شيماء علي تمكن البنات من الاختيار بـ ”هوايا”
الأكثر مشاهدة
عندما حلّت الدقائق الأولى لعيد ميلادها الـ 29، كانت سعيدة كعادتها وابتسامتها تشرق وجهها، متمنية أن ياتي محملا بما هو جديد، قررت أن تختبر قدرة والدتها على تذكر يوم ميلادها بطريقة مرحة، ولكنها وجدتها مهمومة رغم امتنانها، فابنتها لم تتزوج بعد، ما جعل شيماء علي ترفض أن يربك حياتها الزواج وأن يحدد حدوثه من عدمه طريقتها الخاصة في الشعور بالسعادة والاستمتاع بأبسط ما تمنحه لها الأيام، حتى أسست بـ "هوايا".
شيماء علي والسفر
قبل أن تصبح السكندرية شيماء بمثابة نور وأمل لكثيرات عشن أجمل سنوات عمرهن في انتظار الشريك المناسب دون رحمة من ضغط المحيطين، كانت هي الأخرى تعاني، ولم تكن رؤيتها للحياة ولمستقبلها واضحة، فالفتاة التي كانت تهوى الرسم وتتمنى أن تلتحق بكلية الفنون الجميلة، اضطرت أن تدرس العلوم بسبب تفوقها في مواد الثانوية العامة العلمية.
"والدتي مقتنعتش أني أدرس رسم وأنا شاطرة في العلوم" فوافقت رغبتها واقتنعت أن تترك الرسم كهواية، والتحقت بكلية العلوم قسم كيمياء جولوجيا، منتظرة التخرج حتى تبدأ العمل "كان عندي رغبة شديدة أني أشتغل في مجال دراستي، ومقعدش في البيت"، وعلى مدار عام كامل بعد التخرج تحاول أن تتقدم لوظائف بشركات البترول، لكن يواجهها الرفض "عاوزين أولاد عشان الشيفتات المسائية، وكان ده محبط جدا"
كان البحث عن فرص أخرى مشابهة صعبا، حتى صادفت حاجة مكتبة الإسكندرية إلى خريجي كليات العلوم، فكانت مسئولة ضمن آخرين عن الاقسام العلمية بالمكتبة حتى تكون على وعي أكبر بما يحتاجه مرتادو هذا القسم وتكون قادرة على إرشادهم عن فهم حقيقي وفقا لدراستها، فتسدي لهم نصيحة متخصصة.
بدأت شيماء عملها في المكتبة مع عام 2007 "وكانت حياتي روتينية ومفيهاش أي جديد" منتظرة أن ينتهي اليوم ليلحقه الآخر دون رغبة في شيء، حتى عاشت بنفسها أحداث ثورة يناير 2011 "قبلها مكنش ليا في أي حاجة ومش مهتمة أعبر عن نفسي، لكن مشاركتي فيها قدرت تطلع مني طاقة كبيرة ورغبة أني أعمل حاجات جديدة"، فكانت الفكرة الأولى هي السفر.
تجربة سفر البنات وحدهن دوما ما كانت تواجه رفض من الأهل ونظرة سلبية من المجتمع، كأنه أمر غريب عن الطبيعة ولا يمكن لفتاة أن تتحمل الحياة وحدها بعيدة عن أسرتها، ولكن في رحلة إلى فنلندا تابعة لعملها بمكتبة الإسكندرية لحضور مؤتمر خاص بالمكتبيين في 2012، استطاعت شيماء أن تختبر بنفسها فكرة اكتشاف أشخاص جدد لهم ثقافة مختلفة ووعيت لأسلوب حياة مختلفة.
"قررت ساعتها أني لازم أشوف العالم، وبدأت أحوش" وبالفعل استطاعت في العام الذي يليه أن تسافر إلى أربع دول أوروبية (فنلندا، إيطاليا، هولندا، فرنسا) بعد رحلة طويلة من البحث عن السفر بأقل التكاليف وباستخدام طرق غير مكلفة في المبيت بعيدة عن الفنادق الفارهة، فاعتمدت على الـ Couchsurfing، وهو موقع إنترنت يوفر من خلال أهل البلد مكان في منزلهم لاستضافة المسافرين، وتمكنت حينها (عام 2013) في أن تسافر بتكلفة لم تتخط الـ 10 آلاف جنيه وحدها تماما.
عادت شيماء من رحلتها وفي بالها أن تخطط لرحلات أخرى، ولكن الأسام كانت تحمل لها سيناريو مختلف "كنت مقررة أتعلم تصوير وأبدأ أنشط قناة اليوتيوب"، وكانت تجربتها ملهمة لأخريات لطالما تمنين أن يسافرن إما وحدهن، أو مع مجموعات أخرى، فأنشأت على فيسبوك صفحتها "Travel with Shee"، الذي كان بمثابة نادي يجمع محبي السفر والراغبين، وكان أغلبهم من البنات، فكانت تنظم من خلاله لقاءات في القاهرة والإسكندرية من اجل أن تقدم لهم خبرتها وتشاركهم ويشاركونها أفكارهم عن السفر والمحاولات الناجحة والتعرف حتى على أليات استخراج الأوراق والتعامل مع مجتمع مختلف.
في أثناء محاولاتها للتمكن من التصوير الفوتوغرافي والفيديو، حتى تستكمل رحلاتها حول العالم، صادفت شيماء زميلها حسن في مكتبة الإسكندرية، الذي يهوى التصوير ولديه خبرة به، فقرر أن يساعدها، لتجد فيه الشريك المناسب، وبعد أشهر معدودة يتزوجا، دون أن تدري كيف حدث ذلك وهي التي قضت سنوات العشرينات من عمرها في رحلة بحث يئست منها في النهاية.
الزواج وهوايا
"من بعد وصولي للـ 24 كنت محطوطة تحت ضغط فظيع أنه متجوزتش ومفيش عرسان مناسبين" كانت تعلم أنها ليست الوحيدة التي تعاني من ضغط الأهل وحديثهم المستمر عن الزواج وضرورة لحاقها بالقطار الذي قد يفوت في أي لحظة "رغم أنه في مصر البنت هي اللي بتكون مستنية خطوة من الطرف التاني، وعلى الملامة على الوضع اللي هي فيه ومش مسئولة عنه".
لم يرق لشيماء أن تظل حبيسة غرفتها تبكي فوات العمر، وعندما قررت أن تقلع عن التفكير في الزواج وأن يكون البحث عن شخص مناسب هو هدفها، جاء زواجها من حسن في 2014 بعد أن تلاقت الاهتمامات، معتبرة أن التركيز على الفكرة والبحث الدؤوب لم يصل بها لما تريد، بينما كان اهتمامها بحياتها وانشغالها بما يسعدها حتى وإن كانت وحيدة هو الطريق لأن ترى يومها نفسه بروح مختلفة انعكست عليها.
من خلال حسابها الشخصي على فيسبوك، اعتادت شيماء أن تعر عن أفكارها والمواقف اليومية التي تمر بها، ومنذ تجربة السفر تابعها فتيات كثيرات لثقتهن برأيها ومهتمين بالسفر حتى فاق عدد متابعيها 50 ألف، يهتمون بما تكتبه ويشاركونه مع آخرين، وكانت رؤيتها عن العلاقات تلقى اهتماما واسعا، وفي أحد المرات كتبت عن أمنيتها في أن يكون هناك مجموعة من الأسئلة المحددة التي يجب أن يجيب عنها الطرفان قبل التعارف، لتبدا قصتها مع "هارمونيكا" التي صارت فيما بعد "هوايا".
"كلمتني وقتها صديقتي يارا يحبى أن زوجها عاوز يعمل فكرة قريبة من اللي قولته في تطبيق على الموبايل" وبعد اقتناعها بالفكرة قررت أن تشارك سامح صالح في إطلاقها في مصر، فتطبيقات التعارف باتت وسيلة عالمية، والقدرة على تأسيس موقع وتطبيق على الهاتف يسمح للطرفين، وللبنات خصوصا، التعارف في ظل بيئة آمنة تحترم كثير من الخصوصية الثقافية المصرية، يمكنه أن يكون فرصة لتمكين البنات ومنحهن أداة حقيقية للاختيار.
بدأ المشروع تحت اسم "هارمونيكا" في 2017، وساهمت شيماء في الترويج له وإقناع كثيرات باستخدامه لإيجاد شريك حياة مناسب بطريقة أكثر فاعلية وأمانا "في البداية الموضوع كان صعب، إحنا عارفين أنه الناس والبنات خصوصا بتخاف من تطبيقات التعارف، عشان كده كان أهم حاجة يكون في آليات تضمن الحفاظ عليها"، ومن خلال العمل على خصائص توضح مدى جدية الطرفين، وتمنح للبنات مساحة أكبر من الخصوصية والأمان، كأن ترفض عرض صورتها غلا إذا شعرت بجدية الطرف الآخر، ومنع أي شخص يتم الإبلاغ عنه من مرتين من استخدام التطبيق وحظره تماما.
"لو كان متوفر تطبيق زيه قبل ما أتجوز كنت هستخدمه طبعا" معتبراه وسيلة تعارف مناسبة للعصر، وتعتبر طريقة لتمكين البنات من أن يكون القرارر بيدهن، فبناء على مجموعة من الصفات والأحلام والطموحات والمعلومات المتاحة عن كل شخص يكون لدبها الفرصة لمعرفة مدى توافقهما وتختاره بنفسها، إلى جانب المحاولات المستمرة منذ بدء التطبيق وحتى الآن في إبعاد أي محاولات للتجاوز، كما تقول شيماء.
على مدار السنوات الثلاث الماضية استطاع المشروع أن يتخذ خطوات تصاعدية مستمرة، فتمكن من الحصول على تمول من Flat6Labs، التي تقدم تمويل لكل المشروعات والشركات الناشئة الناجحة، وحصلت شيماء ومؤسسو هارمونيكا (الذي أصبح هوايا فيما بعد) من الحصول على تدريب عن الإدارة وتطوير المشروع لأربعة أشهر، تلا ذلك المشاركة في برنامج هنا الشباب والوصول من ضمن المراكز الثلاثة الأولى.
ومع حلول 2019، استحوذت الشركة الأمريكية Match Group ( وهي شركة عالمية متخصصة في تطبيقات التعارف) على المشروع في صفقة كبيرة رابحة، ليكون هو أداتها للدخول للوطن العربي بتطبيق يتناسب مع الهوية العربية والثقافة المسلمة لأغلبيته، وكذلك يخاطب الجالية المسلمة في بلاد مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وماليزيا، وفي فبراير 2020 صار "هوايا هو الاسم الرسمي للمشروع، ومتواجد كواحد من أشهر تطبيقات التعارف في 13 دولة حول العالم لا مصر وحدها، وتتمنى شيماء أن يتوسع ويُكتب له نجاحات في دول أخرى.
حقق التطبيق نجاحات في التوفيق بين آلاف الأشخاص، وقام بتحميله 3 مليون شخص، ولكن كان له تاثيره على حياة شيماء الخاصة، فتزامنت بدايته مع حملها في طفلها مراد، كما كان المشروع يحاول الصمود والاستمرار في حين كانت تحاول الجمع بينه ومسئوليتها تجاه طفلها وبيتها "كان حسن بيشيل عني كتير، ومكناش عارفين نستمتع بحاجات مشتركة زي الأول" لكنه يدرك أنها فترة ستمر "كان متفهم ده جدا"، خاصة مع المحاولات لاستعادة ما كان يجمعهما، مؤمنة أن الحياة ليست دوما "وردية".
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٠ نوفمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا