بينظير بوتو أول رئيسة وزارء لباكستان اغتالها التشدد
الأكثر مشاهدة
قبل أيام معدودة من أن يشهد العالم على وقوف المعارضة الباكستانية بينظير بوتو أمام الملايين تحتفي بنجاح تمنت أن تحققه في الانتخابات الرئاسية للبلاد، لتقود بلادها نحو حقبة جديدة، أفقدها الرصاص والانفجار حياتها، في حدث اهتز العالم لدمويته، بعد أن انتصر فيه التشدد والكراهية على العيش بسلام.
رئيسة وزراء باكستان الراحلة بينظير بوتو
بينظير بوتو هي الابنة الأكبر لواحد من أهم السياسيين الباكستانيين ذو الفقار علي بوتو، الذي نال الدراسات العليا في العلوم السياسية من جامعة كاليفورنيا الجنوبية، وحصل على شهادة في الحقوق من جامعة أوكسفورد، عمل بالمحاماة ومنها انخرط في العمل السياسي، وتدرج في المناصب الوزارية من وزير للتجارة، وتوليه لحقيبة الخارجية، ثم أصبح رئيسا للجمهورية في عام 1971، وتولى بعدها رئاسة الوزراء من عام 1973 إلى 1977.
أسس ذو الفقار حزب الشعب الباكستاني، الذي يقوم على المحافظة على العقيدة الإسلامية، واحترام الديمقراطية، والإيمان بالاشتراكية كمبدأ اقتصادي، وفي أثناء توليه لمنصبه كرئيس للوزراء، قام الجنرال ضياء الحق بتنفيذ انقلاب عسكري على حكمه، وأودعه السجن، وقرر إعدامه في 4 أبريل عام 1979، بعد أن تم وضع بينظير بوتو تحت الإقامة الجبرية.
أحداث سياسية وصراعات عاشت بينظير بوتو تفاصيلها من خلال حياة الأب المنشغل بالسياسة، والضالع في دهاليز عمليات صنع القرار، لتتسلم منه بعد رحيله نفس الإرث،ونفس النهاية المأساوية المدوية التي استنكرها الجميع من مختلف أنحاء العالم.
في 21 يونيو عام 1953، ولدت بينظير بوتو في إقليم السند، وتحديدا في مدينة كراتشي، بعد أن تزوج والدها من الإيرانية نصرت إصفهاني بعامين، فكانت زوجة ثانية له أنجبت أربعة من الأبناء، وكان يبدو أن الطفلة الأكبر ستتاثر بمسيرة والدها، فانتهجت نهجه حتى في الدراسة الأكاديمية، فبعد أن تلقت تعليمها الأساسي في باكستان، قررت أن تتخصص في العلوم السياسية ونظم الحكم بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1967.
طوال فترة تواجدها في جامعة هارفارد، والتي امتدت لأربع سنوات، كانت بينظير بوتو كمن يكتشف نفسه، وكانت دائما ما تحكي عن هذه الفترة متذكرة سعادتها باختبار أفكارها واحتكاكها بطلاب من مختلف الدول، وبالحديث عن عمل والدها السياسي، وانضكامها للمعارضين لدخول أمريكا حربا مع فيتنام، وكانت تعتبرها فترة نضجها السياسي.
في كثير من الاختيارات، ذهبت بينظير إلى ما يرضي والدها ويحقق رغبته، فرغم أنها لم تكن تريد ترك هارفارد، ولكن والدها أقنعها بضرورة استكمال دراستها في جامعة أوكسفورد في بريطانيا، حيث كانت حديث الصحف ووسائل الإعلام، فرغم عدم ميلها للعمل السياسي، كونه رأت في مسيرة الأب ما يعنيه ذلك من صعوبات وتحديات، قررت أن تشترك في انتخابات تحاد الطلاب في الجامعة، وبالفعل، بعد عدد من المحاولات، تمكنت من أن تكون أول طالبة آسيوية تتولى رئاسة اتحاد الطلاب المنتخب في "أوكسفورد" عام 1976.
بعد أن أنهت دراستها الأكاديمية، عادت بينظير إلى باكستان، في الوقت الذي كان والدها يتعرض لمحاولة انقلاب عسكري نجحت في إقصائه، فتم وضعها ووالدتها تحت الإقامة الجبرية، ثم تم نفيها خارج باكستان، لتعود لها مرة أخرى عام 1986، حين استقبلتها الحشود الداعمة لها ولإرث والدها السياسي، وتبدأ بوتو في قيادة حزب الشعب الباكستاني ضد قيادة ضياء الحق.
ويعد سيطرة طويلة للجنرال ضياء الحق على رئاسة البلاد في باكستان، وقتله للحياة السياسية، رحل في إثر حادث تحطم لطائرته العسكرية في 17 أغسطس عام 1988، ليتم إجراء أول انتخابات عامة في باكستان منذ عشر سنوات، تخوضها بينظير بوتو، وهي بعمر الـ 35 عاما، وتتمكن من حصد أكبر نسبة مقاعد في الجمعية الوطنية، وتتولى زعامة حكومة ائتلافية باكستانية في الأول من ديسمبر عام 1988، وتصبح أول سيدة مسلمة تتولى رئاسة وزراء بلدها، والصغر عمرا، في ذلك الحين.
وبسبب قرارات اقتصادية، وأخرى متعلقة بالخلاف مع رئيس البلاد غلام إسحاق، قرر أن يقوم بحل المجلس الوطني الباكستاني وإقالة بينظير بوتو بعد عشرين شهرا من توليها لمنصبها، والدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة، وتم اعتقال زوجها آصف علي زارداري على خلفية تهم فساد، ومخالفات مالية، ثبت بعد سنوات براءته منها عام 1993.
ويعود المجلس الوطني الباكستاني لانتخاب بينظير بوتو مرة أخرى في أكتوبر عام 1993، ولكن تظل اتهامات فساد وملاحقات قضائية تتهمها بعدم الأمانة، ووصل عددها إلى 18 تهمة، لم يتم إثبات اي منها، حتى بعد مرور سنوات طويلة، لترحل عن منصبها في عام 1996، وتواجه دعاوى ومضايقات، ويتعرض زوجها للاعتقال مرة أخرة، وتجد في الارتحال والسفر عام 1999 مخرج من كثير من المؤامرات التي تحاك ضدها وتنال منها.
بعد الخروج من باكستان، انتقلت بينظير بوتو وأولادها الثلاثة إلى الإمرات العربية المتحدة، ولحقها زوجها بعد الإفراج عنه في عام 2004، وكانت طوال فترة إقامتها بالخارج تحرص على المشاركة بالمؤتمرات السياسية العالمية، وتترد على مختلف العواصم الغربية، حتى قررت أن تستقر في لندن، وحينها قررت أن تعيد التواصل مع الحكومة الباكستانية، التي كان يرأسها حينها برويز مشرف.
وبالفعل، تم إصدار العفو عنها في إطار اتفاق لتقاسم السلطة في باكستان، لتنهي منفاها على الفور، وتلملم حالها، وتقرر العودة مرة حتى تستمر في العمل السياسي الذي كُتب عليها منذ طفولتها، ورغم التحذيرات والخوف من استهداف التيارات الإسلامية المتشددة لها، أصرت على أن تكون عودتها من أجل خوض الانتخابات مرة ثالثة.
اغتيال بينظير بوتو
فور نزولها من أرض المطار، ودخولها لموطنها الرئيسي مدينة كراتشي، حيث كان هناك موكب في استقبالها، تعرضت بينظير بوتو لأول محاولة اغتيال في 18 أكتوبر عام 2007، بعد أن تم استهدافها ومناصريها بتفجيرين انتحاريين، لم تصب خلالهما بأذى، لكن أدوا إلى مقتل ما يقرب من 125 شخصا.
شعبية بينظير بوتو السياسية، واعتبارها الوجه الذي يمكنه أن يتصدى للتيار الإسلامي المتشدد، وبدا هذا التيار يعتبرها عدوا يجب التخلص منه، فتلقت التهديدات بقتلها من تنظيم القاعدة، واعتبرت هي أن المواليين للجنرال ضياء الحق هم من يستهدفونها، ولكن ذلك لم يجعلها تتراجع عن خطوة المشاركة في الانتخابات الباكستانية.
وفي يوم 27 ديسمير علم 2007، وبعد أن أنهت بينظير بوتو واحد من مؤتمراتها الانتخابية في مدينة راولبندي، الواقعة قرب العاصمة الباكستانية إسلام باد، خرجت في تجمع من مناصريها، ووقفت من شباك سيارتها العلوي لتقوم بتحيتهم، لتجد رصاص من مسلحين ينهال عليها من كل جانب، ليتبعه تفجير انتحاري، لتكون النتيجة مقتلها هي و23 شخصا آخر.
بعد أن تأكد الجموع من اغتيال بينظير بوتو، وقعت كثير من الاشتباكات وأعمال الشغب، في أكثر من مدينة باكستانية، ويجد اغتيالها صدى عالمي رافض لأن يكون العنف هو الوسيلة للتخلص من الخصوم السياسيين، ويظل لسنوات حادث اغتيالها مثار للجدل والتحقيقات، التي تم اتهام رئيس الورزراء الباكستاني السابق برويز مشرف على إثرها.
وفي يونيو 2009، اعترف أحد المنشقين عن ميلشيا طالبان أن بيت الله المحسود، زعيم ومؤسس حركة طالبان في باكستان، هو من دبر لعملية اغتيال بينظير بوتو، ورغم الاعتراف ظل الأمر غامضا والحقيقة غير مكتملة بالنسبة لكثيرين. وتمر السنوات على رحليها، لكنها تظل رمزا لسيدة قوية كسرت سيطرة الرجال على السلطة في بلدها، غير عابئة بأمنها الشخصي، متسلحة بما تؤمن به.
اقرئي أيضا:
ناهد طاهر وردة الصحراء وسيدة الاقتصاد الأكثر نفوذا
الكاتب
هدير حسن
الجمعة ٠٣ أبريل ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا