ثريا قابل صاحبة أول ديوان نسائي في المملكة
الأكثر مشاهدة
عندما لم يكن وجود سيدة في وسط يحتكره الرجال، أمر يمكن تقبله والتعامل معه، وحين كانت الرغبة في إضافة روح جديدة والاتيان بفعل عادي، تعني مصارعة طواحين الهواء دون تحقيق شيء، ظلت ثريا قابل صامدة، لا تجادل أو تحارب من أجل أن تثبت موهبتها، رغم ما تكبدته بالفعل، فقط تفعل ما تؤمن به، تاركة للجميع حريتهم في النقد والرفض.
تعرفي على: رانيا نشاز أول سعودية تقود مجموعة مصرفية بالمملكة
الشاعرة ثريا قابل
في حارة المظلوم، بمدينة جدة القديمة، ولدت ثريا قابل عام 1940، وهي تحمل اسم واحدة من أكبر عائلات المدينة، التي يرتبط اسمها بشارع "قابل" واحد من أهم وأقدم الأحياء التجارية بها، والذي يعود إلى اسم أحد الأجداد (سليمان بن أمان الله قابل) الذي اشتراه وقام بتجديده وتمهيده ليكون سوق تجاري نشط.
في بيت والدها، تعلمت الشاعرة السعودية ثريا قابل على يد الفقيهة، وهي معلمة الكتاتيب في ذلك الوقت، ثم انتقلت لتتلقى العلم على يد حمزة سعداوي، وبعد سفر عائلتها إلى لبنان لظروف تتعلق بمرض والدها، التحقت ثريا بالكلية الأهلية في بيروت، ودرست على يد معلمة تركية، ومدرسين متخصصين جلبهم لها والدها، وكانت تنوي بعدها أن تدرس في الجامعة الأمريكية في لبنان، ولكن وفاة والدها منعتها من ذلك، وكان هناك ضرورة من عودتها إلى المملكة العربية السعودية.
عادت ثريا وكانت عمتها "عديلة قابل" هي المسئولة عن رعايتها بعد وفاة الوالد، في حين كانت تشعر هي بالنسئولية تجاه أسرتها كونها أكبر الأبناء، ولكن قبل العودة، وخلال دراستها الثانوية، اكتشف معلمها ومديرة مدرستها موهبتها في نظم القصائد وكتابة الشعر، وقاما بتشجيعها على الاستمرار والكتابة، وتزامن ذلك مع وفاة الوالد في عامي 1958- 1959، الذي تاثرت كثيرا برحيله.
بعد أن نشطت في كتابة القصائد، كتبت قصيدة في احتفال مدرسي بلبنان، وكانت الأجواء حينها مشتعلة بظروف سياسية، فأعجبت القصيدة جريدة الأنوار، وتم نشرها بها، وبعدها توالت قصائدها بعد أن تم فتح الباب لها في الصحف للنشر.
انخرطت بعدها ثريا قابل في العمل الصحفي، والكتابة للجرائد المحلية والعربية، فكانت تنشر مقالات رأي بصحف "البلاد" و"عكاظ" و"الرياض" و"قريش"، واهتمت خلال هذه الفترة بالتركيز على قضايا مجتمعها، وخاصة، القضايا المتعلقة بالمرأة وحقوقها المهدورة والمنسية في المملكة، فركزت كتاباتها على حق الفتيات في أن يحصلن على فرص تعليمية أفضل، وذلك خلال فترة الستينات وما تلاها، وكذلك أن ينلن دورهن المجتمعي.
ومن حين لآخر، كانت تعاود ثريا نشر قصائد شعرية بالفصحى في الزوايا المخصصة لها بالصحف والجرائد، حتى قررت عام 1963 أن تصدر أول ديوان لها، وأول ديوان شعري تصدره سيدة في المملكة العربية السعودية في القرن الحديث، وكان يحمل اسم "الأوزان الباكية"، وذيلته باسمها صراحة، دون محاولة للتخفي أو الكتابة تحت اسم مستعار غير عابئة بما قد يسببه لها ذلك من صدام مع بعض فئات المجتمع.
كان الديوان، الذي أصدرته في لبنان، قد واجه المنع في المملكة، بعد أن رفضت الجهات المسئولة عن العمل والنشاط الثقافي أن تسمح بصدوره في السعودية، فما كان من ثريا قابل سوى ألا تتقبل الرضوخ لما يعد حجرا على الحرية الثقافية، فقابلت الملك فيصل- الراحل- وأهدته نسخة من ديوانها، وطلبت رأيه، فأجاز لها أن يُسمح بدخوله للسعودية.
واهتمت ثريا أن تجعل من ديوانها تجربة شعرية فريدة، فجمعت في كتاباته كل ألوان الطيف الشعرية، ليكون تجربتها الأولى والأخيرة، ورغم أنه ديوان صغير، ضمت بصفحاته رثاء لوالدها وقصائد مدح، وجمعت الشعر العامودي مع شعر التفعيلة والحداثة، وتناولت به المشاعر الإنسانية، فأثار ضجة في الوسط الثقافي السعودي، كون سيدة التي قامت بنشره، ولكنها وجدت من يناصرها فوصفها الشارع السعودي الراحل محمد حسن عواد بـ "خنساء القرن العشرين".
بعد الضجة التي أحدثها الديوان، انشغلت ثريا قابل بالتعبير عن قضايا مجتمعها، الذي أرادت له أن يتحرر ويتغير، وبكل صراحة وجرأة كتبت عن حقوق المرأة وشددت على ضرورة أن تحظى بمكانتها داخل الأسرة، وأن يتم فتح مجال العمل لها، حتى استطاعت أن تصل إلى عدد من القراء يعرفون اسمها، ويثقون بالزاوية التي تطل عليهم من خلالها.
عملت كرئيسة تحرير مجلة زينة عامي 1986-1987، وأصدرت بها أول ملحق نسائي في المملكة، تحت اسم "النصف الحلو"، وكانت لها الفرصة في إصدار جرائد وملاحق أخرى، حتى تنبهت إلى إمكانية أن تتجه نحو الشعر الغنائي العاطفي.
اقرئي أيضا: زها حديد ملكة المنحنى وسيدة المعمار في العالم
ثريا قابل وفوزي محسون
في واحدة من المرات، كانت تستمع ثريا إلى صوت الراحل طلال مداح، واحد من أهم الملحنين والمغنيين في المملكة العربية السعودية، فكتبت أول أشعارها الغنائية "عاتبني بشويش عاتبني"، وأرسلتها له، لتجد لديه قبولا واسعا، فتكون تلك انطلاقتها في مجال كتابة الأغنية الشعرية، باللهجة العامية الحجازية، ورغم معارضة الأهل، تمكنت من إقناعهم، وتوالت بعدها أعمالها الشعرية الغنائية، ورسخت اسمها داخل الوسط الفني، خاصة، بعد تعاونها مع الملحن فوزي محسون.
يعتبر فوزي محسون، واحد من أهم الملحنين في المملكة العربية السعودية، رحل في عام 1988، وترك إرث فني كبير، واستطاع أن يكون مع ثريا قابل ثنايا فنيا أنتج كثير من الأغنيات التي انتصرت للثقافة الحجازية، فتعاونا معا في إطلاق أغنيات "عهد الهوى"، و"من بعد مزح ولعب" غناهما طلال مداح، و"لا لا وربي"، التي غناها محمد عبده، و"جاني الأسمر".
تتذكر ثريا الفترة التي جمعتهما، "كان يجيني البيت، ومعه طلال مداح، ده يعزف على العود وده يطبل، وما تعرف مين صاحب اللحن"، وكانت ترى هي أن الأغنيات التي تقدمها لهما فرصة للوصول إلى الشباب، وتعتبر نفسها شاعرة اللحظة أو الموقف، فهي لا تكتب قصة، ولكن ترصد حالة، كما أنها من الشاعرات اللاتي تكتب قصيدتها على مراحل، بعد أن تخزن كل المواقف والأحداث التي تمر بها، وتلتقط منها ما يثير ذهنها.
"لما تسمع اغنية تشعر كأنك تتكلم" تلك هي طريقتها في نظم الأغنية، كما تحرص على أن تتطرق إلى المشاعر والعواطف، التي رات أن كل بيت سعودي بات يفتقر إليها، ومنحها محبوها كثير من الألقاب، فاعتبروها "صوت جدة"، وقال عنها الناقد الفني السعودي علي فقندش "كتيبة دفاع عن ثقافة وفن الأغنية الحجازية، ومناصرة أولى للسيدة والفتاة السعودية".
آخر مساهماتها الفنية كانت مع الفنان محمد عبده وصابر الرباعي، بعد أن باتت مُقلة في الظهور وإتمام أي تعاون فني، كما توقفت ثريا قابل عن الكتابة بشكل عام، واعتبرت أن الكتابة في الصحف باتت تشبه فقاقيع الصابون، التي سرعان ما تختفي ويتم نسيانها.
اقرئي أيضا:
لبنى العليان السعودية التي كسرت الحواجز وأثبتت نفسها
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٧ ديسمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا