عزة فهمي مصممة حلي وصلت للعالمية بالتراث المحلي
الأكثر مشاهدة
"الحب.. الشغف.. الإيمان" ثلاثية النجاح التي اتكأت عليها عزة فهمي، فصنعت منها إمبراطورية ومجد استمر على النجاح على مدى خمسين عاما، لتكون واحدة من رائدات تصميم وصناعة الحلي والمجوهرات في مصر والشرق الأوسط، لتترك بصمتها واضحة على كل قطعة حلي وكأنها عمل فني خلدت من خلاله تراث وحضارة عاشت لآلاف السنين، لتكون علامتها التجارية "إعادة إحياء للثقافات القديمة والتراث منذ 1969".
اقرئي أيضا: سارة بهاء مصممة تخطط لمنهج باسمها تطوف به العالم
عزة فهمي مصممة الحلي
لم يكن الطريق سهلا، فرغم حبها الواضح للتصميم وموهبتها المتفردة، قررت عزة فهمي أن تصنع لنفسها طريقا مختلفة، لا يعتمد فقط على روعة التصميم ولكن يربطه بالناس، ويجعلهم يحبونه وينتشر بينهم، دراستها الأولى كانت للتصميم الداخلي، وحصلت فيه على درجة البكالوريوس، ثم قررت أن يكون لموهبتها فرصة أكبر، وبدأت في أن تفكر في التدرب على الصناعة والتصميم بشكل عملي.
داخل ورة الحاج سيد بمنطقة خان الخليلي، لتعلم مباديء المهنة، كانت أولى خطوات عزة فهمي نحو مشوار طويل صنعت كل تفاصيله باهتمام وحب وثقة، فكرّست وقتها إلى جانب وظيفتها الحكومية للتعلم وإتقان استخدام يديها في صنع قطع حلي دقيقة، ورغم أنها كانت السيدة الوحيدة من بين عشرات العاملين في الورشة، ومع ظروف العمل التي قد تمتد لساعات طويلة، لم تتراجع عزة فهمي يوما.
لعامين، ظلت عزة فهمي تتدرب في ورشة خان الخليلي، كأحد أكبر الأماكن المتخصصة في صناعة الحلي في مصر، ولكنها كانت تبحث عن شغف ما، وطريق تمهده بنفسها وتتميز به، "كنت قاعدة في الورشة، ويوم شوفت مجموعة الناصر قلاوون، وفكرت ليه شغل العمارة اللي على القباب ميكونش موجود على المجوهرات".
وفي ظل سعيها وبحثها المستمر، عن الطريق الذي يناسبها ويحقق حلمها، كانت عزة فهمي مهتمة بالتطلع والقراءة المستمرة، وخلال زيارة لمعرض القاهرة للكتاب في نسخته الأولى، حيث كان هناك فقر في المراجع والكتب والدوريات المتعلقة بتصميم الحلي وصناعته، وقعت يد عزة فهمي على كتاب ألماني عن الحلى الأوروبية في القرون الوسطى "اول ما مسكته، عرت أن هو ده الليأنا عاوزة أعمله"، ورغم ارتفاع ثمنه وقتها (17 جنيها) في حين كان راتبها 19 جنيها، وأنها لا تعلم شيء عن الألمانية، اشترت عزة فهمي الكتاب.
"كنت عارفة أنه هيغير لي حياتي" وهو ما حدث بالفعل، فمنذ تخرجها كانت عزة فهمي متخبطة قليلا، حتى أدركت أنها تريد تصميم الحلي وتنفيذها، ومن خلال المجلس الثقافي البريطاني، تمكنت عزة فهمي من الحصول على زمالة دراسية في المملكة المتحدة، في واحد من أهم معاهد تصميم الحلي والمجوهرات، وذلك في الفترة بمنتصف سبعينيات القرن الماضي، فتعلمت حرفة المجوهرات في معهد سيرجون كاس بوليتكنيك في لندن، لتعود إلى القاهرة بفكر أوسع وآفاق منفتحة على ثقافات مختلفة، وقدرة ومهارة يدوية متقنة.
أطلقت عزة فهمي علامتها التجارية، وافتتحت أول مقر يحمل اسمها في عام 1981، ورأت أن الحلي التي تقوم بصناعتها يجب ان تحمل رسالة، واعتبرات أن التراث المصري أفضل مصدر للإلهام والطريقة المثلى لوصول الرسالة "أعتقد أني محظوظة بأني موجودة في هذه البقعة في العالم، فكل ما حولي يوحي بالجمال..والفنان محتاج يترجم العناصر الجميلة في شكل معاصر".
موديلات عزة فهمي
من التراث المحلي المصري، الذي يزخر بكثير من الحضارات بداية من الفرعونية والنوبية، وحقبة المماليك ونقوشها الإسلامية، وحتى الفترات المعاصرة، قررت عزة فهمي أن تستلهم وتحكي وتعبر بقطع حلي تجمع بين نقوش الحاضر وتحمل روح معاصرة، وعلى هذا المنوال قدمت مجموعات وتشكيلات مختلفة من الحلي والمجوهرات، التي جمعت فيها الذهب والفضة، والتاريخ أيضا.
استندت عزة فهمي، منذ بدايتها عام 1969، على هويتها المصرية فنقشت خطوط تعبر عن هذه الثقافة بتغيراتها على مرّ العصور، فآخر مجموعاتها كانت مأخوذة من الحقبة المملوكية، التي تحمل روح القاهرة الإسلامية بنقوشها المميزة، وتذكر كيف كان الكاتب الراحل جمال الغيطاني سبب في لفت انتباهها إلى العمارة الإسلامية، فدرست تاريخ هذه الفترة وعكفت على زيارة باب الوزير والدرب الأحمر، لتتمكن من غنتاج تصميمات مميزة ومعاصرة، وأهدت روح جمال الغيطاني إحدى قطع الحلي بكلماته "لم تكن هجرتي لا منيّ وفيّ وإليّ، فلم يكن رحيلي إلا بحثا عني".
وقبلها، كانت أعمالها ترتكز وتتأثر بكثير من الثقافات، فقدمت المجموعات النوبية والإفريقية، ومجموعة الحضارة الفرعونية، التي تعتبر "نخ بت" واحدة من قطع الحلي المميزة بها، وظلت عزة فهمي تعمل مع فريقها لما يقرب الثماني سنوات من أجل الوصول إلى تصميمات فرعونية متفردة، تعبر عن الحضارة المصرية القديمة ولا تقدم نسخ منها، فاستغرقت سنوات في البحث والقراءة والدراسة والاستفادة من خبرة علماء مصريات، وزيارة المتاحف المصرية والعالمية.
وهكذا الحال مع كل تصميم، لا تتوقف عزة فهمي عن الاطلاع والإلمام الدقيق بالتفاصيل، فتزور الأماكن الأثرية، وتصور واجهات البيوت وتتابع ملابس النساء والنقوش على جدران المنازل، وتبحث بين صفحات المراجع والكتب التاريخية، ولا تتوانى يوما عن الدراسة والتعلم المستمر، حتى تأتي بصياغة جديدة وترجمة معاصرة بوجهة نظر فنان لكل ما تراه، فيصبح عملها الفني تعبير حقيقي عن التفرد والجمال، الذي يحب كثيرون ارتداءه واقتناءه.
عملت عزة فهمي أيضا في تصميم حلي الأعمال السينمائية، فكانت أولى مشاركتها مع الفنان ناجي شاكر في تصميم الحلي والمجهورات بفيلم "شفيقة ومتولي"، وهو ما جعل يوسف شاهين يرغب في ان تصمم الحلي بالأعمال التاريخية المميزة التي قام بإخراجها، فشاركت بتصميمياتها في فيلمي "المهاجر" و"المصير".
ومن مصر، انطلقت عزة فهمي تعبر عن الثقافة العربية، التي تحبها، كونها قارئة جيدة للأدب والشعر العربي، فاقتربت من حضارات شمال إفريقيا والشام، ونقشت كلمات الشاعر اللبناني جبران خليل جبران في مجموعة تحمل اسمه، وأهدت لمحبي أم كلثوم قطع من الحلي والمجوهرات بحروف من قصائد وأشعار غنتها.
وعلى مدار هذا المشوار، تمكنت من خلال فريق عمل مجتهد، أن تنتشر في الأسواق المحلية والعالمية، فالبداية التي كانت عبارة عن ورشة في منطقة بولاق تضم مجموعة من العمال، توسعت لتصبح مصنع كبير يعمل به أكثر من مائتي شخص، وتديره ابنتها فاطمة غالي، المدر الإداري لعلامة عزة فهمي التجارية، في حين تتولى ابنتها الثانية أمينة غالي ما يتعلق بالتصميم، خاصة، مع دراستها واهتمامها بصناعة الحلي، مما يجعلها تضيف لتصميمات والدتها روح معاصرة، وفي عام 2016 تم إدراجها في قائمة "أفضل 100 من مصممي الحلي المحترفين" في بريطانيا.
اقتحمت علامة عزة فهمي التجارية الأسواق العربية والأوروبية، فمنذ البداية كانت تدرك هدفها وسعت له، فاشتركت مع بيوت الأزياء العالمية، ومصممين الأزياء العالميين، فكانت مجوهراتها حاضرة في أسبوع الموضة في لندن عام 2006، كما تمكنت من الاشتراك في أسبوع الموضة في نيويورك عام 2010، غير أنها عكفت على تصميم مجموعة خاصة حملت اسم "الحج: رحلة إلى قلب الإسلام" في أوائل عام 2012 ليتم عرضها في المتحف البريطاني، وارتدى تصميماتها فنانات عربيات وعالميات مثل يسرا وريا أبي راشد وجوليا روبرتس، والمغنية جوس ستون، وريهانا.
في 2019، مرّ خمسون عاما على علامة عزة فهمي التجارية، تمكنت من خلالها أن تخلد الحضارة المصرية والعربية في مجموعات من الحلي والمجوهرات المتفردة، وواشتركت في 200 معرض حول العالم، وفتحت لنفسها أسواق ومتاجر في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، مؤكدة أن الأمر يعتمد على "الشغف والحب والإيمان"، وكذلك الجهد "الدخول في تجربة تحويل عناصر مباني، حجر منحوت، رخام مشغول، تكوينات معمارية إلى حُلي تلبسها الناس، أخذ وقت وتجارب فنية وتقنية من فريق مدرب".
مدرسة عزة فهمي
توسعت دائرة اهتمامات عزة فهمي من الرغبة في تصميم الحلي والمجوهرات إلى الاهتمام بالحرفة، فتمكنت في عام 2013 وبالتعاون مع مدرسة التصميم المعاصر في فلورنسا بإيطاليا، من الحصول على منحة من الاتحاد الأوروبي بقيمة 18 ألف يورو، وإنشاء مدرسة تحمل اسم The Design Studio، حتى تتمكن من نقل خبرتها إلى الطلاب والمهتمين بتصميم الحلي، عبر خبراء إيطاليين وورش عملية.
أرادت عزة فهمي أن تمنح الفرصة لآخرين من أجل تنمية مهاراتهم، وأن تخلق جيل جديد مبدع ومهيء للتصميم والتسويق، وأخضعتهم في رحلة للنوبة بأسوان يتعرفون على الثقافة عن قرب، واعتبرت أن مدرستها فرصة لكثيرات "لقيت مجموعة كبيرة من الفتيات اللي بيبدأو حياتهم محتاجين يشتغلوا في مهنة يحبوها، فحبيت أقدم لهم الفرصة، وأساهم بشكل ولو بسيط لإنماء المجتمع".
ما قدمته عزة فهمي، كرائدة في صناعة الحلي، لم يتوقف عند إنتاج مميز لقطع فنية مبهرة، ولكنها أضحت بذاتها وعلامتها التجارية علم ومنهج، وتركت خبراتها في تقديم كتابي "مجوهرات مصر الساحرة" عام 2007، وكتاب "المجوهرات التقليدية لمصر" عام 2015، متمسكة دوما بالتراث ومحبة لانتمائها لحضارة وبلد اعتبرت أن "النخيل" رمزه كالنيل، واعتادت لسنوات أن توقع علامتها التجارية باسمها وبجانبه نخلة.
اقرئي أيضا:
فريدة عثمان فراشة فرعونية حطمت الأرقام القياسية
الكاتب
احكي
الجمعة ١٤ فبراير ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا