نفسها منذ سنوات عمرها الأولى بين حيوانات السيرك، ومن حولها لاعبي الأكروبات والمهرجين، ترى هذه ترقص، وهذا يحاول أن يؤدي حركة صعبة ويحاول التمرن عليها، فبدأت تنخرط في الليالي التي يقيمها الأب والجد.
منذ كانت في الرابعة من عمرها، بدأت نعيمة عاكف تتمرن وتتعلم، في البداية لم تُبدِ استجابة جيدة لتعليمات والدها، ولكن بعد أن لاحظت تفوق شقيقتها عنها، بدأت تجتهد لتكون أفضل، حتى استطاعت في وقت قصير أن تكون نجمة فرقة السيرك الأولى، بعد أن استحوذت على إعجاب جمهور السيرك والمرتادين على حضور لياليه، وبات لها معجبين بحركاتها وجاذبيتها وتلقائيتها والعفوية التي اتسمت بها دوما.
شهرتها في نطاق السيرك، جعلها وهي ما زالت طفلة صغيرة تطالب والدها بأجر عن المجهود الذي تبذله، في إشارة واضحة إلى شخصيتها المستقلة التي تسعى إلى الاعتماد على نفسها، فما كان من الوالد إلا الاعتراض على طلبها ورفضه بعقاب عنيف وقاسي، وضرب مبرح، فقررت الهرب من المنزل، وفي سيرها هائمة بالشارع تعرف عليها أحد رواد السيرك وأعادوها إلى بيتها، ولما استمرت في عنادها، قرر الأب أن ينصاع لرغبتها ويمنحها قرش أو قرشين عن عملها.
لم تجد نعيمة عاكف الحنان والعطف في منزلها، فكانت تعاني من قسوة الأب واتجاهه للعب القمار وخسارة كل أمواله والأجور التي يجنونها، وحتى أثاث المنزل، ووصل الأمر إلى درجة بيع السيرك نفسه، واتجاه نعيمة وأخواتها إلى العمل في أماكن أخرى، حتى جاء زواجه بأخرى ليهدم الأسرة، وتقرر الأم الرحيل مع بناتها إلى القاهرة، وتقيم معهن في إحدى الشقق بشارع محمد علي.
من الممكن أن يكون لسلوك الأب وقع سيء على حال الأسرة، وجعل ذلك نعيمة عاكف مفتقدة دوما للشعور بالأمان، ولكنه كان أيضا خطوة نحو تحقيقها للشهرة، وبداية الدخول إلى عالم السينما، لتثري الدراما المصرية بحب التمثيل والرقص والاستعراض، وكذلك الروح الحلوة والحضور الخفيف الطيب.
من أجل أن تتكسب نعيمة عاكف واسرتها رزق يومهن، فقامت بعمل ما تعرفه، تنزل مع أخواتها إلى الشوارع يرقصن ويأدين حركاتهن البهلوانية، وحركات السيرك التي تجذب المارة وتمتعهن، حتى لمحها الفنان علي الكسار في واحدة من المرات، وعرض عليها أن تنضم مع أخواتها إلى فرقته، وهو ما حدث.
ومن هنا، بدأت نعيمة عاكف تتعرف على عالم جديد، حيث الفن هو الملك، فباتت تتعلم من جديد وتحاول أن تثبت مهارتها في الجمع بين المرونة والحركة الرشيقة وكذلك استخدام تعبيرات الوجه والاعتماد على الإحساس، لتخلق في النهاية حالة فنية فريدة، استطاعت أن تُبهر بديعة مصابني فانضمت إلى الكازينو الخاص بها، وقدمت على مسرحه رقصة الكلاكيت، بعد أن عكفت على تعلمها بنفسها دون مدرب لتوفر المال.
في كل خطوة، كانت تحقق تقدما نحو أمر لم تُقدم عليه بنفسها، فانتقلت إلى ملهى الكيت كات، حيث اكتشف موهبتها المخرج أحمد كامل مرسي، الذي كان بوابتها نحو السينما، فتعرف عليها وقرر إشراكها بفيلم "ست البيت"، الذي يعتبر أول ظهور لها على شاشة السينما، فكان الفيلم من بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي، ومن إنتاج عام 1949، وأدت به نعيمة عاكف دور راقصة.
اقرئي أيضا: ليلى مراد صوت الحب العذب لكل الأجيال
أفلام نعيمة عاكف
شاركت بعدها نعيمة عاكف في فيلم "حب لا يموت" من بطولة راقية إبراهيم وزوز نبيل، ثم قدمها الفنان أنور وجدي في فيلمه "آه يا حرامي" مع إسماعيل يس وسراج منير وزينات صدقي، حتى التقطها المخرج حسين فوزي لتشرع في احتراف التمثيل، وتتوقف عن الغناء والرقص وأداء المونولوجات في الكازينوهات والملاهي الليلية، فيقدما معا فيلم "العيش والملح"، الذي جسدت من خلاله شخصية "بثينة/ بسبس"، التي تهرب من حارتها وتعمل في أحد الملاهي الليلية بسبب ظروفه المعيشية صعبة، وشاركها بطولة الفيلم سعد عبد الوهاب ووداد حمدي، ومن إنتاج عام 1949.
على مدار مشوارها الفني، الذي امتد لما يقرب من 16 عاما، قدمت نعيمة عاكف 25 فيلما، واستطاعت أن تقدم في كل منهما أداء مميزا، فرغم ما عانته في سنوات الطفولة، التي لم تنعم فيها بالراحة ولم تلق الحب والحنان الكافيين، كان ظهورها لافت ومحبب للجماهير، روحها خفيفة، وحركتها مرنة، فتمكنت من أداء جميع الرقصات من الشرقي إلى الغربي، بطابع تفردت بها وحدها لا تقلد أحدا ولا تتبع سوى مدرستها الخاصة.
ومن أبز الأعمال التي قدمتها مع المخرج حسين فوزي، الذي يعد مكتشفها الحقيقي، فيلم "بابا عريس" 1950، و"لهاليبو" 1949، فكان دوما يطلق عليها اسم "لهلوبة"، كما تعاونا معا في أفلام "بلدي وخفة" 1950، و"فُرجت" 1951، و"فتاة السيرك" 1951، و"يا حلاوة الحب" 1952، و"جنة ونار" 1952، و"مليون جنيه" 1953، و"عزيزة" 1954، و"نور عيوني" 1954، و"بحر الغرام" 1955، و"تمر حنة" 1957، وآخرها كان فيلم "أحبك يا حسن" 1958.
وكان فيلم "أمير الدهاء"، الذي تم إنتاجه عام 1964، هو آخر ظهور لنعيمة عاكف في السينما، بعد أن هاجمها المرض وتقاعدت، وكانت تقوم بدور زمردة في الفيلم، الذي قام ببطولته فريد شوقي وشويكار ومحمود مرسي، ومن إخراج هنري بركات.
اقرئي أيضا: عارفةعبد الرسول الحكاءة بنت البقال بأداء سلس وبسيط
كانت نعيمة عاكف فنانة شاملة، قادرة دوما على العطاء والتعلم، فأصرت أن تتعلم اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية في المنزل، وإلى جانب التمثيل والاستعراض، كانت موهبتها في الرقص لا يمكن مضاهاتها، فخبراء الرقص يُجمعون على أنها خلقت أسلوبا فريدا ميزها وحدها، فلم تتأثر بنمط محدد، ولكن تفردت بأن تكون ذات مدرسة خاصة باسمها، وقال عنها الفنان الاستعراضي محمود رضا "مكنش في حد مش بيحب نعيمة عاكف.. كانت بتعرف ترقص كل أنواع الرقص وتقدر تتعلم كل حاجة".
في عام عام 1956، اختارها الفنان زكي طليمات لتكون بطلة فرقة الفنون الشعبية، وتسافر مع الصين لتقدم أوبريت "يا ليل يا عين"، وفي مهرجان الشباب العالمي في موسكو عام 1958، قدمت نعيمة عاكف أداءا مبهرا منحها جائزة أحسن راقصة في العالم من بين 50 دولة.
نعيمة عاكف وأزواجها
ارتبطت نعيمة عاكف بالمخرج حسين فوزي، ورغم فارق السن بينهما تزوجا عام 1953، واستمر زواجهما لمدة خمس سنوات وانفصلا بعدها في عام 1958، لتتزوج بعدها بعام من المحاسب القانوني صلاح الدين عبد العليم، الذي رُزقت منه بابنها الوحيد محمد صلاح الدين عبد العليم.
وفاة نعيمة عاكف
بدأت أعراض المرض تظهر على نعيمة عاكف مع آخر أعمالها السينمائية، وبعد التحليل والتشخيص، علمت بإصابتها بمرض سرطان الأمعاء، وحاولت أن تجاهده ، ولكن أُنهكت قواها في عام 1966، ورحلت "تمر حنة" في 23 أبريل، وهي ما زالت بعمر الـ 36 عاما، ليكون غيابها مفاجئا ومحزنا.. "يا تمر حنة.. الورد كله كسا الجناين.. واشمعنى أنتي اللي شاردة عنا".
اقرئي أيضا:
مشوار سوسن بدر نفرتيتي العصر الحديث
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ٣٠ سبتمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا