ميادة الحناوي مطربة الجيل التي رحلّتها الغيرة من مصر
الأكثر مشاهدة
"لولا مصر، ما كنت أنا ميادة الحناوي" بعد أكثر من 40 عاما، تخللتها فترات من التوقف والعودة مرة ثانية، ما زالت مطربة الجيل ترى أن مشوارها الفني ما كان ليبدو بهذا النجاح والقدرة على الاستمرارية لولا أنه بدأ في مصر، وعلى يد كبار ملحنيها وشعرائها، الذين آمنوا بموهبة ميادة الحناوي ومنحوها كلمات وألحان خلدتها بصوتها المتفرد الشجي.
بداية ميادة الحناوي
منذ سنوات عمرها الأولى، كانت الموسيقى رفيقها في بيت يعشق الغناء ويستمتع بألحان المطربين العرب، فالطفلة السورية التي ولدت في حلب في 8 أكتوبر عام 1959، لوالدها بكري الحناوي ووالدتها عدوية حاج منذور، اعتادت أن تستمع إلى شقيتها فاتن وهي تغني، وأن تفعل مثلها وتردد اغنيات أم كلثوم.
مع دخولها لمرحلة المراهقة، برزت موهبة ميادة الحناوي بصورة كبيرة، وكانت لديها الرغبة في احتراف الغناء، ولكنها اشترطت بينها ونفسها أن يكون ذلك على يد كبار الملحنين العرب، وهو ما حدث بالفعل، فكان اكتشافها على يد الموسيقار محمد عبد الوهاب، الذي ميزّها لأول مرة بـ "البنت أم شعر أحمر".
كان محمد عبد الوهاب يقضي عطلة الصيف في سوريا، وتحديدا في مصيف بلودان غرب دمشق، كما هو معتاد دوما، وفي واحدة من الليالي كانت الفرصة سانحة لتحيي ميادة وأختها فاتن حفلا في حضوره، واستطاعت أن تلفت الانتباه بصوتها القوي وأدائها المتقن، مما جعل عبد الوهاب يبدي إعجابه بهذا الصوت، وأخبر المحبطين بأنه يريد الفتاة ذات الشعر الأحمر، التي هنأها على صوتها ودعاها لإلى زيارة مصر، لتبدأ مشوار فني إحترافي.
وهي ما زالت يعمر الـ 15 عاما، انتقلت ميادة الحناوي مع اثنين من أشقائها إلى مصر، وفي حفل كبير دعا محمد عبد الوهاب له الكتاب والصحفيين والمبدعين والمطربين والملحنين، قدم اكتشافه الجديد، واستطاعت الفتاة أن تبهر الحضور وتقدم أغنيات أم كلثوم "لسه فاكر" و"دارت الأيام"، التي كان يحب عبد الوهاب أن يسمعها منها، ثم قرر أن يمضي معها عقد فني لشركة صوت الفن مدته خمس سنوات.
شعرت ميادة أن الحظ يبتسم لها كثيرا، وأنه يمكنها أن تحقق حلمها في أن تكون أول أعمالها الغنائية على يد واحد من أعظم وأهم ملحني الوطن العربي، فظلت على مدار عامين تعمل مع محمد عبد الوهاب على تقديم أغنية "في يوم وليلة"، ولكن حدث ما أفسد عليها بهجة الاستعداد للعمل الأول، ودفن حلمها في أن تغني من ألحان مطربها المفضل.
تحكي ميادة الحناوي أن الأمر له علاقة بـ "غيرة الستات"، فاهتمام عبد الوهاب بموهبتها وتكريسه وقت طويل لها، لم يكن مُرضيا لزوجته نهلة القدسي، التي اعتبرت أن الأمر مبالغا به، وأنه زوجها قد يكون واقعا في غرام هذه الطفلة، وهو ما جعلها تقرر أن تبعدها عنه، فاتصلت بوزير الداخلية حينها وطلبت منه أن يقوم بترحيل ميادة الحناوي من مصر.
وفي أحد الأيام، وفي أثناء استعداد ميادة للذهاب إلى إحدى الحفلات التي كانت تقيمها الفنانة فايزة أحمد، وجدت ضابطين على باب منزلها في الزمالك حينها يقومان بإخبارها بضرورة الذهاب الفوري إلى إدارة الجوازات والهجرة، وعلى الفور وخلال دقائق، كانت ميادة الحناوي داخل المكتب والمسئول يخبرها بأنه تم ترحيلها من مصر إلى لبنان في اليوم نفسه، دون أن يكون لديها الفرصة للعودة غلى منزلها مرة ثانية لتجمع أغراضها وملابسها، ورعم محاولات فايزة أحمد، كان القرار قد صدر، ولم يكن هناك بد من التنفيذ.
من مصر، سافرت الحناوي إلى لبنان، وكان العام 1977، حين كانت بيروت غارقة في حربها الأهلية، ولم تعلم ميادة ما يجب عليها أن تفعل، فواجهت الصعوبات والتحديات حتى عادت إلى سوريا، ومها محاولات العودة إلى مصر مرة ثانية بعد هذه الحادثة بـ 20 يوما، كان المنع هو الرد، فأصبحت مصر منطقة محظورة على ميادة الحناوي برا وبحرا وجوا لمدة 13 عاما.
كان الحزن هو المسيطر على مشاعرها، ولم تكن تعلم ما جنته لأجل هذا القرار الصادم القاسي، ولكن إيمان ملحني مصر وشعرائها بموهبة ميادة الحناوي كان هو فرصتها للاستمرار، فرغم حزنها على ضياع فرصة غناء في "يوم وليلة"، خاصة بعد أن سمعتها من الفنانة وردة، بدأت العمل على مجموعة أخرى من الأغنيات، واجتمع على صوتها كبار الملحنين المصريين.
ألبومات ميادة الحناوي
وكون مصر، التي تعتبرها ميادة منارة الفن في العالم العربي، باتت بعيدة المنال وصار دخولها لها مستحيلا، فكان من الأيسر أن تأتي مصر إلى ميادة الحناوي، فاتفقت مع المنتج محسن جابر على إنتاج ألبومات غنائية جديدة، فتتفق معه على الهاتف، وتستمع للكلمات وتتدرب عليها في سوريا، ثم ينتقل الفريق بالكامل من ملحنين وعازفين إلى اليونان لتسجيل الأغنيات.
خلال هذه المرحلة أنتجت ميادة الحناوي أفضل أغنياتها التي ظلت باقية في ذاكرة المصريين كتاريخ فني لصوت استطاع أن يُحي الطرب، ويستعيد مجد الماضي، ويعتبر المنتج الفني محسن جابر أن "ميادة الحناوي هي تاريخي.. ومشوار عمري"، فمن خلالها كان خمسة من أهم ملحني هذا العصر يجتمعون في اليونان من أجل تسجيل أغنياتها، وهم محمد الموجي وحلمي بكر ومحمد سلطان وعمار الشريعي وبليغ حمدي، في حضور كان من النادر حدوثه في مصر.
"الحب اللي كان" و"فاتت السنة" أولى أغنيات ميادة الحناوي، كانتا من تأليف وألحان بليغ حمدي، وتمكنت من أن تشتهر بهما في البلاد العربية جميعها، وداخل مصر كذلك، حتى قدمت تحغتها الفنبة الخالدة التي صارت بصمتها وعلامتها التسجيلية "أنا بعشقك"، التي ظلت إلى الآن المطلب الجماهيري في كل حفل تقدمه الحناوي.
عادت ميادة الحناوي إلى مصر "مجبورة الخاطر" كما تقول، في السادس من أكتوبر لعام 1991، بعد أن تمت دعوتها من قبل وزارة الإعلام، فشعرت وكأنه نوع من رد الاعتبار، كانت "عندي كلام" كانت آخر أغنية صنعها بليغ حمدي لميادة الحناوي، وتعاونت من بعد رحيله مع ملحنين جدد مثل صلاح الشرنوبي وعمار الشريعي وخالد الأمير.
في فترة التسعينات، قدمت الحناوي مجموعة جديدة من الألبومات والأغنيات التي كانت تحمل طابع مختلف، فالأغنية طربية ولكنها أقصر، كما صورت عدد من الفيديو كليب مثل "غيرت حياتي" و"يا شوق" و"الشمس" و"أنا مغرمة"، مما أكسبها شهر اسعة بين أبناء الجيل الجديد، محتفظة في نفس الوقت بأصالة الكلمات واللحن.
وقدمت الحناوي ألبومات "آخر زمن" عام 1988، و"غيرت حياتي" عام 1992، و"بينت الحب عليا" عام 1995، و"هو مش أنا" عام 1996، و"الليالي" و"ماتغيرتش" عام 1997، معتمدة على اللهجة المصرية في جميع اغنياتها، عدا أغنية واحدة قدمتها باللهجة الليبية.
ميادة الحناوي كانت ولا زالت حريصة على حياتها الشخصية، فتبدو قليلة الكلام عنها، ولا ترغب في البوح بأي تفاصيل تخصها، ولكن يقال إنها تزوجت من وزير سوري سابق وهي طفلة دون الـ 16 عاما، وبعد وفاته سافرت إلى مصر، وتزوجت مرة ثانية من السوري مهند أحمد، ولم يكتمل الزواج سوى عشرة أعوام، طلبت بعدها الطلاق.
وفي عام 2009، اضطرت الحناوي أن تلجأ إلى المحاكم ورفع الدعاوى القضائية من أجل أن تحصل على الخلع ويتم طلاقها من مهند أحمد، ولم تُرزق بأبناء من هذه الزيجة، التي ندمت عليها، دون أن تكون نادمة على عدم إنجابها للأطفال، معتبرة أن أبناء أخواتها هم أبناء لها.
مرض ميادة الحناوي
على مدار سنواتها الفنية، كانت ميادة الحناوي تظهر في كثير من الحفلات الغنائية في مختلف البلاد العربية والغربية كذلك، وكان آخر ظهور لها على المسرح في حفل قدمته في أغسطس 2019 على المسرح الصيفي في مدينة صفاقس بتونس، ولكن حدث ما جعلها تفقد توازنها وتسقط وهي تغني لتطلب من الجمهور حينها أن تغني وهي جالسة.
جعل هذا الحادث كتثيرون بشكون بوجود سبب مرضي لما تعرضت له ميادة الحناوي، ولكنها أرجعت ذلك إلى حرارة الطقس الشديدة التي أرغمتها على فقدان التوازن، مستنكرة تسرع كثيرين بتسريب الإشاعات عن المرض، واعدة جمهورها بتعاونات فنية وأغنيات جديدة.
الكاتب
هدير حسن
الجمعة ٢٤ يوليو ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا