كليوباترا ملكة مصر الأكثر شجاعة وإثارة للجدل
الأكثر مشاهدة
كانت آخر سلالة البطالمة، التي حكمت مصر لأكثر من قرنين، بعد وفاة الإسكندر الأكبر، ورغم زوال الحكم من يديها، ونهاية حياتها بالانتحار، كما يُشاع، كانت كليوباترا ملكة لها القدرة على القيادة، متحلية بالشجاعة، ومثيرة للجدل حتى الآن، وذكرها التاريخ كواحدة من أقوى الملكات على مر العصور، سواء في مصر أو العالم، وتظل قصتها محور اهتمام وبحث وتتبع من قبل المؤرخين، وكذلك صناع الدراما وأصحاب الكلمة والإبداع.
تعرفي على: حياة ماري كوري المثابرة التي أعطت العلم كلما تملك
الملكة كليوباترا السابعة
يُرجح أن تكون ولادتها ما بين عامي 69/70 قبل الميلاد، وهي واحدة من أبناء الملك بطليموس الثاني عشر، وزوجنه الملكة كليوباترا الخامسة، التي يُعتقد أنها قريبته أو أخته، وكان زواج الملوك من أخواتهم أمر شائع في ذلك الوقت، وخاصة، مع الاعتقاد بأن ذلك يحمي سلالة العائلة.
تعود أصول كليوباترا إلى مقدونيا، فهي سليلة البطالمة القادمين من اليونان لحكم مصر من بعد وفاة الإسكندر الأكبر عام 323 قبل الميلاد، وكانت الفتاة الصغيرة مختلفة، فكانت متطلعة للحكم وراغبة في أن تقود مصر وتعتلي العرش، وعلمت أن هذا لن يتحقق سوى بأن تطور من نفسها، وقيل إنها كانت تتنكر في زي الرجال من أجل أن تشارك في دروس العلم، كون التعليم اقتصر على الرجال فقط حينها.
اهتمت كليوباترا أن تتعلم وتتسلح بالمعرفة، فكانت الملكة الوحيدة في العائلة الملكية البطلمية المهتمة بإتقان اللغة المصرية، وعملت على تعلمها والتحدث بها، إلى جانب إتقانها لسبع لغات أخرى، وبعض المؤرخين يشيرون إلى أنه تعلمت أيضا الفلسفة وعلم الفلك والرياضيات، وظلت ملاصقة لوالدها طوال 4 سنوات قبل وفاته، وتعمل كنائبة له في الحكم، وتكتشف من خلاله وتزداد خبرة في تقصي الأحوال السياسية ومعرفة خباياها، لتكوّن بذلك رؤيتها عن الحكم وإدارة البلاد.
توفي بطليموس الثاني عشر في عام 51 قبل الميلاد، وكان من الطبيعي أن يؤول حكم البلاد إلى ابنته الملكة كليوباترا، وهي بعمر الـ 18، ولكن لا يمكنها أن تنفرد وحدها بالحكم، فتشاركته مع أخيها بطليموس الثالث عشر، الذي كان يبلغ حينها عشر سنوات، ويبدو أن مستشاريه كانوا يسيطرون عليه ويسعون نحو الانفراد بالحكم من خلال الإطاحة بكليوباترا.
نشبت الخلافات بين الأخ وشقيقته الأكبر منها، وجد بطليموس الثالث عشر من يسانده فيها، فقام بطرد كليوباترا من مصر، ولكنها لم تكن لتستسلم، وذهبت غلى شرق مصر وعملت على تكوين جيش من البدو يساعدونها في استعادة الحكم، ثم استطاعت أن تجد حليفا يناصرها في الحرب التي اندلعت مع أخيها، وكان يوليوس قيصر هو ذلك الحليف والمحب والزوج فيما بعد.
كليوباترا ويوليوس قيصر
يوليوس قيصر هو واحد من أعظم قادة الجيوش وأبرز الشخصيات العسكرية في العصور القديمة، فكان يقود أكثر جيوش روما انضباطا، كما يُقال، يعد أن التحق به ضابطا، واستطاع أن يؤسس إمبراطورية رومانيا، وعُرف عن يوليوس قيصر، المولود في عام 100 قبل الميلاد، أنه كان محبا للعلوم، وتعود أصوله لعائلة رومانية، وبدأت علاقته بكليوباترا مع سعيها نحو العودة إلى مصر مرة أخرى.
بعد أن أنهى يوليوس قيصر سيطرته على المخالفين له، في معركة فارسالوس عام 48 قبل الميلاد، واستطاع أن يهزم بومبيوس، اتجه إلى مصر، كونه واحدة من البلاد التي تقع تحت الحماية الرومانية، والتي تنتشر بها الخيرات التي تحتاجها بلاده، وقررت حينها كليوباترا أن تلقاه حتى تقنعه بضرورة أن يساندها في استعادة الحكم.
قال كثيرون في قدرة كليوباترا أن تجعل قيصر في صفها، فذاع أنها قامت بالتخفي داخل سجادة حتى تدخل مقر إقامته، وأرخ البعض أنها استخدمت الغواية وسحر جمالها، ورسخ آخرون لقدراتها العقلية وذكائها الشديد في إثبات أنها الأحق بالحكم والأجدر بالحصول على الثقة، ولكن الأكيد أنها تمكنت أن تحظى بدعمه، وتسترد الحكم.
والبداية، كانت بعد انتصار يوليوس قيصر في حربه الأهلي، واتجاه خصمه بومبيوس إلى مصر، وحينها حاول بطليموس الثالث عشر أن يبدو مناصرا للقائد الروماني، الذي لحق ببومبيوس إلى مصر، فقام بقتله وتقديم رأسه له، فور وصول سفينته إلى الإسكندرية في أكتوبر عام 48 قبل الميلاد، كدليل على التأييد والدعم والرغبة في التقرب منه، ولكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيا.
بعد نجاح كليوباترا في اختراق صفوف يوليوس قيصر، شعر بطليموس الثالث عشر أنه لن ينال ما يتوقعه رغم ما أبداه من تملق ومحاولات للتقرب من القائد الروماني، ورأى رغبته في دعم كليوباترا، فعمل على حصار يوليوس قيصر وكليوباترا في القصر، وساعدته الأخت غير الشقيقة أرسينو الرابعة، التي أصبحت ملكة لمصر بجوار شقيقها.
أمضت كليوباترا مع يوليوس قيصر شهورا تحت الحصار، حتى جاءت التعزيزات العسكرية من رومانيا في مارس عام 47 قبل الميلاد، من أجل أن يتم فك حصار القائد الروماني، وحليفته التي أضحت حبيبة، رغم ما قيل عن أن علاقتهما سيطرت عليها المصالح المتبادلة والمنفعة التي يريدها كل طرف من الأخر، فكليوباترا تسعى للحكم من خلال دعمه، والقيصر ينوي التخلص من ديونه من أموال الدولة المصرية.
بعد أن تمكن قيصر وكليوباترا من الخروج من محبسيهما، اضطر بطليموس الثالث عشر للهرب، ثم وقع غارقا في النيل، ووقعت الملكة الصغرى أرسينو في الأسر، وتم ترحيلها إلى روما، لتعود كليوباترا معتلية عرش مصر إلى جانب أخيها بطليموس الرابع عشر، الذي لم يتعد عمره حينها الـ 12 عاما، وأعلن قيصر دعمه ومساندته لحكام مصر في هذا الوقت.
استمرت علاقة قيصر وكليوباترا، رغم زواجه من رومانية، حظى بطفله بطليموس قيصر أو بطليموس الخامس عشر (قيصرون) من كليوباترا في 27 يونيو عام 47 قبل الميلاد، وعمل على أن يصدر تشريعا يتيح له بالزواج من ثانية والاعتراف بابنه منها، وفور أن ثبت حكم كليوباترا وأخيها استضافهما القائد الروماني في بلاده، وقضيا عاما كاملا برفقته حتى وقع اغتيال يوليوس قيصر.
جاء مقتل يوليوس قيصر على يد رجال الرومان، حتى أقربهم منه "بروتوس"، فبعد أن نشبت حربا أهلية في البلاد، انتصر فيها قيصر على خصومه، رتب له الأعداء والمنفيين خارج البلاد مكيدة للتخلص منه، وفي صبيحة يوم 15 مارس عام 44 قبل الميلاد، اجتمع مع رجال نظامه ليجد كل منهم يسدد له الطعنات حتى لا يصبح أحدهم مدان وحده.
بعد مقتل قيصر، كان مصير كليوباترا وأخيه العودة إلى مصر مرة أخرى، ليحدث أن تنتهي حياة بطليموس الرابع عشر بصورة مفاجئة، مع تردد الأقاويل والشائعات عن قيام كليوباترا بالتخلص منه بقتله بالسم، ليكون ابنها هو الحاكم، بينما هي الوصي عليه، وتنفرد بالحكم وحدها.
في ذلك الوقت، قررت كليوباترا أن توطد دعائم حكمها، فأرست الفكرة لمتداولة على مدار التاريخ المصري القديم، والتي تربط الملوك بالآلهة، وأسمت نفسها بـ "إيزيس الجديدة"، حتى تكون تتميز عن الملكة كليوباترا الثالثة التي ربطت نفسها بإيزيس من قبل أيضا.
أشاعت الإمبراطورية الرومانية أن قدرة كليوباترا على الوصول لما تريده، يأتي من استغلالها لجمالها واتباعها الغواية كطريقة تستحوذ بها على مكاسب سياسية، في حين أثبت التاريخ أن لها عقل سياسي مدبر، يعتمد على المنطق والذكاء لا الغواية والجاذبية الجنسية، وعلى عكس ما يُصور، فكانت خلال فترات حكمها تسعى إلى الاهتمام بالعلم، للدرجة التي جعلت بعض المراجع المصرية تصفها بأنها "عملت على رفع صفوف العلماء واستمتعت بصحبتهم".
يقال إنها تعمدت على أن تظهر على العملات المعدنية التي وصلتنا من هذا العصر بصورة مغايرة لطبيعتها الجسدية، التي اعتقد البعض أنها تشبه هذه الصورة، فكانت ملامحها على هذه العملات ذكورية وأنفها ضخم، واعتبر بعض المؤرخين أن اختيارها لهذا المظهر جاء عن قصد كطريقة لاستعراض القوة، وما بين صحة أنها كانت ملكة على قدر عالي من الجمال من عدمه، يقول المؤرخ والفيلسوف اليوناني بلوتارخ (45- 125 ميلاديا) إن "جمالها لا يمكن مقارنته، وكان صوتها ينطق بنبرة لطيفة وساحرة بدرجة لا تُقاوم، وهو ما جعلها مرغوبة للغاية".
اقرئي أيضا: زنوبيا ملكة تدمر التي غزت مصر ورحلت في ظروف غامضة
كليوباترا وأنطونيوس
بدأت مرحلة جديدة من حكم كليوباترا، بعد أن احتاج إليه الموالون لقيصر والراغبين في الثأر ونزع البلاد من يد بروتوس وكاسيوس، وكان حلفاء قيصر (ماركوس أنطونيوس "مارك أنتوني"، وأوكتافيان، وليبيدوس) يريدون ضم مصر إلى المملكة الرومانية بعد تعرضها للانقسام، وتريد هي أن تحظى بتأييد الطرف الأقوى، الذي اعتقدت حينها أنه مارك أنتوني.
كانت تواجه كليوباترا كثير من الأمورالتي تهددحكمها في مصر، وكانت عودة أختها أرسينو من الأسر مسببا للقلق، ولذلك سعت إلى التخلص منها، فيتم اغتيالها في العام 40 قبل الميلاد، وتسعى كليوباترا إلى مساندة حكام روما الجدد بالأساطيل والمؤن.
كان أوكتافيان (أوكتافيوس) هو الوريث الشرعي لحكم الإمبراطورية الرومانية، وكان مارك أنتوني وراغبا في السيطرة على الانفراد بالحكم، ولذلك سعى في طلب كليوباترا التي ذهبت له حتى مدينة طرسوس الصقلية (جنوب تركيا حاليا)، وهي في أبهى هيئة لها، متردية زي التشبه بالألهة إيزيس، في حبن كان أنتوني معتقدا أنه متشبه بالإله ديونيسوس، واستطاعت أن تحصل كليوباترا على دعم أنتوني (أنطونيوس).
عادت كليوباترا بصبحة أنطونيو إلى الإسكندرية، وبقيا معا لفترة طويلة ياعدت على توطيد علاقتهما، ووقوعه في حبها، وفي عام 40 قبل الميلاد أنجبت له توأمين، هما ألكسندر هيليوس (الشمس)، وكليوباترا سيلين (القمر)، ولكن كان أنطونيو يواجه مشكلات الحكم في روما، فكان في حاجة لإثبات ولائه لأوكتافيان، فاضطر إلى الزواج من أخته أوكتافيا، ولكن لم يكن ذلك كافيا لتستقر الأمور بينهما، فعلاقته بكليوباترا ما زالت قائمة، ورغبته في تولي الحكم لم تتراجع.
في عام 37 قبل الميلاد، قرر أنطونيو أن يساعد كليوباترا في استعادة أجزاء من أراضيها الشرقية، فاتجها معا نحو أنطاكية بسوريا، ووضع خطة من أجل تحقيق ذلك، واستطاعا بالفعل أن يحققا هذا النصر، ولكن كانت علاقته بأوكتافيوس تسوء، لدرجة أنه لم يسانده في تحالفه الشرقي، ولم يرسل له سوى ألفي جندي، ورغم ذلك انتصر أنطونيوس، ودخل الإسكندرية كالمنتصر ونال الاحتفاء اللازم.
ظلت العلاقات بين أنطونيوس وزوجته أوكتافيا وأخيها أوكتافيوس تتدهور، وكان ظهوره مع كليوباترا وتباهيه بأبنائه منها أمام العامة مثيرا لاستيائهما أكثر، حتى طلق أنطونيو أوكتافيا، وأنهى علاقته بها، ليتزوج كليوباترا في عام 32 قبل الميلاد، ويبدأ معها رحلة في شرق المتوسط، بينما يستعد أوكتافيوس ليتخلص منه.
معركة أكتيوم البحرية
كان أوكتافيان يتجهز للحرب، وفي 2 سبتمبر عام 31 قبل الميلاد واجه قوات أساطيل أنطونيو وكليوباترا المشتركة في أكتيوم، بالقرب من اليونان، ولم تتمكن قوات الزوجين أن تتصدى لهجمات أوكتافيان، فاكن الهروب هو الحل، فانسحبت قوات كليوباترا وفرت إلى افسكندرية، ثم لحق لها أنطونيو مع ما تبقى من الأسطول، بينما أوكتافيان يسعى وراءهما دون كلل.
وفي سبيل أنطونيو إلى العودة والتجهيز لمعركة أخيرة يسترد فيها الحكم، ومع ورود أنباء عن قيام قوات أوكتافيون بانتصارات حربية، وصلته إشاعة عن انتحار كليوباترا، فما كان منه إلا أن ألقى نفسه على سيفه منتحرا هو الآخر، معتقدا أن الإشاعة خبر صحيح.
اقرئي أيضا: عائشة عبد الرحمن.. بنت الشاطئ أول من حاضرت في الأزهر
كيف ماتت كليوباترا
وبعد دفن أنطونيوس، ومحاولات أوكتافيان استغلال سلطته الجديدة وإخضاع كليوباترا له، قامت في يوم 12 أغسطس عام 30 قبل الميلاد، بتسميم نفسها، حسبما يرجح كثير من المؤرخين، باستخدام ثعبان الكوبرا، مفضلة الانتحار على الاستسلام والوقوع في الأسر، ورغم الاختلاف حول الرواية الصحيحة لوفاتها ظلت تلك أكثر المرويات المتداولة عن انتحارها، وهي بعمر الـ 39 عاما.
وكان لرحيلها علامة فارقة في التاريخ، فانتهت على يديها المملكة البطلمية أو الدولة الهلنستية، التي كانت واحدة من الممالك التي توالت على مصر، وكان لها عيوبها، وكذلك مميزاتها في جعل الإسكندرية منبرا للثقافة، ومركزا للتجارة في العصور القديمة، تاركين حضارة جمعت بين الغريقية والمصرية القديمة.
اختلف كثير من المؤرخين عن المكان الذي تم دفن جثة كليوباترا به، فيققال إنه جمعها وأنطونيو قبرا واحدا، تدثرت ملامحه تحت البخر، في حين أشار الدكتور زاهي حواس خلال لقاء تلفزيوني إلى أن هناك باحثون ومكتشفون ما زالوا يحاولون البحث عن رفاتها، ويختلفون في كل مرة عن مكانها الحقيقي.
كليوباترا في الدراما
سيرة كليوباترا كملكة قوية وشجاعة، ومثيرة للجدل وتحوي حياتها كثير من المحطات رغم صغر عمرها، جعلها موضع اهتمام من قبل عدد من الكُتاب والفنانين وصانعي الدراما في مصر والعالم العربي والغربي أيضا، فكتب الكاتب الإنجليزي وليم شكسبير عن قصتها مع أنطونيوس مسرحيته "أنطونيو وكليوباترا" في عام 1607، وكتب الشاعر الإنجليزي جون درايدن عنها في مسرحيته "كل شيء من أجل الحب" عام 1977، كما تناول قصتها المؤلف الأيرلندي جوروج برنارد شو في مسرحيته "قيصر وكليوباترا"، وسرد في شعره قصة انتحارها الشاعر المصري أحمد شوقي.
في حين تجسدت قصتها في الأعمال الدرامية، عندما قامت الممثلة الأمريكيو إليزابيث تايلور بالقيام بدورها في فيلم "كليوباترا" عام 1963، كما أدت الممثلة السورية سلاف فواخرجي شخصيتها في المسلسل الذي يتناول سيرتها عام 2010.
اقرئي أيضا:
مي زيادة حياة حرة بالقلم والأدب.. ورحيل موجع ووحيد
الكاتب
هدير حسن
الأربعاء ١٠ يونيو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا