الأم تريزا رائدة العمل الخيري والتطوعي وصديقة الفقراء
الأكثر مشاهدة
بالرغم من أن الإنسانية هى صفة البشر الأساسية، إلا أنها ليست متواجدة عند الكثيرين! وفي ظل الصراع الذي يعيشه البشر كل يوم وفي واقع هذا العالم القاسي، أصبحت الإنسانية والشعور بالآخر صفة تحتاج للتكريم والذكر لمن يمتلكها ويعمل بها. وعندما نذكر هذه الصفات لابد وأن نتذكر واحدة ممن خدموا الإنسانية وأثّروا فيها، وهى الأم تريزا.
الأم تريزا هى واحدة من القلائل الذين أفنوا حياتهم لخدمة الغير، ووضع أُسس للمشاركة المجتمعية والتطوع الاختياري النابع من الشعور بالمسئولية تجاه المجتمع. فمن هى تلك المرأة التي اعتبرها العالم نموذج يُحتذى به، وما هى إنجازاتها لخدمة الإنسانية؟ تعرفي عن قُرب عن بطلة حكايتنا اليوم الأم تريزا.
الأم تريزا السيرة الذاتية
هى أجنيس جونكسا بوجاكسيو، مواليد 26 أغسطس عام 1910 في مدينة سكوبيه العاصمة لدولة مقدونيا حاليا والدها هو نيكولا بوجاكسيو والذي كان يعمل تاجرا في الأدوية وسلع أخرى، كما أنه كان مقاول بناء. ووالدتها هى درانفيل بوجاكسيو.
ورثت أجنيس عن والدها فكرة المشاركة في الكنية فقد كان عضوا نشطا في الكنيسة ومشاركا في الحياة السياسية. ولكنها فقدته وهى في عُمر الثمانية، حيث تعرض لوعكة صحية وتُوفي على إثرها. إلا أن سبب موته يُعتبر غير مؤكد نوعا ما، حيث تكاثرت الأقاويل عن انتقام أعداءه السياسين منه وقتله.
أما والدتها درانفيل بوجاكسو فقد كان لها التأثير الأقوى في حياة أجنيس، حيث كانت امرأة متدينة للغاية، وزرعت في أجنيس حب العمل الخيري. فبالرغم من أن السيدة درانفيل كانت متوسطة الحال، إلا أنها كانت تحرص دائما على مشاركة طعامها مع الجيران والفقراء، وعلّمت أجنيس أن مشاركة الطعام مع الفقراء أمر لابد منه.
اقرئي أيضا: فاطمة الفهرية التونسية مؤسسة أول جامعة في العالم
رحلة الأم تيريزا مع الرهبنة
تلقت أجنيس تعليمها في مدارس تابعة للدير حتى وصلت للمرحلة الثانوية. ولكنها شعرت برغبة شديدة في تكريس حياتها لخدمة الكنيسة وهى في سن الثانية عشر من عمرها.
في عُمر الـ 18 سنة، اتخذت أجنيس قرارا جذريا في حياتها، وهو أن تترك أهلها وتُصبح راهبة. وبالفعل سافرت لمعهد ديني في أيرلندا في دبلن للانضمام للأخوات لوريتو، وقررت تعلّم اللغة الإنجليزية هناك ودراسة الرهبنة لأن اللغة الإنجليزية هى لغة التعليم في أخوية لوريتو في الهند. وعندما سافرت أجنيس للهند عام 1929، بدأت تعليم الرهبنة، ودراسة اللغة البنغالية في مدرسة سانت تيريز القريبة من الدير، كما تعلّمت اللغة الهندية أيضا وكانت تُدرس التاريخ والجغرافيا.
وعام 1931، اختارت لنفسها لقب Sister Mary Teresa، أو الأخت ماري تريزا تيّمناً بالقديسة تيريز من ليزيو، وقد اختارت اللهجة الإسبانية للاسم (تيريزا) بدلا من (تيريز).
انتقلت بعد ذلك لكلكتا في الهند أيضا، وعملت في مدرسة لوريتو وفي عام 1937، اتخذت العهد الأخير الذي يُلزمها بالعفة والطاعة وحياة الفقر مدى الحياة، ومُنحت لقب "الأم" وأصبحت الأم تيريزا.
عملت الأم تيريزا في هذه المدرسة لمدة 20 عاما، وأصبحت مديرة للمدرسة عام 1944. ولكن في عام 1946، قررت الأم تيريزا ترك التدريس وتكريس كل جهودها لخدمة الفقراء والمُعدمين في أنحاء كلكتا والهند ومساعدتهم.
واستطاعت الأم تيريزا في عام 1948 أن تستقيل من دورها في الدير، بعد أن حصلت على موافقة بذلك لأنها كانت قد اتخذت عهدا بالطاعة وكان لابد من السماح لها بترك العمل في الدير.
وبدأت في هذا العام العمل التبيشري مع فقراء الهند. وقد تخلّت عن الزي الديني الذي اعتادت ارتدائه في الدير، واستبدلته بالساري الهندي الأبيض ذو الخطين الأزرق الذي ظلت ترتديه لآخر حياتها واشتهرت به. واتخذت الجنسية الهندية وانطلقت لتُساعد الفقراء في أحياء كلكتا وكانت أول رحلة لها بعد أن ظلت 6 أشهر تدرس أساسيات الطب في مستشفى العائلة المقدسة لتستطيع مساعدة الفقراء.
اقرئي أيضا: توحيدة بالشيخ أول طبيبة في العالم العربي من تونس
إنجازات الأم تيريزا
لم يكن حب الأم تيريزا للعمل الخيري ومساعدة الفقراء أمر شفهي فقط، ولكنها أثبتت ذلك من خلال إنجازاتها والمشروعات الخيرية العملاقة التي قامت بها.
ففي عام 1952، قامت الأم تيريزا بمساعدة بعض المسئولين في كلكتا بتحويل أحد المعابد الهندوسية لتكية مجانية لرعاية الفقراء. أسمتها "كاليجات" أو تكية "القلب النقي". قام نشاط هذه التكية على الرعاية الصحية للفقراء حتى الذين كانوا على وشك الموت. فقد قررت الأم تيريزا أن يكون هذا المكان ملاذا آمنا للفقراء الذين عاشوا حياة قاسية ليموتوا بكرامة ورفق. فكل شخص كان يُعد له طقوس دينه بعد الموت. وقالت الأم تيريزا عن هذا المكان "مُخصص للأشخاص الذين عاشوا كالحيوانات ليموتوا كالملائكة، محبوبين ومرغوبين"
وفي عام 1955 قامت الأم تيريزا بإنشاء دار للأطفال الأيتام والشباب المُشردين، واسمته "بيت القلب الطاهر للأطفال"، وبدأ عدد المتطوعين والتبرعات لهذه المشاريع يزداد. لذلك استطاعت عام 1960 أن تفتتح دور للأيتام ومساكن للمشردين والفقراء في جميع مناطق الهند.
وفي عام 1965، أصدر الأب "بولس السادس" قرار بمنح "جمعية الإرساليات الخيري" التي أنشأتها الأم تيريزا في مطلع الخميسنات وزاد عدد متطوعيها على مدار السنين، الإذن بالتوسع عالميا في كل البلاد. فبدأت الأم تيريزا تتجه لخارج الهند حيث قامت بافتتاح سكناً في فنزويلا عام 1965، بمشاركة 5 راهبات. وعلى مدار الستينات توالت البيوت ودور الأيتام التي افتتحتها الأم تيريزا في أكثر من دولة مثل النمسا ورومانيا وتنزانيا. وفي السبعينات وصلت المشاريع الخيرية للولايات المتحدة ودول أخرى في قارات مختلفة.
كما اهتمت الأم تيريزا بمرضى الجذام، وأنشأت ملجأً للمصابين بهذا المرض اسمته "شانتي ناجار" أو مدينة السلام. وبمساعدة المتطوعين معها استطاعت إنشاء عيادات خيرية لتوعية الناس في كلكتا بهذا المرض وتوفير كل احتياجات المرضى من أدوية وأطعمة. كما أنشأت العديد من العيادات الصحية في مختلف أنحاء الهند.
لم تُكرس الأم تيريزا مجهوداتها فقط لخدمة الفقراء والمحتاجين والأطفال والمشردين في أنحاء الهند فقط، ولكنها اتجهت لخدمة الإنسانية أينما كانت خارج الهند. ففي عام 1982، توجهت الأم تيريزا للبنان في عز أجواء الحرب وبمساعدة حركة الصلية الأحمر الدولية والهلال الأحمر، لتُنقذ 37 طفلا تمت مُحاصرتهم في مستشفى أثناء التوسط لهدنة وقف إطلاق النار بين الإسرائيلين والمقاتلين الفلسطينيين.
وجهت الأم تيريزا جهودها أيضا لإنقاذ ضحايا الكوارث الكبرى مثل ضحايا الإشعاع النووي للمفاعل النووي الشهير تشيرنوبل، وضحايا الزلزال في أرمينيا. كما توجهت لمساعدة الفقراء والجوعى في إثيوبيا.
في عام 1991 عادت لبلدها الأصلي ألبانيا لأول مرة في حياتها، وقامت بتأسيس أخوية تيرانا الخيرية.
في خلال سنوات قليلة وصل عدد البعثات الإنسانية التي كانت تذهب لمساعدة الناس حول العالم لـ 517 بعثة في أكثر من 100 دولة تحت قيادة الأم تيريزا. واستطاعت أن تخدم الآلاف في حوالي 450 دولة حول العالم، كما أسست أول جميعية خيرية تبشيرية في الولايات المتحدة الأمريكية في نيويورك.
وفاة الأم تيريزا
بدأت الأم تيريزا تُعاني من مشاكل في القلب بدايةً من عام 1983، حيث أُصيبت بنوبة قلبية خلال زيارتها للبابا يوحنا بوليس الثاني، ثُم أُصيبت بنوبة قلبية أخرى عام 1989.
وفي عام 1996 أُصيبت بكسر في عظمة الترقوة، وبعدها بمرض المالاري ومشاكل أخرى في القلب. ثُم تُوفيت عام 1997. وقد أُقيمت لها جنازة رسمية من الحكومة الهندية تقديرا لمجهوداتها في مساعدة الإنسانية.
جوائز وتكريمات
حصلت الأم تيريزا على العديد من التكريمات والجوائز طوال حياتها وحتى بعد وفاتها، ولكن أبرزها كان حصولها على جائزة نوبل للسلام عام 1979. وقبلها منحها البابا "بوليس السادس" جائزة البابا يوحنا الثالث والعشرين للسلام عام 1971.
في عام 1982، عُينت رفيقة فخرية من وسام أستراليا لخدمة المجتمع والبشرية. كما تُوجت في وسام الاستحقاق عام 1983، وكانت المواطنة الفخرية للولايات المتحدة الأمريكية عام 1996. ومنحها موطنها الأصلي ألبانيا الشرف الذهبي للأمة عام 1994.
كما حصلت الأم تيريزا على أعلى وسام شرفي في الهند وهو "الجوهرة الذهبية" ونالت القلادة الذهبية للاتحاد السوفييتي أثناء لجنة السلام السوفيتية.
وبالرغم من هذه السيرة الغنية بالأفعال الإنسانية لمسيرة الأم تيريزا، إلا أنها واجهت العديد من الانتقادات طوال عملها في الخدمة العامة. كان أول الانتقادات للرعاية الطبية وفريقها الطبي في العيادات الخيرية التابعة لجمعيتها، فقد قال المتخصصون أن الرعاية الطبية عشوائية، كما أن الفريق المسئول غير مُدرب بشكل كافي على أساسيات الطب.
كما تعرضت الأم تيريزا للانتقاد بسبب علاقتها ببعض المشاهير مثل الأميرة ديانا، لأن البعض اعتبر أن مثل هذه العلاقات تتنافى مع دعوتها للتواضع والزُهد. بالإضافة لأنها تعرضت للهجوم بسبب تمسكها بعادات مُحافظة مثل عدم الإجهاض وأنها كانت ضد تمكين المرأة، الأمر الذي اعتبرته الحركات النسوية ضد المرأة.
ويُقال أيضا أن مؤسسات الأم تيريزا كان هدفها التبشير والتعميد في المقام الأول.
أقوال الأمر تيريزا
- الأشياء الصغيرة حتما صغيرة، ولكن الإيمان بالأشياء الصغيرة شىء عظيم.
- إذا أردنا فعلا أن نُحب علينا أن نتعلم التسامح.
- هناك احتياج فظيع للحب، جميعنا يعاني من ألم الوحدة، ويجب أن نتحلى بالشجاعة للاعتراف بهذا الأمر.
- لا تنتظروا تحرك الحكام بل تحركوا بأنفسكم.
اقرئي أيضا: الأميرة فاطمة إسماعيل صاحبة الفضل المؤمنة بالتعليم
الكاتب
دينا خليل
الخميس ٠٧ مايو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا