زينات صدقي ورقة الكوميديا الرابحة التي ضحت بكل شيء
الأكثر مشاهدة
تعتبر زينات صدقي واحدة من أهم الرائدات في عالم الفن المصري والعربي، فقد طرقت على أبواب الكوميديا التي ظلت حكرًا على الرجال لسنوات ودخلتها من أوسع أبوابها حتى اعتبرها المنتجون تميمة الحظ الناجحة التي لا يجب أن يخلو فيلمًا من خفتها ظلها وروحها المرحة، ومن بعدها فتحت الباب للنساء ليخضن تحدي إضحاك الجمهور، وهو ليس شيئًا سهل على الإطلاق. قدمت زينات أكثر من 400 فيلم وظلت في سنواتها الأخيرة تبحث عن فرصة للعودة إلى أكثر شيء تحبه "التمثيل" لكن كبر السن وقف في طريقها، فتوفيت وهي تنتظر. دعونا نقترب أكثر من سيرة حياة الفنانة القديرة زينات صدقي في تلك السطور.
من هي زينات صدقي؟
ولدت زينب محمد سعد في حي الجمرك في مدينة الإسكندرية في مايو عام 1912، وحصلت على الشهادة الابتدائية لكن والدها لم يسمح لها بإكمال تعليمها، وبعد وفاة الوالد تزوجت من ابن عمها الطبيب الذي يكبرها بـ17 عامًا وهي ابنة 13 عامًا فقط، ولم يستمر هذا الزواج سوى 11 شهرًا بسبب سوء معاملته لها. تركت زينب عائلتها وأصبحت تغني في الفرق الشعبية والأفراح بالإسكندرية بدون علم الأهل، وحين انكشف سرها، سافرت مع صديقة لها إلى لبنان وعاشت هناك فترة وعملت كمونولجست.
بعد فترة من التواجد في لبنان، قررت العودة إلى مصر لكن هذه المرة إلى القاهرة وليس الإسكندرية، وعملت في فرقة بديعة مصابني التي عرضت عليها أن تعلمها الرقص، لكن زينب قالت أنها تهوى التمثيل، وذهبت إلى نجيب الريحاني وطلبت منه أن يشركها في أحد مسرحياته، فقال لها "هجربك" وأخذت دورًا بالفعل وبرعت في تقديمه، فاختار لها الريحاني اسمها الفني لتصبح منذ حينها زينات صدقي.
لكن انطلاقة زينات صدقي الحقيقية وبزوغ نجمها كان من خلال الشاشة الفضية، حينما اشتركت عام 1937 في فيلم وراء الستار، ومن بعدها ظلت تقدم أفلامًا مع عمالقة الفن وقتها، وكان المنتجون يعتبرونها تميمة الحظ التي لا بد أن تتواجد في كل فيلم لتضيف البهجة والحيوية للمشاهد في أي دور قدمته، سواء كانت خادمة أو جارة سليطة اللسان أو شابة تأخر عنها قطار الزواج، وعرفت بـ "ورقة الكوميديا الرابحة". قدمت زينات العديد من الأفلام مع إسماعيل يس وشادية ويوسف بك وهبي وعبد الحليم حافظ وأنور وجدي وعبد السلام النابلسي وغيرهم. وظلت طوال فترة الأربعينات والخمسينات ركنًا أساسيًا من الأفلام، حتى أنها في عام 1954 وحده شاركت في حوالي 19 فيلمًا، منهم عفريتة إسماعيل يس والستات مايعرفوش يكدبوا والآنسة حنفي وأربع بنات وضابط.
ومع بدايات الستينيات من القرن الماضي، أصبحت زينات صدقي أكبر في العمر وقل عدد الأدوار التي شاركت بها، لكنها استمرت في تقديم ما وجدته مناسبًا لها، وفي أواخر هذا العقد ومع انسحاب الأضواء عنها شيئًا فشيئًا، تراكمت عليها الديون وطالبتها الضرائب بتسديد مبالغ طائلة وصلت إلى أكثر من 21 ألف جنيه ولم يكن لديها أي أموال، فباعت مصوغاتها وبعض التحف والسجاد الفاخر لتسدد ما عليها.
تزوجت زينات صدقي من حب حياتها الذي قابلته عندما كان يحضر ليشاهدها فى فرقة الريحانى، وأعجب بها وطلب من الريحاني أن يتعرف عليها وحضر مع الفرقة الوليمة التي أعدتها لهم زينات وقابلها وطلب الزواج منها، فوافقت وأقيم الفرح في شقتها بحضور المقربين منها لكن بدون معرفة أهل العريس لأن زينات تعمل في التمثيل. استمر هذا الزواج لمدة 14 عامًا، منهم 9 أعوام بدون علم أهل الزوج، وحملت زينات في طفل لكنها أجهضته لأنها لم ترغب في أن يولد وهو غير معترف به من قبل أهله، وعليه تبنت ابنة شقيقتها نادرة وأخذتها لتعيش معها كابنة لها.
ظلت زينات بعيدة عن الفن لمدة 23 عامًا، تشترك في أفلام بسيطة بين الحين والآخر، وترفض التواجد في أي عمل لا يعطيها مكانتها أو يتعامل معها كنجمة، إلى أن ألحت عليها شقيقتها لقبول دور في فيلم بنت اسمها محمود عام 1975، فوافقت لكنها كانت تعود من التصوير وهي تشعر أن المكان لم يعد لها وأنها تتلقى معاملة أقل مما يجب، فابعدت تمامًا.
وتقول عزة مصطفى حفيدة زينات صدقي أنها دائمًا كانت محطة للشائعات، فقال البعض أنها يهودية وهو شيء عار تمامًا من الصحة، وأنها باعت أثاث منزلها لسداد ديونها وعاشت على البلاط، لكن هذا أيضًا ليس صحيحًا، كما أنها ذهبت إلى مقابلة الرئيس السادات في عيد الفن بنفسها بدون مساعدة من أحد، وهناك كرمها ومنها معاشًا استثنائيًا ولكنها لم تطلب من أحد أن يعيرها ملابس لتذهب فيها كما أُشيع.
وفي أحد اللقاءات النادرة لزينات صدقي، والذي تم تصويره في حفل تكريم كبار الفنانين، قالت: وقالت: "قرايبي اللي راموني ومتبرئين مني لحد دلوقتي، كلهم عندهم تليفزيون، أقول لهم اللهم انصر الفنانين على أهاليهم اللي مش بيعترفوا بالفن".. وأكملت: "أنا الوحيدة اللي بعترف بسني، أنا مولودة 4 مايو سنة 1912 يعني 61 سنة، ولما أكون 81 أنا مستعدة في اليوم اشتغل 24 ساعة، واللي يناسبني هشتغله.. إن شاء الله دور عفريتة"
.
توفيت القديرة زينات صدقي يوم 2 مارس 1978، ودفنت بمقبرة اشترتها بمالها الحر وكانت قد وهبتها لدفن الفقراء وعابري السبيل، وكتبت عليها: "مدفن الصدقة وعابري السبيل"، ورحلت وتركت ميراثًا فنيًا مهمًا سيظل مستمرًا تتوارثه الأجيال القادمة.
الكاتب
ندى بديوي
السبت ١٨ يوليو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا