كوكو شانيل مصممة أزياء أحدثت ثورة في عالم الموضة
الأكثر مشاهدة
عالم عروض الأزياء دائما مُبهر وجذاب، مليئ بالأضواء والملابس البراقة والبهجة. ولكن هذا العرض الذي يستمر لدقائق يأخذ ربما شهور لتحضيره. فعروض الأزياء لا تُقدم لنا أحدث صيحات الملابس والإكسسوارات فقط، ولكن تحكي لنا عن قصة مُبدع وفنان استطاع رسم الخيال في شكل خطوط انسيابية رائعة، وقامت الخيوط والأقمشة بتحويل هذا الخيال لحقيقة نراها تمشي أمامنا على المسرح ويُمكننا ارتداؤها أيضا. ومن أهم رواد وصانعي الأزياء في العالم، مُصممة الأزياء الشهيرة كوكو شانيل. تلك المرأة التي استطاعت أن تُحدث ثورة في عالم الأزياء وصناعة الملابس. فقد أسست هذه المرأة ماركة شانيل التي بدأت في أوائل التسعينيات ومازالت موجودة حتى الآن تُبهرنا بتصاميم مُختلفة. فمن هى كوكو شانيل التي حققت كل هذه الإنجازات في عالم الموضة؟ وما هى قصتها؟ تعرفي عليها عن قُرب...
كوكو شانيل السيرة الذاتية
مصدر الصورة
هى جابريل بونيور شانيل والتي وُلدت عام 1883 في فرنسا لأب يدعى ألبرت شانيل وأم تُدعى جين. جابريل كان لها أخت أكبر منها تُسمى جوليا، ووالداها لم يكونا متزوجان، ولكنهما تزوجا في العام التالي لولادة جابريل وأنجبا بعد ذلك بنت وولدين ليُصبحوا خمسة أشقاء. لتنقلب حياة شانيل رأسا على عقب بعد ذلك وهى في سن الثانية عشر، فبعد وفاة والدتها بمرض السُل، يُقرر والدها أن يُرسل أخويها الصبيان للعمل في مزارع فرنسا، بينما البنات تم إرسالهن للعيش بدار أيتام في وسط فرنسا.
وبالرغم من قسوة الحياة التي عاشتها جابريل في هذه الفترة بدون أبوين، إلا أن تلك الفترة ربما كانت الحجر الأول في الإمبراطورية التي بنتها بعد ذلك. فقد تعلّمت جابريل الخياطة لمدة 6 سنوات في دار الأيتام، وهذا ما جعلها تجد شغفها في صناعة الملابس. وفي سن الثامنة عشر اضطرت جابريل أن تنتقل للعيش في بيت داخلي مُخصص للفتيات الكاثوليكيات في بلد تُسمى "مولان" في فرنسا.
اقرئي أيضا: الملكة إليزابيث الثانية الأطول عمرا على عرش بريطانيا
قصة كوكو شانيل
مصدر الصورة
بعد ذلك انتقلت جابريل لتعمل في مجال آخر بعيدا عما تعلمته في دار الأيتام طوال ست سنوات "الخياطة والحياكة" وهو مجال المسارح والغناء. ومن هنا تغير اسمها الذي أصبح علامة فارقة حتى الآن، فقد كانت تشتهر بأداء أغنيتين هما "Ko Ko Ri Ko" و"Qui qu'a vu Coco" ، ومن هنا اشتهرت باسم كوكو شانيل. عملت شانيل في ملهى ليلي يتردد عليه ضباط سلاح الفرسان الفرنسيين، واشتهرت بسبب جمالها ومظهرها. وفي عام 1906 كانت تعمل شانيل في منتج سياحي شهير، وكان يستقبل الكثير من الحفلات، ولكنها لم تستطع الاعتماد كثيرا على مظهرها لأن صوتها كان ضعيفا ولم يُساعدها على تحقيق النجاح المطلوب لتستمر في العمل كفنانة ومُطربة.
اضطرت شانيل بعد ذلك للبحث عن عمل آخر، وبالفعل عملت لفترة في مكان يُسمى "Grande Grille" لتوزيع أكواب المياه المعدنية، ولكنها عادت بعد ذلك لبلد "مولان" والتي عاشت فيها في البيت المُخصص للفتيات الكاثوليكيات. وفي سن الـ 20 تعرفت على ضابط فرنسي ثري يُسمى "Etienne Balsan" وقد أصبحت عشيقته في سن الـ 23 وقد أغدق عليها الكثير من الأموال وعرض عليها مساعدتها وتمويلها لتبدأ نشاطها التجاري في باريس.
ولكن في عام 1908، تعرفت شانيل على صديق هذا الضابط والذي يُدعى "Arthur Boy Capel"، والذي قام بتمويل شانيل ماديا لتفتتح أول محل لبيع القبعات التي كانت تُصممها وتُخيطها في شارع Cambon في باريس عام 1910 يُسمى "Chanel Modes"، وقد أصبحت قبعة شانيل علامة مُسجلة وإمضاءها الخاص في عالم إكسسوارات الملابس والتي مازالت موجودة إلى الآن. وقد استمرت علاقة كابل وشانيل لمدة 9 أعوام، حتى بعد زواج كابل من امرأة أخرى، ظل على علاقة بشانيل حتى تُوفي عام 1919. وقد استلهمت شانيل بعض تصاميمها من ملابس كابل وخاصةً الجواكيت الرسمية.
وقد ذاع صيت شانيل أكثر في تصميم القبعات عندما ارتدت ممثلة المسرح الفرنسية الشهيرة وقتها Gabrielle Dorziat أحد قبعات شانيل، وقد أحبت جابريل كثيرا قبعات شانيل وأصبحت أحد زبائنها الدائمين.
وبعد فترة أضافت شانيل لمتجرها الملابس، وكان أول شىء تقوم بتصميمه أو بمعنى أدق بإعادة تدويره هو قميصها الشتوي القديم الذي كان يحميها من البرد القارس أثناء تواجدها في مدينة Deauville. فقد حولته لفستان أنيق بلمساتها السحرية الأنيقة، حتى أن الكثيرين بدأوا يسألونها من أين حصلت عليه، وقد أجابت بواحدة من أشهر أقوالها "لقد بنيت ثروتي من هذا القميص القديم الذي كُنت ارتديه لأن الجو كان باردا في Deauville."
كانت كوكو شانيل تكره ستايل ملابس النساء التي كان سائدا في تلك الفترة وكانت ترى أنه مُعقد وغير مُريح، فافتتحت شانيل بوتيك ثاني عام 1913 في Deauville، وقدمت ستايل الملابس الرياضية إلى جانب ملابسها الأخرى. واعتمدت شانيل في تصميماتها بشكل عام على البساطة والرُقي. ومن الأسباب التي ساعدت في شُهرة كوكو شانيل في عالم الأزياء، أنها أحدثت ما يُشبه الثورة في الملابس النسائية التي كانت تتسم بالتعقيد وارتداء الكورسيهات والقطع غير المُريحة بالنسبة للسيدات. ولكن تصاميم كوكو شانيل اعتمدت على البساطة وأن تكون عملية ومُريحة أيضا بالنسبة للمرأة.
وأثبتت شانيل مبدأ البساطة والراحة في الملابس بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى والتي أثرت بالتأكيد على المشوار المهني لشانيل وعلى تصميماتها. فبسبب ظروف الحرب اضطرت النساء للعمل في المصانع وهو ما كان يحتاج لملابس عملية جدا ومُريحة أيضا. لذلك افتتحت شانيل متجر آخر في شارع Cambon أما فندق ريتز باريس، وهو نفس الشارع الذي ضم متجرها الأول الذي افتتحته عام 1910. وبدأت شانيل تُدخل الكثير من تصاميمها المختلفة المريحة والتي استوحت أغلبها من ملابس الرجال، وأدخلت عليها تعديلات لتكون مناسبة للنساء وتوفر لهن الراحة والعملية وتكون تصاميم أنثوية أيضا. ومن ضمن القطع التي قدمتها كانت البليزرات أو الجواكيت النسائية القصيرة المصنوعة من الكتان، والتنانير بالقصة المستقيمة. بالإضافة لملابس طويلة مصنوعة من الصوف للحماية من البرد. ويُقال أيضا أن كوكو شانيل هى أول من أدمجت زي البحار المخطط الشهير الذي كان خطوط باللونين الأبيض والأزرق، في الملابس العادية التي يُمكن ارتداؤها. وقد أحدث هذا التصميم ثورة في الملابس في هذا الوقت، ومازالت هذه النقشة تُستخدم حتى الآن.
وانطلقت كوكو شانيل بعد ذلك لتُحقق المزيد من النجاحات في عالم صناعة الملابس وتصميمها. وكانت تعتمد على شراء الأقمشة البسيطة مثل الجيرسي لأنه قليل التكلفة، وتقوم بخلق تصاميم مُميزة من هذه الأقمشة. واشتهرت تصاميم وملابس شانيل كثيرا في الفترة ما بين عامي 1915 و1917، حتى أن المجلة الشهيرة Harpers Bazaar، قالت أن شانيل كانت اختيار أساسي عند كل مُشترِ.
اقرئي أيضا: بسنت ماكسيموس مصممة أزياء تؤمن أن الاختلاف في البساطة
عطر كوكو شانيل
مصدر الصورة
هل تعرفين عطر شانيل الشهير الذي يحمل الرقم 5؟! فهو من أشهر العطور الموجودة في العالم والذي مازال يُنتج حتى الآن. هذا العطر له الكثير من القصص. ففي عام 1920 قررت شانيل اقتحام مجال العطور. وتعاونت مع صانع العطور Ernest Beaux لصناعة عطر شانيل الشهير. فقد كانت شانيل تعشق النظافة والروائح المُنعشة، وكانت تتأذى من الروائح الكريهة للسيدات في هذا الوقت. لذلك فكرت في إطلاق عطر خاص بها يحمل اسم ماركتها الشهيرة، وقد كان ذلك غير مُعتاد في هذه الفترة. وكانت الروائح المُنعشة المُستخدمة في هذه الفترة هى تلك المُتسخرجة من الحمضيات مثل الليمون والبرتقال، ولكنها لم تكن تدوم على الجسم طويلا. وحتى المواد الكيميائية البديلة لهذه الروائح كان صناع العطور يترددون في استخدامها لأنها قوية جدا على البشرة.
إلى أن التقت شانيل بصانع العطور الشهير Ernest والذي قبل التحدي ووافق على صناعة العطر مثل الفكرة التي تدور في ذهن شانيل، وهى أن يكون عطرا يدوم طويلا على الجسم. وقد استغرق عدة أشهر لصناعة العطر، وفي النهاية جهز 10 عينات لعطر شانيل. وعندما عرضهم عليها كان ترتيبهم من 1 لـ 10 فاختارت رقم 5. ولهذا سُمي العطر "شانيل رقم 5"، وهو أول عطر يحمل اسم سيدة. ويُقال أيضا أنها اختارت هذا الرقم لأنه كان رقم حظها، كما أنها كانت ستطلق العطر في اليوم الخامس من شهر 5.
ومن طرائف قصص عطر شانيل الشهير، هو أن تكوين العطر الذي يحتوي على الياسمين والورد خشب الصندل والفانيليا، قد يكون بدأ بالخطأ، حيث قام مُساعد Ernest بإضافة الكثير من مادة Aldehyde بنسبة أكبر من المعتاد. وربما هذا هو السبب الذي جعل العطر رائحته مُميزة هكذا. وهو إلى الآن من العطور الأكثر مبيعا والأكثر شهرة في العالم.
وعن إنتاج العطر، فقد كونت شانيل علاقة صداقة مع رجل الأعمال Pierre Wertheimer وقام هو وأخيه Paul وصاحب متجر Theophile Bader بتمويل إنتاج عطر شانيل الجديد. وكان الإتفاق أن تحصل شركة Wertheimer على 70% من أرباح مبيعات العطر، وتحصل شركة Bader على 20% وشانيل على 10% فقط. ولكن بعد طرح العطر وتحقيقه لنسبة مبيعات عالية، رفعت شانيل قضية على شركائها لإعادة صياغة الإتفاق والتفاوض من أجل شروط جديدة بين الأطراف.
اقرئي أيضا: شفيعة الوكيل تشكل حواديت فنية بالفضة والأحجار الكريمة
شعار كوكو شانيل
مصدر الصورة
أما عن الرمز الشهير لماركة كوكو شانيل، فقد قامت كوكو بتصميمه بنفسها. وهناك أكثر من تفسير لهذا الشعار الذي يُقال أنه يرمز لحرف الـC وهو أول حرف من اسم المُصممة ولقبها. ويُقال أيضا أنه مستوحى من رسمة حرف الـC المُستخدمة في أحد القصور الملكية الفرنسية. أو أنه الحرف الأول من اسم شانيل والحرف الأول من اسم حبيبها وممولها Capel. ومهما كان التفسير وراء تصميم هذا الشعار فهو لا يزال واحدا من أقوى وأشهر شعارات الماركات منذ ظهوره لأول مرة عام 1925.
أزياء كوكو شانيل
مصدر الصورة
وفي نفس العام الذي ظهر فيه الشعار الخاص بكوكو شانيل، كانت قد أطلقت واحدا من أشهر تصاميمها وهو البدلة النسائية الشهيرة التي تتكون من سترة أو جاكيت بدون ياقة أو طوق، مع تنورة من نفس نوعية القماش، ومع الوقت تطورت تصاميم شانيل للملابس النسائية وأصبحت لا تمتاز فقط بأنها مُريحة ولكن بكونها أنثوية أيضا.. وفي عام 1932 اخترقت شانيل عالم المجوهرات وافتتحت معرض للمجوهرات مُخصص للألماس.
وبسبب الركود الاقتصادي الذي حدث في فترة الثلاثينات، تراجع بيزنس شانيل في عالم الأزياء وأثر كثيرا عليها. ولكن كان تأثير الحرب العالمية الثانية عام 1939 أقوى حيث اضطرها لإغلاق عملها تماما. وقد قيل أن شانيل كانت مرتبطة بضابط ألماني، وعلى إثر هذا الخبر تم اتهامها بالخيانة لبلادها فرنسا التي كانت مُحتلة من ألمانيا وسقطت عام 1940. ويُقال أنه تم اعتقال شانيل بهذه التُهمة، ولكن صديقها رئيس وزراء انجلترا تشرشل تدخل في الأمر واستطاع اخراجها. وسافرت بعد ذلك على البلد التي استقرت فيها حتى ماتت، سويسرا.
وبعد سفر كوكو شانيل لسويسرا، عاد شريكها Pierre والذي كان بينهما قضايا بشأن مبيعات عطر شانيل، من الولايات المتحدة الأمريكية لفرنسا لمتابعة أعماله، وبدلا من القضايا القانونية قرر أن يمنح شانيل 400 ألف دولار أمريكي، ونسبة 2% من جميع المنتجات، بالإضافة لحقوقها في بيع العطور في سويسرا ولكن بحدود. وبعد هذا الاتفاق قررت شانيل بيع حقوق اسمها لبيير، والتوقف عن إنتاج العطر في مقابل راتب شهري لها.
اقرئي أيضا: نور النمر مصممة أقمشة تؤمن بقوة الفن على التغيير
وفي عام 1953 عادت كوكو شانيل لباريس، وقد أصبحت ماركات أخرى مثل كريستيان ديور يُسيطر على الأزياء الراقية في باريس. فعادت شانيل للعمل مع بيير مرة أخرى، وتقديم النصائح التجارية والاستشارات المالية، في مقابل ذلك حصلت على حقوقها الكاملة في جميع المنتجات، بالإضافة لعلامتها التجارية شانيل. ونتاج هذا التعاون ظهر في ارتفاع اسم شانيل في عالم الأزياء مرة أخرى. وبعد ذلك بعامين في عام 1955، صممت شانيل حقيبة يُمكن للسيدات ارتداؤها على الكتف، كانت من الجلد ويُزينها حزام من السلاسل الذهبية بحيث يسمح طوله بأن تضع المرأة حقيبتها على كتفها. لقد كان هذا التصميم مثل الثورة في عالم الأزياء والإكسسوارات فقبل هذا التاريخ كانت النساء تُعلق الحقيبة على معصم يدها فقط.
أما الثورة الأخرى التي أحدثتها شانيل في عالم الأزياء فكانت تصميمها لفستان أسود بسيط وأنيق. نعم، ربما يبدو الأمر بالنسبة لنا الآن بديهي للغاية، ولكنه وقتها لم يكن كذلك. فقد كان اللون الأسود معروف بأنه يتم ارتداؤه فقط في المناسبات الحزينة. ولكن تصميم شانيل استطاع أن يجعل الفستان الأسود قطعة أساسية في خزانة كل امرأة تصلح للخروجات العادية في كل وقت.
وظلت كوكو شانيل تعمل وتُقدم الكثير من التصميمات المُميزة التي عُرفت بها هذه الماركة حتى وفاتها عن عُمر يناهرز 87 عاما في 10 يناير 1971 في شقتها في فندق ريتز في سويسرا. بعد أن عاشت حياة مليئة بالأحداث والدراما والنجاح في الكثير من الأحيان. وربما حياتها المُثيرة للجدل هذه هى ما دفعت الكثير من الكتاب وصناع السينما والمسرح أن يُقدموا أعمالا تتناول سيرتها الذاتية. وقد أُختيرت ضمن قائمة أهم 100 شخصية عالمية والأكثر تأثيرا في القرن العشرين.
ومازالت تصميمات شانيل تُعتبر أيقونة إلى الآن وبالطبع من أشهرها العطر الذي يحمل اسمها ورقم 5 بالإضافة لحقيبة شانيل الشهيرة والبدلة النسائية والفستان الأسود. فما تركته شانيل ليس مجرد ماركة ملابس، ولكنها قطع أصبحت تُعتبر مثل العلامات في عالم الموضة.
ومن أشهر أقوال كوكو شانيل:
- "كن أنيقا دائما فأنت لا تدري متى يصادفك الحب"
- "على المرأة أن تكون شيئين: أنيقة ورائعة"
- "يُمكنك أن تكون خلابا في الثلاثين، وساحرا في الأربعين، ومُغريا بشكل لا يُقاوم لبقية حياتك"
- "حتى لا يستطيع أحد استبدالك، عليكِ أن تكوني مختلفة دوما"
- "الأناقة عزيزتي هى أن تهتمي بجمال أفكارك كجمال ملابسك"
اقرئي أيضا: ديانا أميرة ويلز آسرة القلوب التي مزقت الأحزان روحها
الكاتب
دينا خليل
الجمعة ٢٧ ديسمبر ٢٠١٩
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا