فاطمة شبير توثق الحياة في غزة بعيون نسائية نادرة
الأكثر مشاهدة
"هل تعرف ما مصير الحكايات التي لا نكتبها؟ إنها تصبح ملكًا لأعدائنا" هذه جملة من رواية أعراس آمنة للكاتب إبراهيم نصر الله، وهي تعبر كثيرًا عما تقوم به المصورة الصحفية فاطمة شبير، الفتاة الفلسطينية التي تعيش في غزة وتعمل في هذا المجال الذي لم تقتحمه النساء في مجتمعها كثيرًا، وتوثق الحياة في القطاع المحاصر من المشاهد اليومية إلى تسجيل اعتداءات الاحتلال المتكررة، والغوص في ذاكرة كبار السن في محاولة للتشبث بماضي تلك الأرض الذي بدونه بن يكون هناك مستقبل.. تبحث فاطمة عن اللقطات والقصص وتصورها ثم تنشرها إلى العالم مع تعليق باللغة الإنجليزية حتى تصل إلى أكبر قدر من البشر، لعلها توصل رسالة عن قضية فلسطين العادلة أو تساهم في التذكرة بأن هذا الشعب لم ولن يستسلم وأن "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
المصورة الصحفية فاطمة شبير
فتّحت فاطمة عيونها على الكاميرات الفوتوغرافية الفيلمية، وذلك لأن جدتها عملت كمصورة ستوديو، فكبرت الحفيدة في رحاب الصور والمعدات وطرق التحميض القديمة وعلق هذا الفن في وجدانها بشكل ما وكلما كبرت كانت تصبح شغوفة به أكثر، ففي بداية المرحلة الثانوية سعت فاطمة لإشباع فضولها تجاه التصوير من خلال البحث والمعرفة النظرية، وقرأت عن أشهر المصورين في العالم وأفضل اللقطات والقواعد المتبعة في التصوير، وكان ذلك عام 2013، وحينئذ لم تكن فاطمة تملك كاميرا خاصة بها، لكن ذلك لم يثنيها عن المتابعة.
استمرت مرحلة التعلم النظرية لفترة، ثم التحقت فاطمة بجامعة الأزهر في قطاع غزة واختارت دراسة إدارة الأعمال، وفي هذه الأثناء انتبهت والدتها إلى رغبتها واهتمامها بالتصوير، فأهدتها أول كاميرا لها عام 2017، تحمست فاطمة كثيرًا وقتها، وذهبت فورًا إلى مخيم الشاطئ للاجئين لتصوير الناس وحكاياتهم، وبدأت تنشر تلك الصور على حسابها الشخصي بموقع إنستجرام. كما كانت مهتمة بتوثيق الحياة اليومية، وتصوير الأكلات والمنتجات، وفي خلال نفس العام شاركت في مسابقة لحظات التي أطلقتها مجلة ناشونال جيوجرافيك أبو ظبي، وفازت بالمركز الأول في فئة الصورة الوثائقية، بعدما روت بعدستها قصة ليلة الحناء كتقليدي فلسطيني مُتبع يتوارثه الأجيال.
تعتبر فاطمة صاحبة الثلاثة وعشرين عامًا أن بدايتها الفعلية كمصورة صحفية كانت عام 2019، عندما قررت تغطية الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة نهاية العام الماضي، "كان في أشياء أول مرة أشوفها، خصوصًا وإني ما كنت بنزل وقت الأحداث، بس إجت لحظة قررت إنه خلص بيكفي خوف ونزلت" تحكي فاطمة التي غطت الأحداث المشتعلة لأول مرة بدون علم أهلها حتى لا تواجه الاعتراضات القلقة، ونزلت إلى الشارع عندما كان الجميع نائمون، وتكمل: "عاشوا تجربة أولية وبطل في خوف لأني رجعت سليمة وهيك صاروا متقبلين الفكرة أكثر." وهذه ليست المرة الوحيدة التي فاجئت فاطمة أسرتها بقرارتها، فقد اختارت تغيير مجال دراستها من إدارة الأعمال إلى الصحافة قبل عام واحد من تخرجها، لأنها وجدت أن الدراسة المتخصصة ستساعدها على تحقيق ما تريد في المجال الذي تعمل به وتحبه.
الصور التي تنشرها على الإنستجرام سرعان ما حظت بتفاعل واسع من المتابعين من الوطن العربي وخارجه، خصوصًا بسبب براعة فاطمة في التقاط اللحظة المناسبة وتقديمها، ولهذا أصبحت اليوم تعمل مع كبرى الصحف والوكالات العالمية مثل نيويورك تايمز و Getty Images، ويعتمدون عليها عندما يحدث أي جديد في القطاع.
وتهتم فاطمة أيضَا بتوصيل رسائل إلى العالم من خلال حكي القصص الإنسانية لأهالي قطاع غزة من خلال الصورة، وقد عملت على مشروعات مثل "مصابين مسيرات العودة" و"لن ننسى أبدًا"، والأخير يركز على جمع شهادات من الجيل الأكبر عن النكبة والنكسة وما بعدهما، تقول فاطمة: "فاكرة ست منهم كانت في أرض الميدان مع المقاومين بتعبي ذخيرة وبتساعدهم يستمروا ويكملوا.. كان المشروع ملهم كتير." ورغم الجودة التي يتميز بها عملها، لا تعتمد فاطمة على كاميرات احترافية متطورة، فقط لديها كاميرا واحدة تنتج من خلالها كل هذا العمل المتميز وتحاول بكل طاقتها حتى يخرج بأفضل صورة.
تغيرت حياة الفتاة العشرينية كثيرًا بعدما أصبحت تعمل في التصوير الصحفي وتتواجد دائمًا في أماكن الأحداث المشتعلة، "ضليت 3 سنين قبل بصور في أماكن آمنة نوعًا ما لكن بعدين صرت موجودة في مكان الحدث وهاد خلاني إنسى الخوف وما يهمني أي اشي وصارت شخصيتي أقوى."، وترى أن أصعب شيء في عملها بهذا المجال أن عدد المصورات الصحفيات في القطاع قليل جدًا، بالإضافة إلى سيادة الثقافة المحافظة مما يشكل ضغط كبير عليها، "بسمع كلام متل وجودك ما إلو داعي، أي شاب ممكن يقضي مكانك وخليكي بمكان آمن أفضل وهيك."، بجانب صعوبة الحصول على تصاريح من نقابة الصحفيين مما يجعلها تعمل دائمًا في خطر المساءلة القانونية، "هاد بيزيد الضغط لتشتغلي على حالك وماتستني حدا يدعمك."
لكن على الناحية الأخرى ترى أن جمال هذا العمل يأتي من تفرده لندرة النساء في هذا المجال، وتحب كونها قادرة على التصوير مع النساء بسهولة وتقديم حكايات مختلفة من قلب البيوت لم يأت بها أحد من قبلها. وتقول فاطمة إن والدتها هي داعمها الأول والأخير وتعزي إليها السبب في كل ما وصلت وستصل إليه.
"دائمًا الأحداث وعناوين الأخبار هي اللي بتقود لفكرة" هكذا تشرح طريقتها في الحصول على الأفكار، فتطارد الأحداث وتسعى لإلقاء الضوء على معاناة الناس، وتبحث عن تقديم الحياة اليومية الغزاوية إلى العالم، وتؤكد أن اللقطة يجب أن تستند على قصة حتى تتمكن من مشاركتها مع المتابعين. وعن أكثر الصور المؤثرة فيها بشكل شخصي قالت إن هناك الكثير منها، لكنها تتذكر دائمًا أول صورة التقطتها عندما بدأت مسيرتها الصحفية والتي كانت في مستشفى لأم تودع ابنها ذو الأعوام الثمانية بعد استشهاده في غارة إسرائيلية في نفس الوقت الذي كانت الأم المُطلقة ذاهبة لتضمه إلى حضانتها، لكن صواريخ الاحتلال كانت أسرع منها إليه.
"صراحة ما بحط أحلام وماشية يوم بيوم لأنه المستقبل عنا مش ثابت وممكن يتغير كل اشي بلحظة." تقول الشابة الفلسطينية التي نامت في كثير من الليالي وصوت الغارات أقرب إليها من هدهدات أمها، لكنها مؤمنة بأهمية عملها وتسعى إلى التطوير من نفسها والعمل على صقل مهاراتها بالدراسة والتجربة والممارسة، وتكمل: "الشي الثابت إني حابة أكمل في هادا المكان ونفسي أوصل لكل شخص بالعالم وأعرفه عن غزة.."
اقرئي أيضًا:
الكاتب
ندى بديوي
الجمعة ١٨ سبتمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا