داليا بلبل تنهي سنوات الوظيفة والروتين بحلم ”خاتون”
الأكثر مشاهدة
كثيرا ما نُوقف أنفسنا عن السعي، بعد أن تخيلنا حواجز وصدقنا وجودها بالفعل، نخبر حالنا أن السن لا يسمح وأن الطاقة قد نفدت وأن الناس قد يقولون، في حين أنها أوهام رددها آخرون فأقنعنا أنفسنا أنها تليق بنا، لكن داليا بلبل كانت تملك إيمان وثقة جعلتها تؤمن أنه يمكنها أن تبدأ من جديد، حتى وإن بدا ذلك مستحيل لكثيرين.
"مش هفضل طول الوقت بتفرج على الدنيا من جوه صندوق زجاج" بعد أكثر من 15 عاما قضتها داليا في شركة المصرية للاتصالات، لم تعد تشعر بالسعادة لوجودها في نفس مجال العمل لسنوات طويلة دون تغيير، فمنذ تخرجها من كلية التجارة وهي تعمل بالشركة، ورغم ترقيها وتميزها في عملها، كان الروتين يحبس أنفاسها.
وفي لحظة قد تبدو "طائشة" وغير محسوبة بالنسبة لكثيرين، قررت داليا أنها ستتخلى عن وظيفة مستقرة وعمل بأجر ثابت ومضمون، لتبدأ مسيرة مهنية مختلفة، لم تكن قد حددت ملامحها بعد، ولكنها كانت تعلم أنها اكتفت من العمل اليومي الروتيني لداء نفس المهام كل يوم بنفس الطريقة "كان الموضوع بدأ يكون مرهق نفسيا.. وخدت قرار أسيب الشغل رغم أنه مش حاجة سهلة".
في البداية، قررت داليا أن تحصل على إجازة لمدة سنة بدون راتب، حاولت أن تكتشف شغفها وتبحث عن ما يمكن أن يناسب اهتماماتها، وكانت مترددة بصورة مستمرة على البازارات والمعارض التي تنظكها جهات مختلفة، واكتشفت وجود علامات تجارية مصرية في مجال الأزياء واكسسوارات الملابس تعمل من خلال الإنترنت والبيع أونلاين "فكرت أنه ممكن أعمل زيهم"، خاصة مع اهتمامها بتنسيق الملابس، وحبها للألوان ومعرفة خامات الأقمشة.
بعد أن لمعت الفكرة في ذهنها، قررت أن تقدم استقالتها بصورة نهائية والبدء في مشروعها "خاتون"، عقب رحلة طويلة تعرفت من خلالها على أنواع الأقمشة المناسبة والخامات التي يمكنها أن تستخدمها وأماكن شرائها، والطريقة المناسبة لتنفيذها، وبعد عدة تجارب ومحاولات حتى تستقر على منتجها لنهائي، قررت أن تصمم ملابس تناسب الوجود في المنزل وهي البيجامات الصيفي والشتوي.
"حاولت أعمل حاجة مختلفة، دايما لبس الخروج منتشر، وملابس البيت سعرها عالي، فقررت أنفذها بتكلفة اقل وجودة جيدة" وفي ديسمبر 2018 ظهرت أولى تصميماتها على صفحتها باسم المشروع "خاتون"، المأخوذ من اللغة التركية ويعني السيدة عريقة النسب المهذبة والمنتمية إلى سيدات المجتمع من الطبقة الراقية، "اختارته عشان يكون هوية عربية" ليعبر عن مفهوم مشروعها.
لم يكن لدى داليا بلبل الخبرة الكافية، لكنها كانت تعشق الألوان والتفصيل، واستطاعت أن تتمرن وتكتسب خبرة من خلال المتابعة والتجربة، كما خضعت لدروة تدريبية عن اختيار الألوان وتداخلاتها والاستايلست مع مايا حداد، حتى تمكنت من إنتاج أول مجموعاتها وكانت عبارة عن بيجامات صيفي وشتوي، اشتركت بها في أحد البازارات، واستطاعت أن تكتسب ثقة من خلال تعامل العملاء "كانت أول عميلة الممثلة ليلى عز العرب، والكل كان معتقد أنها منتجات مستوردة".
حرصت داليا على أن تكون منتجاتها مصرية بالكامل، وعملت على أن تختار ألوان وخامات مميزة وجودتها عالية، ولكن بسعر معقول، مما منحها شعبية أكبر، وتمكنت من تأجير خط إنتاج في أحد المصانع "كتير بيبعتوا لي يشكروني ويقولوا لي أني غيرت فكرتهم عن الشراء الأونلاين" وهو ما يجعلها تشعر بأن هذا هو الربح الحقيقي.
تتطلع داليا بلبل أن يكون لعلامتها التجارية قدرة على التصدير وأن يكون للمنتج المحلي المصري سوق خارجية، فكونها استطاعت التعامل مع عملاء من دول عربية مختلفة، فتح لها آفاقا حول إمكانية العرض في الخارج، إلى جانب ضرورة امتلاك مصنع خاص بها كأحد أحلامها الذي تنوي تحقيقه.
في المقارنة ما بين العمل الثابت والوظيفة التي تؤمن أجر شهري، والعمل الحر الذي يروي الشغف لكنه صعب المنال وجدت داليا أن جمعها ما بين الاثنين في مراحل مختلفة من حياتها أكسبها خبرة أكبر، ففي وقت كانت الوظيفة خيار مثالي لأم عمرها 41 عاما، وتملك ثلالثة ابناء أكبرهم فتاة في العشرين من عمرها، ولكن مع بلوغ اطفالها لسن معين كان العمل الحر مناسب وحلم يمكن تحقيقه.
واجه الجميع رغبتها في ترك العمل المستقر بكثير من الاستنكار "كل الاصحاب والقرايب قالوا لي خسارة تسيبي شغل نستقر" لكن جاء أطفالها وزوجعا داعمين لرغبتها مدركين أنها غير سعيدة بوظيفتها "كانوا عارفين أني مش مرتاحة وبدأوا يشجعوني وبنتي الكبيرة بتساعدني أوقات وتختار معايا الألوان".
من الممكن أن يكون عملها في "خاتون" مرهق ويحتاج لكل الوقت، ولكنه يمنحها شعورا بالتحقق لم تستطع سنوات العمل اليومي في الوظيفة أن تقدمه لها "مشروعك بيأخد كل الوقت، وممكن في الأول متحققيش ربح لكن بتكوني مرتاحة ومبسوطة" معتبرة أن الزمن والعمر أبدا ليس عائق "مش عيب أبدا تبدأي في أي وقت".
الكاتب
هدير حسن
الخميس ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا