سميرة موسى عالمة الذرة التي رحلت قبل أن يتحقق الحلم
الأكثر مشاهدة
\"الذرة من أجل السلام" حلم قًتل في مهده، لم يُكتب لنا أن نهنأ به لأن هناك مَنْ يريد لنا دوما ظلاما دامسا لا نرى من خلاله مسافة قدم. كانت سميرة موسى الحلم الذي كان يمكنه أن ينقل مصر ودول العرب إلى مكانة أخرى، كانت الأمل الذي تشبث به كثيرون كي يمنحنا القوة لاسترداد حقوقنا، وتحقيق السلام بطريقتنا، ولكن يبدو أن المتربصين أرادوا أن نعيش مستقبلا بائسا يخلو من الأحلام.
تعرفي على: ماري كوري المثابرة التي أعطت العلم كل ما تملك
سميرة موسى عالمة الذرة المصرية
أن تكون واعيا بالدرجة الكافية، يعني أن تكون قادرا على منح الفرصة دون تفرقة، والإيمان في الأشخاص، وهكذا كان والد سميرة موسى. مع ولادتها يوم 3 مارس عام 1917 بقرية "سنبو الكبرى" بمركز زفتى في محافظة الغربية، كان الأب رجل له مكانته الاجتماعية بين أهالي قريته، يلجأ له كثيرون للاستشارة، ومع بداية تعلمها الخطوات الأولى للمشي، كان منزلهم مجلسا لنقاش أهل القرية حول أمور السياسة والثورة وسعد زغلول وحلم الاستقلال.
وفي زمن، يبدو فيه غريبا أن يهتم الآباء بتعليم بناتهن، كان والد سميرة موسى حريصا على أن يحظى أطفاله بتعليم جيد وثقافة واسعة، فهي وأخواتها الثلاثة التحقن بمراحل التعليم الأولى، فدرست في مدرسة سنبو بقريتها، ومع انتقال العائلة إلى القاهرة، وتحديدا بمنطقة الحسين، التي اشترى والدها فندقا بها وعمل على استثمار أمواله، استكملت سميرة تعليمها.
كانت دوما الأولى، ليس فقط في ترتيب التفوق ولكن في الخطوات التي اتخذتها، أنهت مرحلة التعليم الأساسي في مدرسة قصر الشوق، ثم التحقت بمدرسة بنات الأشراف الثانوية، وهي المدرسة التي كانت تديرها نبوية موسى (واحدة من قامات النهضة النسائية في مصر، فكانت أول فتاة تحصل على شهادة البكالوريا، وأول ناظرة لمدرسة مصرية وكاتبة وأديبة أيضا)، وكان ذلك واحد من المحطات التي أثرت على مشوار سميرة موسى.
بسبب تفوقها، عملت نبوية موسى على إنشاء معمل داخل المدرسة، عندما علمت برغبة سميرة في وجوده، واستطاعت الفتاة التي كانت ما تزال تخطو خطواتها الأولى في التعليم، أن تتمكن من إعادة صياغة كتاب الجبر الحكومي والعمل على كتابته بطريقة اكثر بساطة وسلاسة، وقام والدها بطباعته على نفقته الخاصة، ووزعته على زميلاتها في المدرسة.
عام 1935، كانت سميرة موسى أول فتاة تحصل على شهادة التوجيهية من المدرسة، بعد أن كانت الفتيات يحصلن عليها من المنزل، واختارت أن تستكمل مشوارها مع العلم، وكانت وجهتها كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا)، ليبدو الأمر غريبا لكل المحيطين، لماذا تريد فتاة أن تلتحق بمجال صعب؟ فغير معتاد أن تهتم الفتيات حينها بالعلوم، ولكنها كانت تعلم منذ البداية ما تريده.
طوال مسيرتها العلمية، كانت تعتبر سميرة موسى محظوظة بمن يرعونها، ويقدمون لها الدعم، وفي ساحات كلية العلوم نالت جانب كبير من الحظ عندما التقت بالدكتور علي مصطفى مشرفة، عالم الفيزياء الذي كان أول عميد مصري لكلية العلوم، واستطاع أن يكون عونا لها ويدفعها لاستكمال مسيرتها العلمية بنجاح، وتبنى قدراتها ورأى فيها الإمكانيات التي تجعل من الأحلام حقيقة.
بعد حصولها على شهادة البكالوريوس في العلوم، واحتلالها للمرتبة الولى على دفعتها، كان الطبيعي أن يتم تعيينها معيدة بالكلية، ليواجه ذلك بكثير من الرفض والتعنت من قِبل الأساتذة الأجانب، ولكن وجود الدكتور مشرفة جعلها تتمكن من الحصول على حقها في التعيين، وتجاهل الرفض والاحتجاج الأجنبي.
كانت سميرة موسى أول امرأة تشغل منصب المعيد بكليتها، كما كانت الأولى في تخصصات الذرة والإشعاع الذري والنووي، الذي أثار فضولها حينها، خاصة، مع الأحداث التي وقعت خلال تلك الفترة، من أحداث الحرب العالمية الثانية، وما ارتبط باستخدام السلاح النووي بها، واستخدام القنبلة النووية للفتك بسكان مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين.
نالت درجة الماجيستير عن "التأثير الحراري للغازات"، وأتبعتها بدرجة الدكتوراة حول "تأثيرات الأشعة السينية على المواد المختلفة" من بريطانيا، التي استكملت دراستها وأبحاثها بها حول الإشعاع النووي، ووكانت قريبة من الوصول إلى معادلة يمكنها أن تعمل على تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس، وإمكانية صنع قنبلة ذرية رخيصة غير مكلفة.
لم يتم تسجيل أبحاثها لهذه المعادلة، كونها لم تلق تأييدا واسعا من علماء الغرب، ففكرتها ستجعل الجميع متساوين، والحل النووي بيد الجميع، وهو ما كانت تسعى له بالفعل، أن يمتلك العرب الأدوات التي تمكنهم من فرض سلام حقيقي، واعتبرت أن ملكية السلاح النووي تساعد على تحقيق سلام بين الجميع، فيصبح للعرب كلمتهم دون إملاءات خارجية أو سيطرة من طرف على آخر بسبب التفوق في السلاح.
تزامنت رغبات سميرة موسى، مع إنشاء جامعة الدول العربية، وإنشاء دولة تسمى "إسرائيل"، فأرادت لفكرتها أن تأخذ حيز التنفيذ، وعملت على عقد مؤتمر دولي "الذرة من أجل السلام"، تمت دعوة أبرز العلماء من جميع أنحاء العالم له، وخرج المؤتمر بتوصيات تشير إلى ضرورة العمل على تشكيل لجنة للحماية من المخاطر النووية.
"أتمنى ان يكون العلاج النووي للسرطان متاحا ورخيصا مثل الإسبرين" بسبب معاناة والدتها مع هذا المرض، تمنت سميرة أن يكون للذرة دورها في التخلص منه، وساهمت في المساعدة في علاج مرضى السرطان في مستشفيات مختلفة، كما قامت بالمساهمة في تدشين هيئة الطاقة الذرية المصرية، واهتمت أن يكون هناك علماء مصريين متخصصون في هذا المجال، فعملت على إيفاد البعثات للخارج.
اقرئي أيضا: عائشة عبد الرحمن بنت الشاطيء وأول من حاضرت في الأزهر
وفاة سميرة موسى
"مصر، وطني العزيز، ينتظرني" يبدو أن رغبتها في أن تكون مصر المستفيد الأول من علمها، هي سبب مقتلها. فكانت سميرة موسى تتلقى عروضا خارجية مرة بإغرائها بالعيش في الولايات المتحدة الأمريكية والمشاركة في أبحاثها النووية، وأخرى بحصولها على الجنسية وتمتعها بجميع الحقوق، لكن كان لسميرة موسى حلما آخر، لم يُكتب له أن يرى النور.
حصلت على منحة للدراسة في جامعة أوكردج بولاية تنيسي الأمريكية، ثم لبت دعوة عام 1952 للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، من جامعة سانت لويس بولاية ميسوري، والاطلاع على المعامل المتوفرة بها، وإمكانية إجراء أبحاث داخلها، راسلت والدها حينها تخبره بما رأت: "لو كان في مصر، مثل هذه المعامل الموجودة هنا، لكنت استطعت أن أفعل أشياء كثيرة".
واحتوت آخر رسائلها على رغبتها في أن تدشن معمل خاص بها في منطقة الهرم بالجيزة، تبدأ من خلاله تنفيذ رؤيتها للسلام، ورفضت بشكل قاطع أن تبقى في الولايات المتحدة رغم توفر الإمكانيات، وقبل عودتها إلى القاهرة، تعرضت سميرة موسى لما يمكن أن نسميه "خداعا"، والذي يبدو أن الممثلة راقية إبراهيم، الممثلة التي كانت تعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية، دور فيه، بعد أن أطلعت هذه الجهات على ما تريده سميرة.
تم إرسال دعوة لسميرة موسى من أجل زيارة أحد المعامل النووية في كاليفورنيا، وذهب لاصطحابها يوم 5 أغسطس عام 1952 سائق هندي، وعلى إحدى الطرق الوعرة، التي كانت تسير بها سيارة سميرة متجهة إلى حيث تمت دعوتها، ظهرت سيارة نقل كبيرة صدمت سيارتها، وفجأة ينتهي الأمر بسميرة موسى ملقاة في واد عميق، بعد أن هرب السائق واختفى للأبد.
تبين بعدها من التحقيقات، التي قُيدت ضد مجهول، أنه لم تكن هناك دعوة من الأساس، وأن السائق قام بانتحال شخصية أخرى باسم مستعار، لتزداد الشكوك حول وجود نية مسبقة للتخلص من سميرة موسى، وأن هذا تم على يد المخابرات الإسرائيلية "الموساد" حتى لا يكون هناك فرصة لمصر أن ترى النور، وتناطح بعلم واحدة من أبنائها كبار العالم.
رحلت سميرة موسى وهي بعمر الـ 35 عاما، تاركة أثر لا يمكن أن يُمحى، وحصل اسمها بعد رحيلها على عدد من التكريمات، فمنحها الرئيس الراحل أنور السادات وسام العلوم والفنون من الطبقة الولى عام 1981، وتم إطلاق اسمها على واحدة من مدارس وزارة التربية والتعليم بقريتها في الغربية.
اقرئي أيضا:
منيرة المهدية الوطنية المتمردة سلطانة الطرب والخلافات
الكاتب
هدير حسن
السبت ٠٤ يوليو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا