دوروثي بروك الإنجليزية التي أنقذت الخيول في مصر
الأكثر مشاهدة
حب للخيول لازم اسمها منذ الطفولة وحتى بعد وفاتها، فالسيدة الإنجليزية دوروثي بروك استطاعت أن تحمي خيول الحرب العالمية الأولى، وتمنح الفصيلة الخيليلة في مصر وعدد من دول العالم فرصة أخرى للعيش بصحة وسلام ورحمة، ليظل جهدها في إنشاء مستشفى مجاني يعالج الأحصنة ويمنح أصحابهم الوعي الكافي بطرق العناية اللازمة، حتى بعد أن رحلت عام 1955.
القصة بدأت في يونيو وانتهت في نفس الشهر أيضا، مع ولادة دوروثي جيبسون- كريج في مدينة ويلتشير في إنجلترا، في الأول من يونيو لعام 1883، وكانت طفلة محببة عاشت سنوات عمرها الأولى في كنف أسرة أرستقراطية، والفروسية واحدة من إمارات العائلات الراقية، وكان ذلك اللقاء الأول لدوروثي بالخيول، ليصبح مشوارا أبديا لم ينتهِ إلى الآن.
انتقلت دوروثي مع عائلتها إلى إسكتلندا، وأمضت طفولتها هناك وتعلمت ركوب الخيل، وأظهرت براعة وقدرة على الفروسية، واعتادت لسنوات طويلة على ركوبها وتعلق قلبها بها، حتى بدأت تشق حياتها وانشغلت عنها، لتعود لها مرة أخرى بسبب فارس وزوج وقائد.
في عام 1905، كانت التجربة الأولة لدوروثي مع الزواج، فتزوجت المقدم الكولونيل جيمس جيرالد لامب سيريت، واستمر زواجها حتى عام 1926، وهو نفس العام الذي تزوجت به مرة ثانية من الضابط جيفري فرانسيس هيرمون بروك، الذي كان يعمل بسلاح الفرسان البريطاني، وكانت تلك البداية لتخليد اسم دوروثي بروك.
قصة دوروثي مع خيول مصر
بعد أربع سنوات من زواجهما، انتقلت دوروثي مع زوجها بروك إلى مصر في عام 1930، بعد أن تم تعيين جيفري بروك ليكون قائد لسلاح الفرسان البريطاني في القاهرة، وكان بروك معروفا بكونه فارس مُعترف به، واشترك في فريق الفروسية البريطاني في دورة الألعاب الاولمبية البريطانية عام 1924، كما أنه كان مدرب لركوب خيول البولو، وحاصل على عدد من الألقاب، منها: Horsemanship، وThe Way of A Man with a Horse، وHorse Lovers.
وفي القاهرة، وبعد 12 عاما من الحرب العالمية الأولى، لاحظت دوروثي بروك ما تعرضت له الأحصنة والخيول والحمير، والفصيلة الخيلية كافة من تدهور صحي وبدني، وبات وضعها مزريا وقاسيا، وهو ما شعرت نحوه بكثير من الأسى والضيق، وكانت تلك الخيول قد استعان بها الجيش البريطاني في أثناء حملاته خلال الحرب العالمية الأولى، وتم بيعها لآلاف التجار المصريين، نظرا لاستحالة عودتها مرة اخرى إلى إنجلترا.
نظرا لعمل زوجها كلواء مختص بسلاح الفرسان، كانت دوروثي مطلعة على ما ينال هذه الأحصنة والخيول، فكانت تتعامل معها بوجة نظر إنسانية خالصة، رأت فيها ما قدمته هذه الخيول على مدار سنوات الحرب، التي زج بها إليها دون إرادة منها، لتبقى في النهاية تعاني من سوء الإهمال الصحي والمعاملة القاسية بعد أن تقدمت في العمر، فتتعرض للضرب وسوء التغذية نتيجة انعدام وعي المصريين وقتها بطرق التعامل السليمة مع هذه الحيوانات، غير معاناة المصريين أنفسهم حينها من الفقر والعوز.
لم تتوقف دوروثي عند مجرد الشعور بالتعاطف مع هذه الحيوانات، فقررت أن تبدأ في شراء الخيول والأحصنة الضعيفة، وتحاول تطيبيها بنفسها، وشكلت مع مجموعة من الأصدقاء لجنة تجمع المال وتحاول تقديم المساعدة، وقررت في عام 1931 أن تخاطب جريدة مونينج بوست The Morning Post أو (التليجراف حاليا)، بعد أن قرأت عن وجود نية لعمل نصب تذكاري للخيول يكرم مشاركتها في الحرب العالمية الأولى.
خطاب دوروثي بروك لمورنينج بوست
قررت دوروثي بروك أن يشمل خطابها اقتراحا يجعل حياة هؤلاء الخيول أفضل بحلول السنوات القادمة، فرأت أن يتبنى المهتمون إنشاء مستشفى لعلاج الأحصنة والحمير والبغال في مصر، هو أمر أكثر نفعا ما تحتاجه الخيول بالفعل، فقالت في خطابها:
" إنهم جميعًا تجاوزوا العشرين عامًا حتى الآن، والقول بأن معظمهم مروا بأوقات عصيبة هو أبسط ما يمكن أن نصف به حالتهم.
تلك الخيول التي بيعت في نهاية الحرب قد انحدر بهم الحال للغاية من حيث القيمة، ولم يعودوا قادرين على العمل، وأغلبهم يمضون أيامًا بائسة من الكدح في ملكية ملاك فقراء للغاية لا يستطيعون إطعامهم الطعام الكافي.
ولدت هذه الخيول الكبيرة في السن الآن، وترعرعت في الحقول الخضراء في إنجلترا -كم مر من السنوات منذ أن رأوا حقلاً، سمعوا تيارًا من الماء، أو كلمة لطيفة باللغة الإنجليزية آخر مرة؟
الكثير منهم أصابهم العمى، كلهم صاروا هياكل عظمية.
يتم جمع الأموال لشراء هذه الخيول القديمة. وبما أن معظمها هو الوسيلة الوحيدة لسبل العيش غير المستقرة لأصحابها، يجب بالضرورة، تقديم تعويض مناسب لأصحاب هذه الحيوانات.
الحيوان الذي نصنفه في إنجلترا انه في سن كبير جدًا وغير قادرة على للعمل، سيكون أمامه هنا في مصر عدة سنوات من الكدح المستمر، ولا يوجد هنا أيام راحة أو أيام الآحاد (الإجازة الأسبوعية في إنجلترا يوم الأحد).
إذا كان أولئك الذين يحبون الخيول حقًا- الذين يدركون ما يمكن أن يعني أن يكون الحيوان كبيرًا جدًا في السن، وجائعًا جدًا، وعطشًا جدًا، ومتعبًا جدًا، وعليه أن يقوم بعمل شاق متواصل في بلد له طقس شديد الحرارة- سيرسلون مساهمات للمساعدة في منح أبطال حربنا الفقراء من الحيوانات نهاية رحيمة بهم، سنكون ممتنين للغاية.
ويمكنني أن أغامر وأقول إن هذا قد يكون، من نواح عديدة، تقديرا مناسبًا (وإن كان غير منظور) كجزء من النصب التذكاري للخيول التي شاركت في الحرب مثل أي جزء آخر يمكن ابتكاره لتكريم هذه الخيول".
خطاب دوروثي بروك لصحيفة مورنينج بوست
نجحت دوروثي في نشر فكرتها، واستجاب لخطابها كثيرون، من بينهم ملك بريطانيا الملك جورج السادس، واستطاعت أن تجمع 20 ألف جنيه إسترليني، وكانت اللجنة التي أسستها مع أصدقائها تقوم بشراء من 60 إلى 70 حصان أو حمار أو بغل أسبوعيا من الملاك المصريين الفقراء، وحتى عام 1934 تمكنت من جمع 5000 آلاف حيوان.
ومع حلول عام 1934، وبعد سنوات من البحث عن خيول وبغال الجيش البريطاني، والعمل على جمعهم وشرائهم، أسست دوروثي بروك "المستشفى التذكارية لأحصنة الحرب العالمية" في القاهرة، التي تحول اسمها فيما بعد إلى "مستشفى بروك الخيري لعلاج الحيوان"، وآوت بها الحيوانات التي أنهت حياتها بشكل رحيم، بعد أن حصلت على الرعاية البيطرية اللازمة.
لم يتوقف عمل المستشفى على خيول الجيش البريطاني، وبدأت تتوسع في مختلف مناطق القاهرة، وتقدم خدماتها بشكل مجاني لكل حيوانات الفصيلة الخيلية، وتعمل على توعية أصحاب هذه الحيوانات بطرق عنايتها السليمة وتغذيتها، والتعامل الرحيم معها، كما ترشدهم لطرق التطبيب البسيطة.
سافرت دوروثي بروك إلى الهند لظروف عمل زوجها كلواء سلاح الفرسان هناك، واستمر عمل مستشفاها الخيري، وكانت تحرص على زيارة مصر بشكل سنوي، وفي عام 1946 عادت إلى القاهرة، واستقرت بها حتى حان وقت رحليها، وفي منزلها بمصر الجديدة توفيت بروك في 10 يونيو عام 1955، ودفنت في مصر.
تركت بروك بعد رحيلها مستشفى خيري يعد الأول من نوعه، واستطاع أن يستمر حتى بعد وفاتها حتى الآن، فانتشر عمل المستشفى في محافظات مختلفة من المنصورة إلى أسوان والإسكندرية والأقصر، ومنها إلى الهند وأفغانستان ونيبال وباكستان ونيكارجوا وغرب إفريقيا، وتتقوم بزيارات أسبوعية إلى منطقة نزلة السمان واستحدثت خدمة العيادات المتنقلة، معتمدة على المساعدات والتبرعات المادية، وتقدم خدماتها بشكل مجاني.
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ٢٨ يوليو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا