داليدا أسطورة غنائية بدأت من شبرا نحو العالمية
الأكثر مشاهدة
داليدا التي صارعت حتى تعيش حياة لم تكن تحتملها، مرت سنواتها ولم تكن سعيدة، فرغم أنها عاشت كأسطورة في عالم الغناء، وتركت إرث وصل إلى ما يقرب من 700 أغنية بتسع لغات مختلفة، وحققت شهرة عالمية، أتعسها أنها كانت تبحث دوما عن الحب، الذي كان يفارقها، فقررت أن ترحل بعذابها، بعد أن أرهقتها مشاعر الوحدة.
تعرفي على: هند رستم التي تخلت عن الفن لتكون حرم الدكتور فياض
قصة داليدا
من جنوب إيطاليا، وتحديدا جزيرة كالابريا، ارتحلت العائلة الإيطالية هربا من ظروف حرب عالمية قاسية، وكانت وجهتها هي مصر، حيث كان يمكن للحياة أن تصبح أفضل، فاختارت حي شبرا في القاهرة مقر إقامتها، وهناك كانت نشأة داليدا وحياتها.
ولدت داليدا باسم يولاندا كريستينا جيجليوتي في 17 يناير عام 1933، ولها شقيقان هما أورلاندو وبرونو، ووالدتها جيوسيينا تعمل في الحياكة المنزلية، ووالدها بيترو رجل موسيقي يعزف الكمان، واستطاع أن يصبح العازف الرئيسي في دار الأوبرا المصرية، وكانت الأسرة الصغيرة تعيش في سلام في الحي الشعبي القاهري.
داليدا التي عُرف عنها جمالها الآخاذ وجاذبيتها، عانت في صغرها من إصابة في عينينها أثرت على شكليهما، فكانت حولاء واضطرت أن تخضع لثلاث عمليات حتى تصبح عينيها في الوضع الطبيعي، ومرت بسبب ذلك بفترات سيئة من ارتداء النظارة التي لم تكن تطيقها "كنت أفضل ألا أرى، على ارتداء النظارات وكنت ألقيها من النافذة"، فكانت تتعرض لتعليقات سلبية أفسدت عليها فترة المراهقة.
ووقت الحرب العالمية الثانية عام 1940، وتعرض والدها للاعتقال في معسكر سجن فايد، وتم إطلاق سراحه بعدها بأربع سنوات، ونتيجة التجربة التي مرّ بها انعكس الأمر على أسرته، فباتت معاملته قاسية وعنيفة وأصبحت طباعه حادة، وفي عام 1945 توفي والدها بسبب عطب أصاب الدماغ، وكان لذلك أثره السلبي على حالتها النفسية، ويرجح أنها السبب في بحثها الدائم عن الحب.
درست داليدا في مدارس الراهبات الكاثوليك،وكانت تشترك في عروض التمثيل ومهتمة بالفن، ولكن بعد أن أنهت دارستها عملت في وظيفة تقليدية بعيدة عن طموحها وسعيها نحو التمثيل والشهرة، فكانت تعمل على الآلة الكاتبة في واحدة من شركات الأدوية، حتى تتمكن من مساعدة عائلتها ماديا، ولكنها لم تغفل حلمها، وتطلعت إلى أن تحققه يوما.
وبعد أن علمت من إحدى صديقاتها بوجود مسابقة محلية لملكات الجمال في عام 1951، قررت أن تشترك بها دون أن تُعلم والدتها، وتمكنت الفتاة التي كانت تكره وجهها في فترة مراهقتها من أن تكون الوصيفة الأولى، ونُشرت صورها في مجلات فرنسية كانت تصدر في القاهرة، مثل "لو بروجرس ايجيبسيان"، و"لو جورنال دو إيجيبت"، وكانت الصور بملابس السباحة، الأمر الذي أثار غضب والدتها، التي كانت لها طبيعة محافظة وتقليدية، ومنعتها لفترة من الخروج.
إصرار داليدا على أن تتخذ الشهرة طريقا لها، أجبر والدتها جيوسيينا على تقبل بعمل كعارضة أزياء في دار دونا الشهيرة في القاهرة، ثم جاءت محطة مشاركتها في مسابقة ملكة جمال مصر لتكون نقطة تحول كبيرة في مسار حياتها، ففي عام 1954، استطاعت داليدا أن تحمل لقب ملكة جمال مصر، وكادت ان تمثل مصر في مسابقة ملكة جمال العالم في لندن عام 1955، لولا حدوث أزمات سياسية في مصر.
اقرئي أيضا: نعيمة عاكف رحلة قصيرة لابنة السيرك اللهلوبة
أفلام داليدا
فتحت المسابقة وشهرتها كملكة جمال الطريق أمامها كي تعمل كممثلة، فرغم شهرة داليدا كمغنية لها صوت مميز وقوي، كانت بدايتها مع الشهرة ومعرفة الجمهور بها عبر السينما أولا، فكان أول ظهور لها كدوبلير للممثلة الأمريكية جوان كولينز في فيلم "يوسف وإخوته" عام 1954، وخلال تصوير الفيلم تعرفت على عمر الشريف، وقتما كان يتلمس أول الطريق نحو التمثيل، كما اشتركت في فيلم من إنتاج فرنسي مصري مشترك عام 1954، وكان له أكثر من اسم "قناع توت عنخ آمون"، و"ذهب النيل"، ومن إخراج ماركو دي جاستين، وبطولة يوسف وهبي وسامية جمال، وقامت فيه بأداء دور راقصة.
أما فيلم "سيجارة وكاس"، الذي تم إنتاجه عام 1955، وأخرجه نيازي مصطفى، فهو يعد أول فيلم مصري تشارك به داليدا، وهو من بطولة سامية جمال ومحمد رضا وسراج منير، وحينها منحت نفسها اسما فنيا بدلا من يولاندا، وهو "دليلة" كونه كان اسما مشهورا لواحد من الأفلام الأجنبية، وكانت بطلته تشبهها.
وبينما كانت أبواب السينما في مصر تنفتح لها، قررت داليدا أن تنتقل إلى باريس، رغم معارضة والدتها في البداية، إلا أنها كالعادة تصرعلى ما تريد وتفعله، واتخذت الإجراءاتواتجهت صوب عاصمة السحر والجمال والفن في 25 يسمبر عام 1954، وسكنت بأحد الغرف مع صديقة لها، وبدات تخضع لكثير من تجارب الداء للحصول على فرصة للتمثيل، ولكنها باءت جميعها بالفشل.
واتجهت بسبب نصيحة من أحد الأشخاص لتعلم الغناء، وظلت لمدة 7 أيام تخضع للتدريبات على يد مدربها رولاند بيرجر الذي قبل أن يعلمها مقابل مبلغ زهيد، ورغم العثرات والصعوبات التي واجهتها في البداية، استطاعت داليدا أن تثبت قدرتها على التقدم في مجال الغناء، مما شجع بيرجر على ان يرشح اسمها للغناء في واحد من أشهر الملاهي الليلية بشارع الشانزليزيه.
خلال هذه الفترة، قابلت دليلة كاتب السيناريو ألفريد مارشارد، الذي اقترح عليها أن تستبدل الاسم الذي عرفت به في باريس عند قدومها، لتصبح "داليدا" بشكل رسمي بدلا من "دليلة"، وسعت في اتجاه الغناء نظرا للنجاح الذي حققته بهن واستطاعت في 2 مايو 1956 أن تمضي أول عقد غنائي لمدة عام، وأقامت الحفلات الغنائية وأذعيت لها الأغنيات على محطات أوروبا الإذاعية، وكانت "Madona" أولى أغنياتها، وتمت إذاعتها على إذاعة أوروبا في أغسطس 1956، لتكون المرة الأولى التي يستمع فيها الجمهور إلى صوت داليدا عبر الراديو.
واستطاعت أغنيتها الأولى ان تحقق نجاحا معقولا، ولكن عندما أطلقت أغنيتها "Bambino"، أحدثت داليدا ضجة كبيرة، بعد أن انتشرت الأغنية بصورة غير متوقعة، وأصبحت الأغنية الرئيسية في ألبومها الأول Son nom est Dalida، الذي حقق مبيعات كبيرة، وبدأت شهرة داليدا تأخذ اتجاها جديداز
ومع تحقيقها للنجاح في الغناء، بات الجمهور الأوروبي يعرف داليدا، فأصبحت نجمة ينتظر كثيرون ظهورها الجريء على شاشات التلفزيون، ويستمتعون بأغنياتها، فحققت في وقت قصير شهرة واسعة، وأقامت كثير من الجولات الفنية في دول أوروبا، وأصدرت في عام 1959، أغنية Le jour ou la pluie viendra بثلاث لغات مختلفة،الأمر الذي منحها شهرة أوسع ومحبة أكبر لدى الجمهور الأوروبي.
غنت داليدا بالفرنسية ما يقرب من 438 أغنية، وبالإيطالية 125 أغنية، و60 أغنية بالألمانية، وباللغة الإسبانية غنت 32 أغنية، و4 أغاني باللغة اليابانية، وأغنية واحدة بالعربية، و6 أغنيات باللغة العربية، لتكون واحدة من الأساطير الغنائية، كونها أتقنت الغناء بكل هذه اللغات وعبرت عنها بصوت قوي وإحساس مميز.
لم تقتصر شهرتها على بلاد أوروبا، ولكن جذورها وحياتها التي عاشتها في مصر، خلق لها جمهورا يحبها ويتابعها، فقدمت أغنيات عربية مصرية للجمهور المصري والعربي، وقامت بعدد من الجولات الغائية في دول العالم العربي، وكما انتشرت هذه الأغنيات في الشرق الأوسط، حققت النجاح أيضا في أوروبا، وكانت فترة السبعينات هي وقت ازدهارها ونجاحها اللامحدود، فالبنت التي تربت في حي شعبي داخل مصر حققت شهرة عالمية واسعة، غير أنها صاحبة حضور قوي على المسرح وأداء ملفت وجذاب يحبه الجمهور.
عادت داليدا للتمثيل مرة أخرى، بعد أربع سنوات من آخر فيلم لها في مصر، وفي عام 1958 شاركت في فيلم حول الجاسوسية Rapt au Deuxième Bureau de Jean Stelli، وافلام أخرى مثل: Brigade des mœurs de Maurice Boutel عام 1959، وParlez-moi d'amour عام 1961، Strangers from Hong-Kong، وكان آخرها فيلم "اليوم السادس" عام 1986 مع المخرج يوسف شاهين، وشاركها بطولته محسن محي الدين وسناء يونس.
اقرئي أيضا: الملكة نازلي صاحبة الجلالة والجدل التي حرمت من لقبها
أزواج داليدا
جمعتها بالفنان العالمي عمر الشريف صداقة قوية، استمرت لسنوات من بداية دخول كل منهما لفن، ولكن الجانب الشخصي في حياة داليدا كان يحمل كثير من المآسي التي كان من الصعب عليها تحملها، فهي كانت دوما تبحث عن الحب والتقدير، واول أزواجها كان لوسيان موريس المنتج الموسيقي الذي ساندها في بدايات مشوراها الفني، فتزوجا في عام 1961، ولكنها بعد أشهر تعلقت بالرسام جان سوبيسكي، وتركت زوجها الأول لأجله، الذي عاني نتيجة فشله مع زيجاته وقرر الانتحار في سبتمبر 1970.
تركها يوبيسكي، وبعد سنوات تعلق قلبها بشاب إيطالي اسمه لويجي تينكو وكان مغني ما زال في بداية الطريق، ودعمته داليدا، ولكنه كان يمر بالعديد من الزمات النفسية والإحباطات التي لم يستطع تحملها، فانتحر وهو مازال شابا في 28 من عمره، وتخلص من حياته في أحد الفنادق وكانت داليدا أول من رأى جثته، مما كان له أثره السلبي الشديد على حالتها النفسية.
وجمعتها علاقة عاطفية بريتشارد تشانفري، ولكنها مرت بمراحل كثيرة من الاضطراب والبعد والقرب والاختلاف، حتى انفصلا، ومع محاولاتها لاستعادة توازنها النفسي، علمت بانتحار تشانفري مما أفقدها القدرة على التوازن والاستمرار في الحياة، فباتت تعاني من فقدان الذاكرة، وأصابتها حالات من فقدان الثقة في النفس، وانعدام الرغبة في الحياة.
كيف ماتت داليدا
ومع تكالب الأحداث عليها، وفقدانه القدرة على تحمل الخيبات والألم، قررت داليدا الاستسلام لأحزانها وأوجاعها، وفي يوم 3 مايو عام 1987، تناولت جرعة كبيرة من الأقراص المهدئة، وتركت رسالتها "سامحوني، الحياة أصبحت لا تحتمل".
تمثال داليدا
في ساحة مونمارتو في باريس، وداخل الحي الذي كانت تحبه، اأُيم لها تمثالا كونها رمزا للفن والموسيقى الفرنسية في 5 ديسمبر عام 1995، وبات التمثال وجهة كثير من السياح والمحبين من كل أنحاء العالم، كونها نجمة عالمية استطاعت ألبوماتها أن تحقق مبيعات وأرقام قياسية وحصدت الجوائز على مدار السنوات كواحدة من أفضل مغنيي فرنسا على الإطلاق.
اقرئي أيضا:
شجرة الدر السلطانة التي أوقفت الصليبين وماتت عارية
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا