عائشة الشنا المغربية التي ناصرت قضايا المرأة العربية
الأكثر مشاهدة
نكتشف باستمرار الكثير من قصص الدعم المُلهمة في الكثير من القضايا. ولكن ربما أكثر قصص الدعم المليئة بالمشاعر الإنسانية والقوة معا هى دعم النساء للنساء. وعندما نتحدث عن دعم قضايا المرأة في العالم العربي لابد وأن نذكر واحدة من المؤثرات والناشطات الاجتماعيات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة. وهى المغربية عائشة الشنا، هذه السيدة التي أفنت عمرها في محاولة الدفاع عن المرأة وصحتها عموما والأمهات العازبات بصفة خاصة. تلقت الكثير من الهجوم ولكنها لم تتوقف يوما عن مساعدة هؤلاء النساء وتكريس جهدها لدعمهن. فما هى قصتها؟ إليكِ بطلة حكايتنا اليوم عائشة الشنا...
عائشة الشنا السيرة الذاتية
وُلدت عائشة الشنا في 4 أغسطس عام 1941 في الدار البيضاء في المغرب. ثُم انتقلت لتعيش مع أبيها وأمها في مراكش. ولكن تُوفي والدها وهى في سن الثالثة من عمرها عام 1945. وتقول عائشة في لقاء تليفزيوني إنها شعرت بدعم جميع من حولها لأنها يتيمة. بالإضافة لأنها تم تسجيلها في المدرسة الفرنسية ولم تشعر بأي نقص وقتها. تزوجت والدتها بعد وفاة أبيها، وعندما بلغت عائشة الشنا عمر الثانية عشر عاما، أراد زوج والدتها أن يجعلها تجلس في البيت وتتعلم الأعمال المنزلية بدلا من استكمال دراستها. ولكن والدتها رفضت ذلك وقررت أن تُدعم ابنتها لاستكمال تعليمها. وأرسلتها للدار البيضاء عند خالتها لتُكمل مسيرتها التعليمية.
وبعد فترة تطلقت أم عائشة الشنا وعادت للدار البيضاء لتعيش مع ابنتها وأختها. وصلت عائشة لسن الـ 16 عام، وبدأت في البحث عن عمل لأنها أرادت أن تستقل هى ووالدتها في بيت آخر. وبالفعل وجدت عملا في أحد المستشفيات وعملت سكرتيرة برامج أبحاث طبية لمرضى الجذاب والسل. ثُم حثها زُملائها في المستشفى على الالتحاق بمدرسة التمريض والحصول على دبلومة منها، وبالفعل نجحوا في أن تحصل عائشة على منحة لاستكمال دراسة التمريض، وخاضةت امتحانات مدرسة التمريض عام 1960، وحصلت بالفعل على دبلومة التمريض. وبعد حصولها على الدبلوم بدأت العمل في وحدة التعليم في وزارة الصحة، ثُم انتقلت لتكون منسقة لبرامج التوعية الصحية.
اقرئي أيضا: عزيزة جلال مطربة المغرب بحضور خاص ونجومية مختلفة
إنجازات عائشة الشنا
عُرفت عائشة الشنا بعملها التطوعي والخيري لسنوات طويلة، وكان بداية هذا العمل الخيري تأسيسها لجمعية حماية الطفولة والعصبة المغربية لمحارية السل، وذلك عام 1959. أما عام 1970، كان بداية عمل عائشة في إنتاج البرامج التليفزيونية والإذاعية المختصة بصحة المرأة، وخاصةً الأمهات. وقد قدمت أول عملا تليفزيونيا مختص بالتعليم الصحي.
أما عام 1985 فكان البداية الحقيقية للشنا كناشطة اجتماعية ومهتمة بحقوق المرأة وخاصةً "الأمهات العازبات"، حيث أسست "جمعية التضامن النسوي" وهى جمعية غير ربحية مُختصة بالعناية الاهتمام "بالأمهات العازبات" أو "النساء العازبات" وهن النساء اللاتي وقعن ضحايا للاغتصاب أو أصبحوا أمهات بطرق غير شرعية. وبسبب هذه الجمعية تلقت عائشة الكثير من الهجوم، وأُتهمت كثيرا بأنها تُساهم في إفساد المجتمع، وتُحاول أن تجعل الرذيلة والأفعال غير الشرعية أمر عادي ومقبول من المجتمع.
ولكن في مواجهة كل هذه الاتهامات لم تتوقف عائشة عن مشروعها أو تقديمها للمساعدة لهؤلاء النساء. فهدف الجمعية الرئيسي كان إعادة دمج النساء العازبات في المجتمع مرة أخرى ومساعدتهن على العيش بطريقة طبيعية، وتوفير جو آمن للأطفال لينشئوا في بيئة سليمة وصحية. وبالفعل استطاعت الجمعية أن تحصل على اعتراف رسمي من الحكومة وتم إشهارها عام 2002 كمنظمة رسمية غير حكومية. وقد حصلت أيضا على تبرع من الملك محمد السادس.
وفي عام 1996، نشرت عائشة كتاب بعنوان "البؤس: شهادات" وكان مثل تأريخ لحوالي 20 قصة لحالات تعاملت معهن عائشة أثناء عملها بالجمعية، وسردت قصصهن والتي كانت مأسوية للغاية.
اقرئي أيضا: لبنى العليان السعودية التي كسرت الحواجز وأثبتت نفسها
جمعية التضامن النسوي
عائشة الشنا هى رئيسة جمعية التضامن النسوي والتي أسستها عام 1985 كما ذكرنا. وبسبب هذه الجمعية وفكرتها في دعم النساء العازبات، واجهت عائشة الكثير من التحديات والانتقادات. تقع الجمعية في حى النخيل في الدار البيضاء. وتهدف الجمعية ليس فقط لمساعدة النساء العازبات، ولكن لإعادة تأهيلهن للانخراط مرة أخرى في المجتمع، سواء النساء اللاتي أنجبن في إطار غير شرعي، أو ضحايا حوادث الاغتصاب. وترفض عائشة مصطلح النساء العازبات أو الأطفال أولاد الشوارع أو غيره من المصطلحات التي تجعل الأمهات والأطفال متهمين، وتُفضل مصطلحات مثل "النساء المتخلى عنهم" أو "النساء في وضعيات صعبة" ونفس المصطلحات بالنسبة للأولاد.
تُقدم الجمعية المساعدة للتأهيل النفسي لهؤلاء النساء، وكذلك تُساعدهن في تسهيل الإجراءات القانونية والإدارية لتسجيل الأطفال في الحالة المدنية، بالإضافة للمساعدات الاقتصادية بالتأكيد. ولا تكتفي الجمعية بمجرد دعم النساء في هذه المجالات، ولكنها تعمل على تدريبهن أيضا على مهارات مختلفة مثل الخياطة والطبخ وتربية الأطفال بشكل صحيح، وغيرها من المهارات التي تؤهلهن للعمل في مجالات مختلفة ليستطعن مواجهة الحياة والتأقلم مع المجتمع. وتتكلف كل سيدة أكثر من 3000 درهم مغربي، يتم صرف المبلغ على تجهيزات واحتياجات الأماكن المُخصصة لاستقبال أطفال هؤلاء السيدات. بالإضافة للخامات التي يحتاجوها لتعليمهم الحِرف والمهارات وغيرها من المصاريف. وتعتمد الجمعية في مواردها على مكسب المطعم الذي افتتحته الجمعية للزوار عموما. بالإضافة للمساعدات والمنح التي تتلقاها الجمعية.
لا يتوقف نشاط الجمعية عن ذلك، ولكنها تعمل أيضا على تحذير النساء من مخاطر العلاقات غير الشرعية وتوعيتهن بخطورة هذا الأمر وتوابعه التي تُضرهن بشكل مباشر. وبالرغم من أن الجمعية لا تدعي بأنها تُقدم حلول جذرية لهذه المشكلة، ولكنها تُحاول أن تُنقذ وتُصلح ما قد تم. فبالإضافة لمحاول دمج النساء المتخلى عنهم في المجتمع، تُحاول الجمعية أن تجعل الآباء يعترفون بأبنائهم لتسجيلهم في الحالة المدنية، وبالفعل في عام 2005 اعترف 68 أب بأطفالهم، حتى أن 17 من هؤلاء الآباء لم يكتفوا فقط بالاعتراف بل قرروا الزواج من أمهات هؤلاء الأطفال. بينما اكتفى 51 بالاعتراف بأبنائهم فقط. مما يعني أن الجمعية تقوم بدور مؤثر وقوي في المجتمع وتُحاول الإصلاح بشكل جذري.
وعن فكرة الجمعية والاتهامات التي تُوجه لها، ترى عائشة الشنا أن المغرب مازال مجتمع عربي مسلم ولا يُمكن مقارنته بالمجتمعات الغربية والمطالبة بالحرية المطلقة في جميع الأفعال، ولكن ما دفعها لإنشاء هذه الجمعية هو أنها ترى الكثير من هؤلاء النساء ما هن إلا ضحايا، سواء للزواج المبكر أو الاغتصاب أو حتى وعود الزواج الواهية التي على أساسها تتم علاقة غير شرعية خارج إطار الزواج. لذلك فعائشة لا تُدعم فكرة وجود علاقات غير شرعية، ولكنها تُحاول التعامل مع المشكلة التي بالفعل تحدث، وهى تُحاول من خلال الجمعية توعية النساء بمخاطر هذه العلاقات. وفي الوقت ذاته تتحمل المسئولية الاجتماعية بتأهيل من تعرضن بالفعل لذلك وإعادة دمجهن في المجتمع.
اقرئي أيضا: غادة جمشير ناشطة بحرينية اعتقلت بسبب المرأة
جوائز عائشة الشنا
حصلت الشنا على العديد من الجوائز لجهودها في مجال خدمة المجتمع واسهاماتها للإصلاح وحماية حقوق النساء والأطفال. ففي عام 1995 حصلت على جائزة حقوق الإنسان من باريس. وفي عام 2000 وحتى قبل الاعتراف بجمعيتها كمؤسسة غير حكومية، منحها الملك محمد السادس ملك المغرب وسام الشرف. وحصلت على جائزة إليزابيث نوركال من نادي النساء العالمي بفرانكفورت عام 2005. أما في عام 2009 كانت أول مسلمة تحصل على جائزة أوبيس للأعمال الإنسانية الأكثر تميزا بقيمة مليون دولار، وقالت عائشة عن هذه الجائزة أنها ستستغلها لصالح الجمعية وستضمن استمرار الجمعية حتى بعد وفاتها. وحصلت عام 2013 على وسام جوقة الشرف من درجة فارس من فرنسا.
مازال هناك الكثير من المشاكل وإهدار الحقوق تواجهه النساء في الوطن العربي، ولكن الشىء الإيجابي هو وجود نماذج مثل عائشة الشنا، تسبح دائما ضد التيار لمواجهة الظلم ومحاول الإصلاح بخطوات فعلية وليس بمجرد شعارات.
اقرئي أيضا: شميشة الشافعي سفيرة المطبخ المغربي في الوطن العربي
الكاتب
دينا خليل
السبت ٠٧ مارس ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا