هكذا يورط الخوف من البدايات الجديدة في علاقات سامة
الأكثر مشاهدة
العلاقات الإنسانية، في ظني، هي أكثر الأمور تعقيدًا، وقد تكون أيضًا الأكثر إرهاقًا وأذى إن لم تكن تسير الأمور بالشكل الواضح لها، وإن لم يكن الطرفان على قدر كبير من النضج يسمح لهما بالتجاوز والحسم في مختلف الأمور، ولكن في بعض الأوقات قد يكون الانسحاب هو الحل الوحيد للنجاة، إلا أن الخوف من البداية من جديد قد يورط صاحبه في أمور وعلاقات لن يجني من ورائها غير الاستهلاك النفسي والأذى.
كيف يمكن أن يورطك خوف البدايات الجديدة في علاقات مؤذية
خوف البدء من جديد لا يسيطر علينا فقط في العلاقات العاطفية فقط، فقد تستمرين في عملك خوفًا من أن تبدئي في مكان جديد وتواجهين ما تسميه "خسارة مكانتك الحالية"، أو أصدقاء العمل، أو ربما التعود على كل شيء، فالتغيير أمر لا يفضله كثيرون ويهابونه، يعتبرونه أنه العدو الذي سيتسبب لهم في خسائر فادحة أهمها خسائر الأذى الذي تعودوا عليه خوفً من أن يكون هناك أقبح منه!
الأمر لا يقف فقط عند قرارات العمل، أو تغيير مكان السكن أو الأمور التي تتعلق بحياة مهنية أو جماد، ولكن أيضًا في علاقاتنا بمختلف أنواعها، فكري قليلًا معي.. كم مرة قررت فيها الاستمرار مع صديق\ة لمجرد أنك تعودت عليه، أو تربطكما ذكريات قوية لمجرد ظنك أنها لن تتكرر، هل خضت تجربة عاطفية مررت فيها بكل أنواع الأذى ولكن دفعك الخوف للاستمرار بها لمجرد خوفك من البدء من جديد! هل فكرت في الأمر من زاوية أن حياتك قد تكون سبب لخوفك! في ظني أن الخوف يكون على الحياة، أغلب الخوف يكون من الفقد.. فقد حياة.. شعور.. حالة.. أي أمر من هذه الأمور، الخوف على الحياة نفسها أن تمر دون أن نعيشها، ولكن عندما يورط الخوف في حياة غير التي ترغبينها فمن المؤكد أن الأمر يستدعي إعادة الحسابات من جديد.
لعنة التعود
التعود في حد ذاته لعنة، في رأيي، أنها في أوقات كثيرة أشد حدة من الحب وقت قرارات الانسحاب، تعودتِ على طريقة محددة في التعامل.. في الخروج.. لرد.. حتى في الخلاف! نظن في كثير من الأوقات أن هناك أمر ما لا نعرفه قد يحدث، وغالبًا وغُلبًا، ما يكون هذا الأمر مرتبط بمعجزة ما أو ما شابه ليتغير ثابت من ثوابت علاقتك! نراهن على تغير الطرف الآخر.. نبدأ في تقديم التنازلات التي نسميها أو ندعي أنها "تضحيات" اعتقادًا منا أن هناك أمر ما سيتغير لنستمر في العلاقة التي يورطنا فيها الخوف من الانسحاب لاعتبارات اختلقها عقلنا وتعايشنا معها.
حقيقة الأمر أن التعود، في بعض الحالات أقوى من الحب، وقد يختلط علينا الأمر في كثير من الأوقات من الأساس بأن ما نعيشه هو حالة حب، على الرغم من غرقنا في بحر التعود وما يتسببه من قرارات لا علاقة لها بما يجب أن يحدث من الأساس، فالتعود هو باب الخوف، يدفعك لـ"تأييف" كل ما يحدث بما يخدم فكرة الاستمرار لا الانسحاب، فتبدأين في رؤية الأمور كما تريدن أن تريها وليس كما يجب أن تٌرى، تقدمين التنازلات، التي تعنونيها بـ "تضحيات"، ظنًا منك أن هناك أمر ما قد يحدث يضمن استمرارية علاقتك، أو يغير من طباع الشريك والتي قد تكون المصدر الأم للأذى، ولكن هذه التنازلات أنت فقط من سيدفع ثمنها! فمن غير المنصف أن يكون تغير الطرف الآخر هو شرط استمرار العلاقات! فطالما أن الطباع المختلفة بين الشريكين لا تؤهل لتوفير أرضية وسط تسمح باستمرار العلاقة دون أذى للطرفين، فالانسحاب هنا هو الأسلم والأكثر إنصافًا لكما!.
لذلك فعلى الرغم من ملامحهما تتقارب لدرجة يصعب عليك التفريق بينهما، فالخوف بعيد كل البعد عن التعود، إلا أنهما يتفقان في صعوبة الانسحاب من كليهما، ولكن يختلف الحب بالطبع عن التعود! ففي التعود الخوف يكون من الشريك.. من ردود الأفعال.. من الأذى المنتظر والوقائع الجديدة.. أما الحب فالخوف يكون على الحبيب وعلاقته.. نأمن به.. نشعر بالونس وليس بالغربة معه.. يخرج الكلام دون رقيب عليه أو مخاوف تجبرك على إعادة صياغته بداخلك أكثر من مر قبل التعبير عنه بحروف.. يرتبط الحب دائمًا بالطمأنينة والسكن والأمان، ليس بالضرورة أن تكون علاقات الحب هادئة ولكن، على الأقل، لن تصل حد الصراع الدائم الذي يُنهك طرفيها.
الخوف من البدء من جديد
أغلب العلاقات التي يغلب أذاها أي تفاصيل أخرى فيها مستمرة فقط بسبب خوف الانسحاب والخوف من البدايات الجديدة، ولكن، الخوف من البدايات الجديدة يورط في علاقات قد يستمر أحد أطرافها في تسديد ديونها عمره كله، قد يسحب من رصيد عمرك سنوات طويلة تظنين فيها أنك تضحي لإصلاح العلاقة، ولكن، ولنكن منصفين، أنت تستمرين فقط في انتظار أي علامة تثبت عكس ظنونك، أو تثبت أن هناك احتمالية للتغيير الذي يصلح العلاقة، ولكن "ترقيع" العلاقات لا يضمن استمراريتها بقدر ما سيضمن الاستهلاك النفسي والأذى.
لذلك، فلا تدعي خوفك من البدء من جديد يسيطر عليك، فالحياة دائمًا، أكبر من النقطة التي نقف عندها ونظنها أنها الحياة بأكملها، هناك دائمًا تفاصيل أخرى تستحق أن نعيشها، مشاعر بديلة لمشاعر الأذى التي قد تعرضك لها علاقة غير موفقة، فالخوف من البدايات الجديدة يورط دائمًا في علاقات استهلاكية قد تستمرين طوال عمرك تسددين فواتيرها سواء على الصعيد المهني أو العاطفي.
الكاتب
احكي
الثلاثاء ١٥ سبتمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا