الشيف منى الصباحي والشغف بلمسات الابتكار في الطهي
الأكثر مشاهدة
منذ طفولة الشيف منى الصباحي وهي تحب المطبخ، قضت الكثير من أوقاتها مع جدتها تتذوق وصفاتها الشهية وتكبر على مهل ويكبر معها شغف الطهي ويستقر في مكان ما من قلبها، لترسم وصفات الجدة وأدواتها المطبخية طريق حفيدتها في المستقبل، فتدرس منى العمارة والطهي بالتوازي ثم تترك التخصص الأول وتتفرغ لحبها الحقيقي "الطبخ" ومنه تنطلق لآفاق أوسع في عالم الاحتراف وتؤسس للبيزنس الخاص بها بعد ذلك.
الشيف من الصباحي من العمارة إلى الطهي
مثل الكثيرين منا خاضت منى تجربة مواجهة الأهل بعد الثانوية العامة، ماذا سأدرس؟، الشغف في مواجهة التقاليد والعادات كالعادة. حصلت منى على مجموع كبير في المرحلة الثانوية لكنها رغبت في دراسة فنون الطهي، لتصقل حبها بالدراسة والتعلم خصوصًا وأنها شخص "دحيح" يحب المعرفة والتوغل في التفاصيل، "كنت دايمًا في المطبخ عايزة أعرف كل حاجة، بنعمل ده ليه وبنستخدم الطريقة دي في التسوية ليه، وعايزة أدرس كل حاجة بالظبط"، وقتها لم يكن في مصر أي أكاديمية تعليم طهي، وكان أمام ابنة الثمانية عشر عامًا كلية السياحة والفنادق فقط ولم تتحمس لدراسة ليست عن الطهي وحده.
اقرئي أيضًا: حكاية الشيف سارة نشأت وافتتاح مطبخها بانستجرام
عرضت منى على الأسرة دراسة ما تحب في أحد مدارس إعداد الطهاة خارج مصر، لكنهم رفضوا تمامًا وطلبوا منها أن تحصل على شهاداتها الجامعية أولًا ثم تفكر في أي تخصص آخر بعد ذلك، ولهذا التحقت بكلية الفنون الجميلة قسم العمارة، "ماكنتش حابه الدراسة خالص ومش شايفة نفسي بعمل حاجة علشان كده سقطت في سنة تانية كلية وده كان من حسن حظي".
الاخفاق الدراسي في السنة الجامعية الثانية كان بداية نجاحها على مستوى آخر، فقبل فترة تم افتتاح مركز إعداد الطهاة في مصر، تزامن الحدثين كان في صالحها، لأنها تشجعت بشدة والتحقت بمركز تدريب الطهاة وفي نفس الوقت لم تتخلى عن دراساتها الجامعية، فكانت تقضي نهارها في مدرجات كلية الفنون الجميلة وبين الأدوات الهندسية، وفي الليل تأخذ دروسًا مكثف عن نوعية أخرى من الفنون الجميلة هو "فن إعداد الطعام". "الدراسة ماكنتش سهلة لكن فادني إني ماكنش عندي خبرة قبل كده، كنت بتعلم على نضافة فباخد المعلومات لأول مرة وتثبت في دماغي"، ظلت منى تدرس الطبخ بشكل علمي لمدة 13 شهرًا، وفور تخرجها حصلت على عرض عمل جيد.
أولى خطواتها الاحترافية في مجال الطهي كانت بصحبة الشيف السويسري ماركوس إيتن، رئيس جمعية الطهاة المصريين ومؤسسها ومدرب الفريق القومي المصري، وتقول منى أنها مدينة بالكثير من الفضل له، "لما اشتغلت لأول مرة كانت وظيفتي استشارية وإدارية أكتر منها خبرة تطبيقية وتجريب للي اتعلمته.. اتعلمت منها حاجات كتير طبعًا لكن كنت محتاجة أطبق أكتر".
"فاكر الطبخ شغل مريح؟، زي مامي في المطبخ، مامي مابتتزنقش في زحمة العشا لما الطلبات بتنزل ترخ وكل طلب شكل ومش سهل ومهما اختلفت مواعيد الأكل لازم يتحط قدام الزبون في المعاد الصح سخن ويشرح.. كل ثانية بتفرق وماينفعش تتدلع"
الاقتباس السابق من فيلم الرسوم المتحركة الحائز على جائزة الأوسكار "خلطبيطة بالصلصة"، والذي صور جزءًا من الحياة في المطاعم والعمل وراء كواليسها وكيف أنه ليس عملًا سهلًا على الإطلاق، وهذا بالضبط ما مرت به الشيف منى حينما انتقلت إلى العمل بالمطعم الإيطالي في أحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، هناك جربت كل شيء، وصدمت من اختلاف النظريات عن التطبيق، وتلقت أول دروسها العملية حينما كانت ترغب أن تطبق كل ما تعلمته في الجانب النظري على الواقع العملي وكان ذلك غير ممكن بشكل كامل، "مفيش حاجة صح مطلق أو غلط مطلق، أهم حاجة تتكيفي في المطبخ وتعرفي الطريقة المناسبة لتطويع العلم اللي اكتسبتيه."، وتعرضت للكثير من الضغوط لإثبات نفسها خصوصًا لأنها امرأة في مجال يسيطر عليه الرجال عالميًا، ومن تلك التجربة تعلمت الكثير.
اقرئي أيضًا: سلمى صالح من القانون إلى "توب شيف"
"جربت الشغل مع اللحوم لكن ماكنتش أعرف أجيب قطعة اللحمة من البقرة، أعرف بشكل نظري لكن ماطبقتش"، معرفتها المحدودة باستخراج قطع اللحم قادتها لتجربة أعطت عملها وخبرتها بعدًا آخر، وذلك حينما تلقت تدريب بأحد محلات الجزارة في المعادي والذي يجمع أصحابه بين معرفة الجزارة البلدي والجزارة الأفرنجي، وتحصيل الاختلاف بين المدرستين ساعد منى كثيرًا فيما بعد.
وفي نفس الطريق اشتركت منى في الكثير من المسابقات، ففي عام 2015 فازت بالمركز الثاني في مسابقة أحسن شيف في مصر تحت 25 عامًا، وكانت حاضرة في مسابقة الطهي العالمية "Global Chefs Challenge" في اليونان عام 2016، كمساعدة للشيف المصري عمر حمادة، وكانت أول شيف مصرية في المسابقة.
كل ما تعلمته الشيف منى كان في كفة وما ستتعلمه في كواليس المطعم السويدي الشهير "فرانتزيان" في كفة أخرى، فقد حصلت الطاهية الشابة على فرصة تدريبية في المطعم الحائز على 3 نجوم ميشلان، الأشهر لتقييم المطاعم وجودتها والنجمات الثلاثة تلك تعني أنه مطعم استثنائي يقدم تجربة فريدة. قضت هناك شهرين، وسط ثقافة طهوية مختلفة وعالية المعايير وقواعد مطبخ محترف صارمة لا تقبل الأخطاء وتحرص على أعلى درجات الدقة والجودة.. هذه التجربة لم تكن لولا مساندة زوجها الداعم الذي شجعها على السفر، "التدريب كان من غير مقابل مادي وماكنش بيغطي الإقامة والمصاريف، فروحت من خلال دعم أهلي وبالفلوس اللي جاتلنا هدايا في أول الجواز."
اقرئي أيضًا: شميشة الشافعي سفيرة المطبخ المغربي في الوطن العربي
حاليًا تظهر الشابة ذات الـ27 عامًا في التلفزيون من خلال حلقات برنامج شارع شريف، ولديها البيزنس الخاص بها تحت اسم Whisk Catering والذي يقدم 3 أنواع مختلفة من قوائم الطعام تعتمد على الجودة العالية والابتكار خصوصًا في قائمة الكوكتيل التي تفضلها منى بشكل خاص لأنها تظهر فيها جوانبها الإبداعية بشكل أكبر وتصفها بـ "أبلغ تعبير في قطمة واحدة". كذلك أسست لاسمها كمدربة مهنية في مركز إعداد الطهاة رغم صغر سنها.
تأثرت كثيرًا بمعلمها الشيف ماركوس ايتن، وكذلك بالشيف الفرنسية دومينيك كرين التي تقدم الأكل عن طريق الحكايا وليست مجرد مكونات مرصوصة بجانب بعضها فقط، وتقول عن بدايتها "زمان كنت ماببطلش انتقادات لما أروح أكل في أي مكان، وده كان بيخليني لا بستمتع ولا اللي معايا بيستمتعوا.. مع الوقت بطلت أعمل ده"، كان هذا قبل أن تغيرها الخبرة وتسكب داخل عقلها الكثير من النضج الذي جعلها تستمتع بالطعام على اختلافه.
وتؤمن منى أن "أي حد بيعرف يدوق الأكل، بيعرف يطبخ كويس"، وتحلم أن تكون قادرة على إنتاج المكونات الخاصة بها، "عايزة أنتج زيوت وأطلع مستخلصات شغلي بنفسي" لكن السوق ليس جاهزًا لذلك في الفترة الحالية، ونصيحاتها لأي شخص يريد تعلم الطهي بشكل صحيح أن يقرأ كثيرًا ليعرف.
اقرئي أيضًا:
كيف حولت ياسمين طايع هواية الطبخ إلى الاحتراف
الكاتب
ندى بديوي
الأحد ١٩ أبريل ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا