ماجدة الرومي صوت ذهبي لبناني آمن بالوطن العربي
الأكثر مشاهدة
ابنة ضيعتها في لبنان، تربت على الموسيقى وصاحبتها النغمات منذ سنوات عمرها الأولى، حتى أضحت ماجدة الرومي المطربة اللبنانية صاحبة الشهرة الواسعة والمحبة الساكنة في قلوب المحبين داخل وطنها، والعالم العربي، وفي جمبع أنحاء العالم كذلك، بمسيرة فنية امتدت لأربعين عاما، لم تتخل فيهم عن ألقها وحضورها الواثق الهاديء، وصوتها الساحر الملائكي بخيوط من ذهب.
تعرفي على:
ماجدة حليم الرومي
في كفر شيما، الضيعة اللبنانية التي كانت تبُعد ما يقرب من 12 كيلومتر عن العاصمة بيروت، ولدت ماجدة حليم الرومي برادعي في 13 ديسمبر عام 1956، والدتها كانت ماري لطفي، التي كانت تعيش في مصر وتحمل جذورا فلسطينية، فكان أخوال ماجدة الرومي يعملون في هيئة قناة السويس، ويعيشون في بورسعيد والإسكندرية، لذا لم تشعر يوما أنها غريبة عن مصر.
أما الوالد فهو الموسيقار حليم الرومي، واحد من أهم الملحنين اللبنانين والعرب، ومِمَنْ كان لهم الفضل في ظهور واكتشاف كثير من المطربين العرب، وعلى رأسهم "فيروز"، كونه يحمل خبرة موسيقية متراكمة منذ صغره، عندما التحق بمعهد الموسيقى في حيفا بفلسطين بعد انتقال عائلته إليها، وعمل في إذاعة الشرق الأدني كمطرب وملحن وعازف.
انتقل حليم الرومي إلى مصر ليستكمل مسيرته الفنية، ويصقلها بمزيد من الخبرة والاحتكاك بالجماهير، فقدم الحفلات وبدأت شهرته، للدرجة التي جعلت المستمعون يرتبطون بصوته، وظل مشواره بين حيفا والقاهرة، وكان أول من لحن لأبي القاسم الشابي، وبعد زواجه في 1949، واستقراره في لبنان والعمل في الإذاعة اللبنانية، أشرف علىظهور وإطلاق عدد كبير من المطربين اللبنانين، وقدم ما يقرب من ألفي عمل فني، ويعتبر من أهم أعماله الخالدة تقديمه لـ "فيروز" إلى الأخوين الرحباني، قبل أن يرحل في نوفمبر عام 1983
نشأة ماجدة الرومي، مع أخواتها مها ومنى وعوض، داخل منزل ملحن كبير، جعل احتكاكها بالفن أسهل، وجزء من روتينها اليومي، عرّفها- منذ سنوات عمرها الأولى- على كبار الملحنين العرب من محمد عبد الوهاب، ودندنة أغنيات ليلي مراد وأسمهان، وما زالت تتذكر كيف كانت تقضي طفولتها بين جنبات ضيعة كفر شيما مع صديقاتها تلعب وتغني، وتعرف أنواع الشجر وتحفظ أسماء الزهر والورود.
ورغم أن والدها يعلم بموهبتها، وأن رايموند صدفي، ابن عمها، وصف صوتها بـ "الاستثنائي"، واعتبر أنها "يمكن أن تُحدث ثورة في عالم الغناء"، فأول تسجيل لصوتها الغنائي هو ترتيل بعنوان "ميلادك"، كان الأب متوجسا من دخول ابنته إلى الوسط الفني، ولكن قدرات صوتها الغنائية وإيمانها الشخصي بموهبتها جعله يتراجع عن رفضه، وبدأ يساندها ويدعمها، ويعزز حضورها في البرامج الفنية ويعرفها للجمهور، واكنه اشترط تفوقها الأكاديمي أولا.
وهي بعمر الـ 16، التحقت ماجدة الرومي عام 1974 ببرنامج المسابقات الغنائية الفنية استديو الفن، الذي يعد واحد من أشهر البرامج الفنية وتبني المواهب في لبنان والعالم العربي، وكان يقدمة تلفزيونلبنان وأدت خلال تقديمها أغنية ليلى مراد "انا قلبي دليلي"، التي كانت طريقها للحصول على المركز الأول، وكذلك حفاوة المتابعين وإعجاب المشاهدين، ولكن هذا لم يمنع حصولها على شهادة البكالوريوس في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية.
وفي أثناء سعيها نحو خطواتها الأولى في عالم الاحتراف الغنائي، نشبت الحرب الأهلية اللبنانية، التي أفسدت كل أشكال الحياة في لبنان، فتحولت البلد إلى ساحة للحرب غير محددة الأهداف، فقط القتل والتدمير هما الدافع، لينعكس ذلك على ماجدة الرومي، وهي تتلمس الطريق، ولكن جعل ذلك اولى أغنياتها الخاصة عن الوطن، فأطلقت في عام 1975 أغنية "عم بحلمك حلم يا لبنان" من كلمات سعيد عقل وألحان إلياس الرحباني.
ورغم ظروف الحرب، كانت ماجدة الرومي على موعد مع واحد من أهم محطاتها الفنية، والتي أثرت بشخصيتها وباتجاهاتها واختياراتها، ففي عام 1976، اختارها المخرج يوسف شاهين لتشارك في فيلمه "عودة الابن الضال"، ليصبح المخرج العالمي بمثابة معلم لها، رغم عدم استمرار التعاون الذي كان مقررا لها أن يشهد مشاركتها في أفلام أخرى، بسبب ظروف الحرب الأهلية، وتعتبره ماجدة الرومي "يوسف شاهين ليس اسم مرّ عبر حياتي، هو بقلبي وقاعد فيّ، ومؤثر بشخصيتي وإنسانيتي"، وتذكره يوميا في صلواتها.
في ظل الدمار والدم وفقدان المحبين، بسبب حرب نهشت لبنان ومزقته دون أن يعي أهله السبب الحقيقي وراء ذلك، كانت تكافح ماجدة الرومي كثيرا من أجل أن تصنع لنفسها مستقبل غنائي في كنف وطن تحبه وتتمنى له السلام، فتمكنت من إطلاق أول ألبوماتها الغنائية عام 1977، وعملت على التعاطي مع الأمر الواقع كما حاول آلاف اللبنانين، وتنشر السعادة والأمان بصوتها الملائكي.
رغم مرور عشرات السنوات، بقيت ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) تؤرق حياة اللبنانين، وتفسد عليهم رغباتهم في النجاة بوطن يجمعهم جميعا دون اعتبار للاختلافات عرقية ودينية، وهكذا تتمنى دوما ماجدة الرومي "كنت أتمنى الحفاظ على لبنان مثل ما أعرفه، حلو ووديع وإنساني"، وتعتبر أن لها ثأر مع هذه الحرب التي "أخذت منّا أشياء ما راح أغفرها"، مؤمنة أن السنوات التي ضاعت من عمر لبنان واللبنانين كان يمكن لها أن تكون مختلفة "هدر لأعمار ما بتتعوض، سرقت منا غاليين ما راح يرجعوا، وأخذت سنين كان المفترض أن تكون سنين عمار لا دمار".
أجمل أغاني ماجدة الرومي
فنانة لم تركن إلى موهبتها، وصوتها الفريد، فظلت محتفظة بألقها "الصوت بتتركيه يوم، بيتركك عشرة"، وحرصت على التدريبالمستمر والتعلم، ولم تتخل، رغم خبرتها، عن تمارين الظهور على المسرح والاهتمام بأدق تفاصيل كل حفلة وكل عمل فني تقدمه للناس "بدي أحسن تمثيل البيت اللي ربّاني"، فهي نجمة تحترم جمهورها، وتحرص على أن تستعد له.
بالنسبة لها، كان عبد الحليم حافظ هو المطرب المفضل، الذي كانت تتمنى أن تسجل أغنياته، خاصة "رسالة من تحت الماء"، ولكنها استطاعت أن تقدم أغنياتها بأسلوبها الخاص المنفرد، وتمتع بها جمهورها، فعلى مدار 40 عاما، قدمت ماجدة الرومي 13 ألبوم، كان أولها خدني حبيبي عام 1977، وآخرها غزل عام 2012.
ومن أكثر الأغاني التي قدمتها قيثارة السماء وأحبها جمهورها،"كلمات" من شعر نزار قباني وألحان إحسان منذر، و"كن صديقي" من كلمات سعد الصباح وألحان عبدو منذر، و"عم بحلم" تأليف إيليا أبو شديد وألحان نور الملاح، "اعتزلت الغرام" كلمات ماجدة الرومي ونزار فرنسيس وألحان ملحم بركات، "العصفورة" كلمات جوزيف أبي ضاهر وألحان إحسان المنذر،"سلونا" كلمات الأخوين الرحباني ألحان والدها حليم الرومي، "ضوي يا قمر" كلمات وألحان زكي ناصيف، "غنوا معي" كلمات حبيب يونس وألحان جمال سلامة، "سمراء النيل" كلمات جوروج جرداق وألحان إيلي شويري، "طوق الياسمين" كلمات نزار قباني وألحان كاظم الساهر، غير غنائها لكثر من 40 أغنية منفردة
على الصعيد الشخصي، تزوجت ماجدة الرومي من انطوان دفوني عام 1979، وأنجبت منه ابنتيها هلا ونور، ولكن حدث الطلاق، الذي يزعم كثيرون ان سببه خيانة دفوني لزوجته، في عام 2003، ولم يعد هو مدير أعمالها بل تولى أخوها عوض هذا الأمر.
ونالت ماجة الرومي عن مشوارها الفني عدد من التكريمات والجوائز، فتم منحها الدرع الوطني للأرز برتبة فارس من رئيس الجمهورية اللبنانية عام 1994، كما حصلت على درع من الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1993، وأهدتها الملكة الأردنية نور الحسين درع التكريم عام 2002.
"بدي هالحياة أعبرها بشجاعة" تؤمن ماجدة الرومي بوطن عربي حر، وتحلم بسلام وإنسانية للجميع. وتسعى، رغم تجربتها السينمائية الوحيدة، أن تتاح لها فرصة التمثيل مرة أخرى، متمنية أن تقدم شخصية الكاتبة مي زيادة، الأديبة والكاتبة الفلسطينية اللبنانية، فماجدة الرومي تعشق الأدب والشعر وتعيش بين الكتب، وتتذوق قصائد الفصحى والعامية وترددها دوما في ذهنها، وقال عنها الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي "ماجدة الرومي عقلها وطن، وقلبها مفروش نعناع".
اقرئي أيضا:
سناء جميل صاحبة الأداء الاستثنائي والحياة الصعبة
الكاتب
احكي
الأربعاء ١٢ فبراير ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا