سعدية مفرح سفيرة الشعر الكويتي المتحررة من كل قيد
الأكثر مشاهدة
استطاعت الكاتبة والشاعرة الكويتية سعدية مفرح أن تصنع لنفسها مدرسة خاصة، لا تلهث فيها وراء قضايا كبرى شغلت مثقفين وكتاب سابقين، ولكن عبرت من خلال قصائدها عن نفسها بلغة عربية فصيحة، ورأت في الشعر حياة وروح يمكنها أن تغير العالم، ونجحت بدواوينها أن تكون سفيرة الشعر الكويتي.
اقرئي أيضا: ثريا قابل صاحبة أول ديوان نسائي في المملكة
سعدية صابر مفرح
جذور بدوية قبلية تنتمي لها سعدية صابر مفرح، فهي ابنة مدينة الجهراء، التي ولدت بها في 21 مارس عام 1964، لتكون البنت الوحيدة بين عدد من الإخوة الرجال، وتعتبر أن نشأتها في منزل يتحدث شعرا، جعلها محظوظة، فأصولها البدوية تحتم أن يكون الشعر جزء من حياتها اليومية، وفي منزلها كانت الجدة والعمة تقولان الشعر النبطي الشعبي، وكانت هي منذ كانت في العاشرة من عمرها مطلعة على أعمال الشعراء والمثقفين وتقرأ لأبي الطيب المتنبي.
منذ كانت في المرحلة الابتدائية عملت على نظم الشعر والخواطر، كما كانت مهتمة بمجموعات الكتابة الصحفية في المدرسة، ولكنها أرادت أن تدرس علم النفس في المرحلة الجامعية، وبالفعل، التحقت بقسم علم النفس في الجامعة، ولكن بعد نصيحة من أحد الأساتذة، درست بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها، ولكنها شعرت أنها غريبة في هذا القسم، فتأكدت أن اللغة العربية هي عالمها، وفي عام 1987 حصلت على شهادتها من جامعة الكويت في قسم اللغة العربية والتربية.
"المهنة الوحيدة التي يسمح بها الأهل بعد التخرج، كانت التدريس" حيث لا فرصة للاختلاط، وهنا كانت مواجهة سعدية مفرح مع عائلتها، فاختارت أن تتجه نحو الصحافة التي كانت تعمل بها في مراحل الدراسة الجامعية، وتشترك في كتابة التحقيقات والأخبار وإعداد الملفات بالصحف التي تصدر عن الجامعة، ولكن كان صعبا على أسرتها تقبل الأمر، لولا مساندة أشقائها لها.
في عام 1988، عملت سعدية مفرح كمحررة ثقافية في جريدة الوطن الكويتية، بتشجيع من أستاذها في الجامعة الدكتور أحمد الربعي، الذي نشر لها من قبل أولى قصائدها وأثنى على موهبتها الشعرية، واستطاعت بدعمه وتشجيع أخواتها أن تستمر في العمل الصحفي الذي فتح لها الباب أمام عالم النشر.
"عملي بالصحافة هو افضل قرار اتخذته بحياتي" فكان فرصة للتعرف على الشعراء والأدباء والمثقفين، وهو ما كان حلما في خيالها ودربا من المستحيل أن يتحقق، ولكنها تمكنت منه عندما تخصصت في الكتابة للشئون الثقافية، واستطاعت أن تحضر الفعاليات الأدبية، الأمر الذي زودها بالخبرة والمعرفة.
وقبل أيام قليلة من الغزو العراقي للكويت عام 1990، أصدرت سعدية مفرح أول دواوينها، الذي حمل عنوان "آخر الحالمين كان"، الذي لم تتمكن من توزيعه والاحتفاء به بسبب ظروف الغزو، واعتبرت أنه "قُتل"، وما زالت في حيرة من أمرها إلى الآن عن مصدر الشجاعة و"الغرور" الذي جعلها تنشر هذا الديوان دون أن يراجعها أحد "أستغرب إلى الآن كيف أقدمت على هذه الخطوة".
انتقلت بعدها سعدية مفرح إلى جريدة القبس، التي تولت من خلالهل مهام أكبر، وطلبت حينها من رئاسة التحرير أن يكون لها مكتبها الخاص، الذي اكتشفت فيما بعد أنه كان مكتب الشاعر العراقي أحمد مطر، ومعه رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي.
بعملها الصحفي، وصدور أول الدواوين الشعرية لها، نسفت سعدية مفرح الصور الذهنية للمرأة البدوية المغلوطة، ومن خلال كتابها "أسطورة زرقاء بكحل أسود"، الصادر عام 2017، تناولت الكتابات الشعرية للمرأة في القرن العشرين وكيف كانت تتناول قضايا جريئة، من خلال الاطلاع على تجارب ما يقرب من 50 شاعرة بدوية عبرن بحرية وإبداع عن أفكارهن، كما اهتمت بكتابة الشعر للأطفال، وصدر لها مجموعة شعرية للأطفال بعنوان "النخل والبيوت" عن مجلة العربي الكويتية.
قصائد سعدية مفرح
إلى جانب عملها الصحفي، ومتابعتها النقدية للأعمال الأدبية، نشرت سعدية مفرح عددا من القصائد والدواوين، تعتبر الأقرب منها إلى قلبها قصيدة "تغيب.. فأسرج خيل ظنوني"، التي كتبتها في أثناء الغزو، وتذكر ملابساتها حين لجأت إلى القلم والورقة كنوع من الهروب في أثناء التواجد بملجأ تحت الأرض وقت القصف، فكتبت:
تغيب
فتمضي التفاصيل هذي التي نجهل كيف
تجيء نثيثاوكيف تروح حثيثا تغني
كسرب قطا عالق في شراك النوى فتجتاح
صمتي هذا الغريب المريب، تغالب وجدي
وفي عام 1994، أصدرت ديوان يحمل نفس اسم القصيدة، وعن الهيئة المصرية العامة للكتاب أصدرت في عام 1997 ديوانها "كتاب الآثام"، ثم ديوانها "مجرد مرآة مستلقية" عام 1999، الذي تناولت من خلاله كثير من القضايا التي لها علاقة بالحياة والإنسان، من الفقد والصداقة والحب، وقالت في واحدة من أبرز قصائد الديوان عنوانها "غيابات مأهولة بالموت":
في البيوت التي لا أبواب لها ولا نوافذ ولا حدائق ولا حتى عناوين واضحة
نرحل إذن لا نلوي سوى على
غصة موزعة بغير عدل بيننا
وبين الذين بقوا
وفي 2006، أصدرت سعدية مفرح ديوانها "تواضعت أحلامي كثيرا"، الذي أحدث صدى وشعبية جيدة، خاصة، على مستوى العالم العربي، تبعه ديوان "ليل مشغول بالفتنة" عام 2008، وكتاب "وجع الذاكرة" عام 2010، الذي قامت فيه بتجميع القصائد التي كتبت عن فلسطين، مع تعريف بكل شاعر، كما أصدرت كتابها "شهوة السرد" عام 2010، وهو يتضمن رؤاها النقدية، و"سين.. نحو سيرة ذاتية ناقصة" وهو كتاب تحاول الإجابة فيه عن تساؤلات شغلتها وشغلت قرائها، صادر عام 2011، ويعتبر آخر دواوينها هو "مشاغب وأنيق" الصادر عام 2015، وكانت قد جمعت بعض من دواوينها الشعرية في كتاب "مشية الأوزة".
تمت ترجمة قصائد سعدية مفرح إلى أكثر من لغة، منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والفارسية أيضا، وهي القصائد التي اهتمت من خلالها أن تكتتشف ذاتها معتبرة أن الشعر هو طريق لخلاص العالم، وأن الإنسان بكل تفاصيله وعواطفه وتناقضاته هو أكثر شيء جدلا، فهو دائم ملهمها في كل أعمالها، التي ركزت أن يكون لها فيها صوتها ومدرستهاالخاصة متحررة فيها من كل طرق نظم الشعر.
نالت سعدية مفرح عددا من الجوائز، التي تشكر من منحوها إياها وتعتبرها تقديرا، ولكنها لا تهتم بها، فما تسعى له أن ترضى بما تكتبه وينال كذلك إعجاب القراء، وكانت حركة الشعر العالمي اختارتها كسفيرة للشعر الكويتي، كما اعتبرتها صحيفة الجارديان البريطانية ممثلة لدولة الكويت في خريطة الشعر العالمي.
اقرئي أيضا:
نشوى الرويني المرأة الفارسة التي قادتها الصدفة للإعلام
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ١٩ فبراير ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا