الملكة رانيا زوجة وأم وإنسانة مهمومة بوطنها العربي
الأكثر مشاهدة
في بساطة ووقار، تأتي دوما طلّتها، لتجمع بين طباع الملوك من رقي وتحضر، والألفة والونس التي يمكنك أن تشعر بهما في حضور شخص ترتاح لوجوده، هي الملكة رانيا التي باتت مصدر أمان لأهل الأردن، ومحل ثقتهم، لأنها عرفت معنى الإنسانية، وتفضل "أن يتعامل الناس معي كإنسانة وليس كشخصية مشهورة، مع أولادي، أنا أم فقط. وفي نهاية اليوم، فإن منصبي ليس سوى منصب فقط، ولقبي هو مجرد لقب، وتلك أمور تأتي وتذهب. وأهم شيء حقا هو جوهر شخصيتك وقيمك".
تعرفي على: الملكة إليزابيث الثانية الأطول عمرا على عرش بريطانيا
عائلة الملكة رانيا
في 31 أغسطس عام 1970، ولدت رانيا فيصل صدقي الياسين في الكويت، حيث كان والدها الدكتور فيصل الياسين يعمل. تحمل رانيا داخلها جذورا فلسطينية، فهي تنتمي لأسرة مهاجرة من شمال الضفة الغربية، وتحديدا مدينة طولكرم، بعد هزيمة الجيش الأردني في 67.
درست رانيا الياسين في المدرسة الإنجليزية الحديثة بالكويت، حيث استقرت هي وأسرتها لفترة طويلة، وكانت رانيا الابنة الوسطى، فشقيقتها دينا تكبرها بثلاثة أعوام، وأخيها مجدي يصغرها بعام واحد، واستطاعت بسبب الجنسيات المختلفة التي احتكت بها طوال فترة دراستها الإعدادية والثانوية، أن تنفتح نحو اختلاف الثقافات وتملك مهارة التعامل معها.
في المرحلة الجامعية، انتقلت رانيا إلى القاهرة، لتدرس إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية، وتخرجت منها بشهادة البكالوريوس في عام 1991، لتظل سنوات دراستها بمصر لها ذكرى طيبة داخل نفسها، متمنية للبلد الذي قضت بها أيما لم تنسها، أن يتعافى دوما من كبواته ليكون قادرا على قيادة الأمرة العربية.
بعد التخرج، انخرطت رانيا في العمل بقطاع البنوك في الأردن، ثم عملت لفترة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وبدأت وظيفتها في شركة "آبل" بالعاصمة الأردنية عمان، وكان عملها هو الطريق غير المباشر لقلب الملك عبد الله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية.
الملكة رانيا والملك عبد الله
على مائدة عشاء، داخل منزل الأميرة عائشة بنت الحسين، كانت المرة الولى التي يلتقي فيها الملك عبد الله بالشابة الطموحة، ذات الشخصية الساحرة رانيا الياسين، ويحكي عن هذا اللقاء في كتابه "فرصتنا الأخيرة"، ويتذكر أغسطس عام 1992، عندما كان وليا للعهد وقائدا لكتيبة المدرعات الملكية الثانية، وظل لشهرين دون انقطاع يشارك في التدريبات والمناورات، التي أنهاها مع فرقته بنجاح، فحصل على يوم واحد إجازة.
ذهب الملك عبد الله حينها إلى منزله في عمان، لا يرغب سوى في حمام دافيء ونوم عميق، ولكنه لم يستطع أن يرد دعوة أخته الأميرة عائشة على العشاء، في رضوخ لترتيبات القدر، ويكون لقائه برانيا الياسين، التي كانت تعمل حينها في شركة آبل، وجاء حضورها للعشاء استجابة لزميل لها في الشركة.
"ما إن وقع نظري عليها، حتى قلت ما أجملها، انتزعت إعجابي الكبير برصانتها الواثقة، وأناقتها اللافتة، وخصوصا بذكائها" رغم أنه لم يجمعهما حينها أي حديث، ولكن حضورها كان طاغيا على قلبه، واستطاع أن يآسر الملك عبد الله، ويجعله ينوي رؤيتها ثانية، ومع محاولاتها العزوف عن ذلك، أصر هو، واستطاع أن يجذب انتباهها، ونشات بينهما علاقة حب توجت بالزواج في 10 يونيو عام 1993.
كان حفل زفاف الملكة رانيا والملك عبد الله له طابع خاص، فالملكة كانت ترتدي وقتها فستانا من تصميم المصمم البريطاني بروس أولدفيلد، وكان الملك يشغل منصب قائد قوات النخبة فارتدى بذلته العسكرية، وطافا معا في شوارع العاصمة الأردنية عمان في سيارة مكشوفة، ثم تمت إقامة حفل استقبال كبير للعروسين بالديوان الملكي الهاشمي.
رافقت الميرة رانيا الياسين زوجها طوال مسيرته، وحملت لقب الملكة رانيا العبد الله بعد أن تولى عرش المملكة الأردنية الهاشمية في 7 فبراير عام 1999، وباتت أمام مهمة جديدة عليها أن تتولاها بحرص وذكاء وثقة، كما كان معهودا منها على الدوام.
اتسمت الملكة رانيا في كثير من تعامللاتها مع أهل الأردن، والشعوب من حول العالم بالبساطة والتواضع، وقررت ألا يكون لقبها شرفي، بل حرصت على أن تبذل ما في وسعها من أجل دعم المبادرات التي تجعل المستوى المعيشي والتعليمي لأهل الأردن أفضل، حتى أصبحت واحدة من الملكات العربيات المؤثرات، والقادرات على التقرب من هموم الشعب ومعايشتها.
اقرئي أيضا: الملكة نازلي صاحبة الجلالة والجدل التي حرمت من لقبها
مبادرات الملكة رانيا
قبل أن تحمل لقب ملكة، وهي تنوي أن يكون لها دور في تغيير الأوضاع السلبية بالمملكة الأردنية، وأطلقت في عام 1995 مؤسسة نهر الأردن، لتعمل من خلالها على إطلاق المشروعات الاجتماعية والاقتصادية، لتحسين مستوى معيشتة السيدات، وتمكين المرأة، وتعزيز مهاراتها في إنتاج الصناعات التقليدية اليدوية وإدارة المشاريع وتطويرها.
وفي عام 2001، تم تأسيس المجلس الوطني لشئون الأسرة، وتولت الملكة رانيا مجلس أمنائه، ليكون هيئة هدفها دعم الأسرة الأردنية من خلال وضع السياسات والاستراتيجيات والخطط التنموية التي تعمل على النهوض بأوضاع الأردنيين، والحفاظ على هويتهم وتعزيز ثقافتهم.
ونظرا لاهتمامها بالأعمال الخيرية، وكونها واحدة من الرموز الإنسانية حول العالم، عملت الملكة رانيا على إطلاق صندوق الأمان لمستقبل الأيتام في عام 2003، للحرص على تعليم الأطفال الأيتام في الأردن، كونها ترى في التعليم هو الوسيلة التي يمكن بها إعداد أجيال قادرة على العطاء، فتقول "التعليم هو أكثر من حق إنساني، ففي عالمنا الذي تسيطر عليه الأزمات، التعليم هو سبيل للنمو ونقطة انطلاق نحو تحقيق السلام".
واستمرت مجهودات الملكة رانيا من أجل تحسين بيئة تلقي التعليم في الأردن، وفي عام 2008، أطلقت مبادرة "مدرستي" لتعمل من خلالها على جعل المواد التعليمية أفضل، وتطور من أوضاع لبنى التحتية للمدارس الحكومية باستخدام الموارد المتاحة كافة، وبعد النجاح الذي حققتها المبادرة في الأردن، تم غطلاقها في فلسطين عام 2010، من أجل تأهيل وتطوير وصيانة المدارس العربية في القدس الشرقية.
وجاءت منصة "إدراك" لتعبر عن وعي الملكة رانيا بضرورة استغلال التكنولوجيا ومنصات ومواقع الإنترنت في استحداث وسيلة تعليمية تشمل كل أبناء الوطن العربي، فأطلقت "إدراك" عام 2014، لتشجع على التعلم المستمر من خلال مصادر مفتوحة ومجانية، وفي مجالات مختلفة.
ولم تغفل الملكة رانيا المعلم أيضا، وعملت من خلال أكاديمية تدريب المعلمين، التي أطلقتها في 2009، العمل على الارتقاء بنوعية التعليم، وتطوير برامج التدريب والتنمية المهنية، من خلال الشراكة مع كلية المعلمين بجامعة كولومبيا، بهدف تعزيز جودة التعليم في الأردن والعمل على إصلاح السياسات المتعلقة به، ولترسيخ أهمية المعلم التربوي، أعلنت عن جائزة الملكة رانيا العبد الله للتميز التربوي.
ويعتبر متحف الأطفال في الأدرن واحد من المؤسسات التي حرصت الملكة رانيا على إقامتها في عام 2007، ويقدم مواد تفاعلية تعليمية للأطفال، وبرامج وعروض مستمرة طوال العام، كما أطلقت مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية من أجل أن تكون الجهة التي تجمع كل الأحداث والفعاليات والمعلومات المتعلقة بالتعليم خارج وداخل الأردن، لتساهم في توفير بيئة تعليم أفضل على كل المستويات.
على المستوى العالمي أيضا، تم اختيار الملكة رانيا كرئيسة فخرية لمبادرة الأمم المتحدة لتعليم الفتيات في عام 2009، كما أنضمت لمبادرة "هدف واحد" التي تم إطلاقها في لندن من أجل توفير الفرصة للأطفال المحرومين من التعليم حول العالم، وكانت ضمن اللجنة الاستشارية رفيعة المستوى التي اختارتها الأمم المتحدة، من أجل تقديم استشارة حول أجندة التنمية العالمية لما بعد عام 2015.
اقرئي أيضا: أميرة الطويل سيدة أعمال سعودية آمنت بحقوق المرأة
إنجازات الملكة رانيا
وبسبب حضورها الدائم محليا وعربيا وعالميا، واهتمامها بالقضايا الإنسانية، كانت الملكة رانيا دوما محط أنظار العالم، واستطاعت أن تستحوذ على الاهتمام والتقدير الذي تستحقه، فاختارتها مجلة Hello البريطانية عام 2011 ضمن قائمة أكثر النساء أناقة حول العالم، وضمتها مجلة فوربس في عامي 2006 و2010 في قائمة أكثر 100 سيدة نفوذا في العالم، ووصفتها إحدى المجلات الأمريكية بأنها "أكثر من مجرد ملكة، فهي تمتلك ذكاءا حادا وجمالا استثنائيا".
حصلت الملكة رانيا على اكثر من 20 جائزة دوبلية وشهادة فخرية، من بينها: جائزة القيادة المتميزة لعام 2010 من الوايات المتحدة الأمريكية، وجائزة الإنسانية من جمعية الصحافة الأجنبية بالمملكة المتحدة عام 2016، وجائزة اليوتيوب للإبداع عام 2008، ونالت شهادة الدكتوراة الفخرية في العلوم التربوية من الجامعة الأردنية، وشهادة فخرية أخرى في العلاقات الدولية من جامعة مالايا في ماليزيا.
وبعيدا عن الإنجازات والجوائز التي نالتها، كانت ترى الملكة رانيا في أهل الأردن عزوتها وكنزها الحقيقي، فتواضعها جعلها في أعينهم دوما مصدر للأمان والثقة، فعلى عكس البروتوكلات والأعراف، تحوطها السيدات الأردنيات بأياديهن لترتمي في أحضانهن، ويلمس الأطفال وجهها وشعرها دون خوف، ولكن بحب وتعلق، كونها تعبر عنهم، وتعتز بلباس الأردن التقليدي وتحرص على الظهور به، فخورة بأصولها، وانتمائها الأردني العربي.
تعرّف الملكة رانيا، المعروفة بنشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي، على حساباتها على تويتر وإنستجرام بأنها "زوجة وأم بوظيفة دائمة رائعة"، فهي تحرص دوما على إظهار الجانب الإنساني من حياتها اليومية، لتكشف عن كونها حياة عادية فهي ملكة ولكنها أم لأربعة أبناء هم الأمير حسين، والأميرة إيمان والأميرة سلمى، والأمير هاشم، وتقلق لمستقبلهم كما تفعل الأمهات أيضا.
اقرئي أيضا:
داليدا أسطورة غنائية بدأت من شبرا نحو العالمية
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ٢٩ أكتوبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا