نازك الملائكة رائدة الشعر الحر الذي تخلت عنه
الأكثر مشاهدة
لم تكن تميل إلى ما هو تقليدي ومعتاد، حتى عندما قررت أن تنظم شعرا، أضحت نازك الملائكة رائدة في الشعر الحر، الذي تفردت به ودافعت عنه، متحدية مناهضيها، ومؤمنة أنه سيكون سبيلها لتغيير خريطة الشعر في العالم العربي، وهو ما قد كان، ولكنها عادت في أواخر أيامها إلى الشعر الكلاسيكي، وابتعدت في النهاية مفضلة العزلة.
تعرفي على: الأميرة فاطمة إسماعيل صاحبة الفضل المؤمنة بالتعليم
نازك الملائكة حياتها وشعرها
في بيت ملأ الشعر جنباته، وزخرت مكتبته بأمهات الكتب في الأدب والثقافة والتاريخ، ولدت نازك صادق جعفر الملائكة في مدينة بغداد في 23 أغسطس عام 1923، كأكبر أشقائها الأربعة، بعد أن منحها والدها اسمها تيمنا بـ "نازك العابد"، وهي ثائرة سورية قادت الحركة النسائية والنضال العربي وتحرير بلادها.
والدها هو صادق جعفر الملائكة الذي كان باحثا وأديبا، ومدرسا للغة العربية، وترك مؤلفات مهمة في الأدب، منها موسوعة "دائرة معارف الناس" المكونة من 20 مجلدا، أما والدتها سلمى عبد الرازق فكانت تكتب الشعر وتنشره بالصحف والمجلات تحت اسم مستعار "أم نزار الملائكة"، مما جعل تلقيها للشعر أكثر سهولة.
وكانت دوما ما تشبع شغفها بالقراءة من مكتبة والدها، فاستطاعت أن تكتب أولى محاولاتها في الشعر وهي في السابعة من عمرها، بعد أن أشبعتها والدتها من القصائد وأوزانها، وعملت على تحفيظها (علم العروض)، ولم يتوقف الأمر عند الأب والأم، فجدتها لوالدتها هي الشاعرة هداية كبة، وكان خال والدتها هو الشيخ محمد مهدي كبة، الذي قام بترجمة رباعيات الخيام.
في عام 1944، تخرجت نازك الملائكة من دار المعلمين العالية (ما يوازي حاليا كلية التربية)، ثم التحقت بعدها بمعهد الفنون الجميلة، الذي تخرجت منه عام 1949، بعد أن تخصصت في دراسة العزف على آلة العود بقسم الموسيقى، قررت بعدها أن تتخصص في دراسة الأدب واللغة العربية بشكل موسع، فقررت نيل درجة الماجيستير في الأدب المقارن المقارن من جامعة ويسكونسون- ماديسون الأمريكية، وتمكنت عبر زميل شاعر بريطاني من الحصول على زمالة بجامعة برينستون بولاية نيوجيرسي.
خلال فترة دراستها بالخارج، عملت نازك الملائكة على تعلم وإتقان اللغات الإنجليزية واللاتينية والفرنسية، وبعد عودتها للاستقرار في العراق، عملت نازك بالتدريس في جامعة بغداد، ومنها لجامعة البصرة، وأيضا جامعة الكويت، وفي أولى قصائدها اتبعت الشعر الكلاسيكي المعهود حينها، ذي الشطرين، أو الوزن، وأصدرت ديوانها الأول "عاشقة الليل" عام 1947، وتقول في القصيدة التي تحمل الاسم نفسه:
يا ظلام الليل يا طاوي أحزان القلوب
أنظر الآن فهذا شبخ بادي الشحوب
جاء يسعى تحت أستارك كالطيف الغريب
حاملا في كفه العود يغني للغيوب
ليس يعنيه سكون الليل في الوادي الكئيب
وفي يوم بعام 1949، وأثناء سماعها لأخبار الراديو، تلقت نازك الملائكة نبأ انتشار الكوليرا في مصر بحزن شديد، غير مصدقة أن يتلهم مرض حيوات الناس دونما حل، فنظمت أبياتا وأطلعت والدتها عليها، فقالت لها "ما هذا الوزن الغريب.. إن السطر غير متساوية وموسيقاها ضعيفة"، وسخر منها والدها، فأقسمت له حينها أن هذه الأبيات ستكون سببا في تغيير خريطة الشعر العربي، وقالت نزاك في قصيدتها "الكوليرا":
في كهف الرعب مع الأشلاء
في صمت الأبد القاسي حيث الموت دواء
استيقظ داء الكوليرا
حقدا يتدفق موتورا
هبط الوادي المرح الوضاء
يصرخ مضطربا مجنونا
لا يسمع صوت الباكينا
في كل مكان خلف مخلبه أصداء
في كوخ الفلاحة في البيت
لا شيء سوى صرخات الموت
الموت الموت الموت
وبسبب قصيدتها تلك، أحدثت نازك ثورة في أوساط المثقفين والأدباء، وبدأ كثيرون ينهالون على قصيدتها بكثير من النقد على شكلها وافتقارها للقافية وخروجها عن الأوزان الشعرية التي درج عليها العرب واعتادوها، لتكون بذلك أوائل الشعراء الذين اعتمدوا الشعر الحر أو شعر التفعيلة، وتكون صاحبة سبق وريادة، وانتهج كثيرون بعدها الشعر الحر في كتاباتهم وأعمالهم الشعرية.
استمرت نازك الملائكة في تقديم الدواوين والأشعار محاولة أن تعبر عن مشاعرها ومخاوفها، مهتمة بصنع شخصية لكلماتها وقصائدها، فضمت قصيدتها "الكوليرا" ضمن ديوانها الثاني "شظايا رماد" عام 1949، ثم قدمت ديوانها "قرارة الموجة" عام 1957، وديوان "شجرة القمر" عام 1968، وعام 1970، قدمت ديوانها "مأساة الحياة وأغنية للإنسان"، و"للصلاة والثورة"، وآخرها ديوان "يغير ألوانه البحر".
وإلى جانب أعمالها الشعرية، ساهمت نازك الملائكة في الحركة النقدية الأدبية، وفي كتابها "قضايا الشعر الحديث"، تناولت ألأعمال الشعرية، وعادت لتناقض دفاعها عن الشعر الحر الذي كانت هي أحد رواده، واعتبرت ان العودة للشعر الكلاسيكس أمر لا مفر منه، ليبدو غريبا أن تتراجع عن ما انتجته هي بالأساس.
وألفت نازك أيضا دراسة في علم الاجتماع بعنوان "التجزيئية في المجتمع العربي" عام 1974، وكتاب "سيكولوجية الشعر" عام 1992.
اقرئي أيضا: بثينة العيسى كاتبة كويتية تتمرد على الواقع
وفاة نازك الملائكة
تزوجت من الدكتور عبد الهادي محبوبة، وأنجبت منه ابنها البراق، بعد سنوات من العمل والتدريس، ومع حلول عام 1990، ضاقت نازك الملائكة بالعراق، واختارت أن ترحل منها إلى بيروت والكويت، حتى قررت في النهاية أن تستقر وتختار العزلة في مصر بالقاهرة، ولم تكن تحضر أي من الفعاليات الشعرية والثقافية واكتفت بالدور الذي أدته، وحتى فيالاحتفالية التي أقامتها دار الأوبرا المصرية عام 1999 بمناسبة مرور نصف قرن على الشعر الحر، وتم تكريمها بها، فضلت نازك عدم الحضور.
وإثر إصابتها بهبوط حاد في الدورة الدموية، توفيت نازك الملائكة في 20 يونيو عام 2007، عن عمر اقترب من الـ 84 عاما، لتترك تاريخا ارتبط بها، وإسهامات في الحركة الأدبية والثقافية استطاعت من خلالها أن تكتسب أهميتها كشاعرة في مجتمع لا يعترف باستقلالية المرأة.
اقرئي أيضا:
أحلام الشامسي ملكة الغناء الخليجي والتصريحات النارية
الكاتب
احكي
الثلاثاء ١٨ فبراير ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا