نادين لبكي وجه سينما لبنان التي انطلقت بها للأوسكار
الأكثر مشاهدة
هل كانت تتخيل نادين لبكي، وهي تحكي لوالدها "أنا هأروح على كان" أنها ستفعلها حقا؟ يبدو من شخصيتها أنها كانت على علم، فيبدو أن ثقتها بقدرتها على المثابرة والإصرار، إلى جانب إيمانها بأن أحلامها ستتحقق جعلت "مهرجان كان" واقع عاشته بكل فخر وهللت بـ "زغروطة" لحدوثه، ليأتي بعده "الأوسكار"، بعد أن كانت البداية "فيديو كليب".
تعرفي على: سناء جميل صاحبة الأداء الاستثنائي والحياة الصعبة
عن نادين لبكي
في منزل أب محب للسينما والفن، وكان يرغب في أن يمتهن الإخراج، وأصول تعود إلى جد يملك صالة سينما، نشأت نادين لبكي في مدينة بعبدات بمحافظة جبل لبنان، حيث ولدت في 18 فبراير لعام 1974، ومنذ الطفولة نبت الحلم بأن تعمل في السينما تصنع الأفلام وتوثق حياة الإنسان، من حكايات الوالد عن مشاهدته للأفلام في سينما فقيرة بمدينته، وعشقه للصورة، واستمتاعه بالحضور في صالة العرض كي يشم رائحة الأفلام، كما كان حريصا على شراء كامثيرا سجل بها لحظات أبنائه وطفولتهم
رغم أنها ندمت على أنها تعثرت في خطواتها قليلا في البداية، كونها شهدت خطوات مرتبكة، فكانت ضائعة كأغلب الشباب تائهة تستكشف نفسها، وتتعرف إلى هدفها الحقيقي، أدركت نادين لبكي أنها تريد أن تكون ملتصقة بما له علاقة بالتصوير والتمثيل والإضاءة ونقل واقع أو خيال إلى جمهور يتذوقه ويرى نفسه في تفاصيله، ونجحت في سنوات قليلة أن تتميز، وتجعل لاسمها وقعٌ مختلف.
لم تتشتت طويلا، فاتخذت طريقها الدراسي نحو ما تريده، وعلمت أنها ستحقق ما عجز والدها عنه بسبب ظروفه المادية، فالتحقت بجامعة القديس يوسف ببيروت، ودرست الإعلام، وفي عام 1997، أخرجت أول فيلم لها "11 شارع باستير"، الذي كان مشروع تخرجها من الجامعة، ومنحها نجاحه أول جائزة تحصل عليها، بعد أن صُنف كأفضل فيلم قصيرفي حفل السينما العربية في المعهد العربي العالمي.
المخرجة نادين لبكي
فهمت نادين لبكي أن شغفها هو السينما وصناعتها، فقررت أن تكون صاحبة موهبة، ولديها علم تتكيء عليه بالتعرف على ظروف كل صناع الفن السابع، فخضعت لورشة تمثيل عام 1998 بمدرسة الدراما الفرنسية بباريس، وعادت بعدها لتتجه إلى صناعة الفيديو كليب والإعلانات، وهي موقنة أنهما بداية الطريق نحو الأفلام.
"كنت بتعامل مع كل فيديو كليب على أنه فيلم قصير"، فأخرجت لعدد من نجوم الفن والغناء، بعد مشاركتها في برنامج "ستديو الفن" وقيامها بإخراج فيديو كليب "حبيبي يا" لطربة اسمها كلارا، ثم بدأت احتراف هذا المجال مع فيديو كليب أغنية "طير الغرام" لباسكال مشعلاني عام 2000.
كان الفيديو كليب الذي تخرجه نادين لبكي مميز، وقادر على أن يجذب الانتباه، فيحمل في طياته فكرة وشخصيات وأداء تمثيلي كذلك، ليظل في ذاكرة جيل كامل عاصره، فلا أحد ينسى الشراكة بينها ونانسي عجرم، وما خلفته من مجموعة من الفيديو كليب، التي لها طابع خاص ومحبب، بدأ مع أغنية "أخاصمك آه"، و"يا سلام"، و"لون عيونك"، وانتهاء بـ "يا أطبطب وأدلع" و"في حاجات"، ليجعل اسم نادين لبكي يتردد كمخرجة صاعدة لها رؤية، ولديها القدرة على تطويع الموارد لتنتج عمل فني بصري يحبه المشاهدون.
تعتبر نادين لبكي الفيديو كليب مرحلة مهمة في حياتها، تمكنت من خلالها، رغم صغر عمرها وقتها، من أن تتعامل مع نجوم كبار مثل كارول سماحة بأغنيات "حبيب قلبي" و"اطلع فيّ"، وكذلك "اعتزلت الغرام" مع ماجدة الرومي، ويكون الخطوة التي جعلتها تفهم ما تريده "اختبرت حالي، واكتشفت قدراتي وتعلمت كتير أشياء، وعملت أمور ما كنت بعرف قدرتي عليها".
أفلام نادين لبكي
منه كانت انطلاقتها، فبعد مشاركات متواضعة كممثلة في عدد من الأفلام اللبنانية، كفيلمي "رماد" و"مش فيلم لبناني" عام 2003، وفيلمي "بوسطة" و"الكلاب السبعة" عام 2005، حتى يأتي فيلمها الروائي الأول "سكر بنات" أو المعروف بـ "كراميل" في عام 2007، ليكون تاريخ عرضه الأول في مهرجان كان السينمائي بـ 20 مايو 2007، ضمن نشاط "أسبوعي المخرجين" هو التاريخ الذي غيّر صورة السينما اللبنانية.
تتبع فيلمها الأول الحياة العادية لمجموعة من النساء اللاتي تعملن في صالون للتجميل تملكه ليال، التي قامت بدورها نادين لبكي، كونها ساهمت في تأليف وتمثيل وإخراج فيلم "سكر نبات"، وتمكنت من خلال أجوائه التي حملت الطابع الدرامي والحس الفكاهي أن تلفت الأنظار إلى عمل فني لبناني قادر على أن يلمس حياة الفتيات والنساء في العالم العربي كله، ما بين مخاوف الوحدة وتجارب الحب المريرة، أو سلطات المجتمع وتحكماته.
حاز الفيلم على شعبية واسعة في جميع صالات السينما بالعالم العربي، ومثّل السينما اللبنانية في كثير من المحافل الدولية، ونال عدد من الجوائز العالمية، كجائزة مهرجان سان سيباستيان السنمائي للشباب عام 2007، ومنحته عن وزارة الثقافة والإعلام الفرنسية وسام الفنون والآداب، كما تم وضع اسم نادين لبكي ضمن قائمة أفضل 10 مخرجين في مهرجان صندانس السينمائي.
"وهلأ لوين؟" المحطة التالية لنادين لبكي كمخرجة وممثلة ومؤلفة، وكان عرضه الأول أيضا في مهرجان كان السينمائي،ضمن نشاط "نظرة خاصة" في 16 مايو 2011، وتمكنت من خلال قصته عن التطرف والعصبية، ودور النساء في حماية قرية يفقدن بها أبناءهن وأزواجهن وأشقاءهن يوميا بسبب صراعات العقيدة واختلافها، أن تجمع شعبية واسعة ومتابعة قوية لأعمالها.
نال فيلم "وهلأ لوين؟" جائزة افضل فيلم أجنبي في مهرجان سان سيباستان لعام 2011، كما حصد حجائزة الجمهور في مهرجان تورنتو، وجائزة البايار الذهبية في مهرجان نامور للسينما الفرنكوفونية، لترسخ بعده لصورتها كمخرجة محترفة متمكنة من أدواتها، وقادرة على أن تتخطى حواجز اللهجات واللغات وتصدر عملها إلى العالمية رغم استغراقه في المحلية، في قالب درامي له حس فكاهي اعتاده الجمهور منها.
وضمن سلسلة أفلام "مدن الحب Cities of Love"، التي تم تنفيذها في باريس ونيويورك، شاركت نادين لبكي كمخرجة وممثلة ومؤلفة أيضا في نسخة الفيلم البرازيلية عام 2014، والتي حملت اسم "Rio, I Love You"، وتجمع مجموعة من قصص الحب من بلدان مختلفة.
شاركت نادين لبكي مممثلة في عدد آخر من الأفلام، خاصة، كونها تمتلك موهبة التمثيل التي تعتبرها فرصة كي تختبيء وراء قناع شخصية أخرى وتقوم بتجربة ما لا يمكنها فعله في حياتها الواقعية، فقددمت دور في الفيلم اللبناني "رصاصة طاشة" لجورج هاشم عام 2009، وفي الفيلم الإيطالي "The Father and The Foreigner" عام 2010، وفيلم طيا طير الطاير" الذي يتناول قصة حياة المغني الفلسطيني محمد عساف، وفي دور المعلمة بفيلم "1982"، الذي تم إنتاجه عام 2019.
فيلم كفر ناحوم
"بعد ما خرجت من سهرة في مكان، لقيت ست معها ولد بعمر السنتين ونص، وكانت الساعة واحدة بالليل، عم يحاول ينام وأمه بتمنعه، حسيت بغضب شديد وظلم.. ولد ما بده شي بهالحياة بس ينام، فليش مجتمعاتنا توصلنا أنه نقبل هيك ظلم ونكفي طريقنا"، استفز نادين الموقف الذي رأته، عادت إلى منزلها وقررت أن تفرغ غضبها، فرسمت طفل يصرخ بوجه مجموعة من الرجال والنساء الكبار، يخبرهم أنه لا يريد أن يكون معهم بهذه الحياة، وأنهم لا يستحقونه، ومن هنا جاء فيلم "كفر ناحوم".
أحدث فيلمها الثالث "كفر ناحوم"، الذي أسمته على اسم بلدة فلسطينية وصار يعني الخراب والدمار، ضجة عالمية، فحملت على عاتقها وزوجها المؤلف الموسيقي خالد مزنر مهمة إنتاجهن رغم تعرضهما لرهن منزليهما من أجل الإنفاق على تكاليفه، وعهدت على أن تقدم من خلاله كل ما هو مختلف، فاعتمدت على أشخاص حقيقين لا ممثلين ليقوموا بالأدوار "كان مهم يكونوا أشخاص فاهمين الحالة والقضية اللي بيطرحها الفيلم".
تناول فيلم "كفر ناحوم" قصة طفل فقير يعيشحياة صعبة لا يجد فيها أبسط الأمور المعيشية، فيقرر أن يستعين بمحامية، تجسد دورها ناديت لبكي، كي يقيم دعوى قضائية على والديه لأنهما أنجباه وأتيا به ألى هذه الحياة، مع التركيز على عدد من القضايا التي يعاني منها الفقراء والمهمشين كالزواج المبكر، قام ببطولة الفيلم الطفل السوري اللاجيء زين الرافعي، الذي تمكن من الحصول على لجوء سياسي بعد مشاركته في الفيلم.
أول عرض للفيلم ظهر في مهرجان كان السينمائي عام 2018، في ظل المنافسة على السعفة الذهبية، وأعقب عرضه تصفيق حاد من الحضور لمدة تقترب من 15 دقيقة، لينال بعدها جائزة لجنة التحكيم، وفي كلمتها أثناء تسلم الجائزة قالت "إلى أختي الصغيرة كارولين لبكي التي طالما حلمت معي بالسينما.. كوكو لقد فعلناها".
ونال الفيلم إشادة واسعة من النقاد، كما تمكن من المنافسة والترشيح على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي عام 2019، ورغم أنه لم يوفق، اعتبرت نادين لبكي أن الترشيح كان "تجربة العمر" التي كللت مجهودها وحلمها، كونه حاز على حفاوة من نجوم عالميين مثل أوبرا وينفري.
في أغلب مشاركاتها السينمائية، والأفلام التي صنعتها، اهتمت نادين لبكي أن تبرز صوت النساء، وأن تعرض الأمر من وجهة نظرهن، كونها تؤمن أن للمرأة دوما نظرة مختلفة للمجتمع عن الرجل، وترى أن واجبها أن تعرض هذه النظرة، فدورها أن تغير المجتمع من خلال السينما، بأن تسلط الضوء على مشكلاته وتناقشها.
على صعيد حياتها الشخصية، تزوجت نادين لبكي من خالد مزنر الملحن والمنتج الموسيقي، ولديهما طفلين هما وليد وميرون، وفي الآونة الأخيرة كان لها مشاركاتها السياسية، فقامت بالترشح عام 2016 في الانتخابات البلدية اللبنانية، ولكنها خسرت، لتعود وتكون ضمن صفوف المحتجين اللبنانين عام 2019، معتبرة ما تراه "أحلى فيلم"، ومتمنية أن يحدث التغيير للبنان ويليق بالتضامن الذي يعيشه اللبنانيون.
اقرئي أيضا:
هند الحريري ابنة رئيس الوزراء المثيرة للجدل
الكاتب
هدير حسن
الإثنين ١٦ مارس ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا