علوية زكي مسيرة أول مخرجة لمسلسلات التلفزيون المصري
الأكثر مشاهدة
"نحن جميعا الشعب، وكل ما هو جميل هو الشعب، سيمضى الزمن ونرحل إلى الأبد، وسينسى الناس وجوهنا وأصواتنا وعدد الأجيال التي جاءت بعدنا، ولكن سيذكرنا الناس بالخير" مقولة شهيرة آمنت بها المخرجة المصرية علوية زكي، ويبدو أنه كان لها منها نصيب، فمع غيابها الطويل عن العمل الفني، ثم رحيلها، ظلت حاضر ومذكورة بكل خير في قلوب محبيها، من الجمهور والفنانين.
المخرجة علوية زكي
رحلة فنية مميزة بدأتها علوية زكي مترجمة وسكرتيرة داخل التلفزيون المصري، لتصبح بعدها واحدة من أوائل المخرجات المصريات، وأول مخرجة مصرية تلفزيونية. ولدت علوية في 20 مايو عام 1926، ويقال إنها درست بكلية الآداب لسنة واحدة، وسافرت لفترة خارج مصر بعد ان تزوجت وعاشت مع زوجها في المملكة المتحدة، وهناك أنجبت بناتها الثلاث (راوية ودلال وعزة)، ثم عادت بعدها إلى مصر وكانت وجهتها نحو التلفزيون المصري لتعمل به قبيل افتتاحه.
مع بداية عملها في التلفزيون، كان التطوير ما زال جاريا على أول بث للتلفزيون المصري، فتم استقدام خبير أمريكي اسمه وليام موور من أجل وضع خطة للبرامج وطبيعتها، كانت علوية زكي سكرتيرة ومترجمة للخبير الأمريكي، الذي يبدو أنه رأى أنها تملك إمكانيات إخراجية لم تكتشف بعد، للدرجة التي جعلته يشركها في عمل تلفزيوني، وان تكون مساعد مخرج له في تمثيلية "صرخة مكتومة"، التي شارك في بطولتها زيزي البدراوي وصلاح قابيل ومديحة كامل.
بعد رحيل الخبير الأمريكي، بدأ مسئولو التلفزيون في توزيع المهام، "ومكنش فيه حاجة اسمها ستات تشتغل في الإخراج، قاتنقلت شويكار للبرامج التعليمية مع يحيى العلمي، وأنعام محمد علي للمرأة، ومجيدة نجم وعلية ياسين للأطفال، لكن أنا أصريت"، لم تقنع علوية زكي برؤية المسئولين لها، وصممت على أن تثبت أنها سيدة تملك قدرات إخراجية، وأنها ستعمل في إخراج مسلسلات وتمثيليات وسهرات التلفزيون.
رغم الاعتراض الذي واجهته علوية، أكملت مشوارها وعملت على تنمي قدراتها، فعملت كمساعد للمخرج التلفزيوني إبراهيم الصحن (1932- 2003)، الذي تعتبره بمثابة الأستاذ، وتتلمذت على يده في إخراج عدد من المسلسلات التلفزيونية، كما عملت كمساعد مخرج مع يوسف مرزوق، وتعتبر أنها كانت محظوظة لتتعلم على يديهما، كما أثرى فكرها تجربة العمل مع خبير فرنسي باسم مسيو إسكير، كما تقول في أحد اللقاءات، وكان يعمل مع مخرجي التلفزيوون من أجل إنتاج أعمال درامية تلفزيونية لا تتعدى مدتها الـ 15 دقيقة.
كانت السهرة التلفزيونية "المزيف" للكاتب جلال الغزالي هي أول أعمال علوية زكي الإخراجية، وتوالت بعدها أعمالها الدرامية التلفزيونية، التي تنوعت بين السهرات والتمثيليات القصيرة، فاشتهر لها "شمس الخريف"، و"العودة إلى المنفى"، و"ليالي الحصاد" و"نهر الملح"، و"النديم" و"نهاية العالم ليست غدا" و"الحكم مؤجل"، و"قلب الأسد"، وكان مسلسل "رسلة خطرة" عام 1996 هو أخر الأعمال التي قدمتها، بعد مسيرة امتدت لأكثر من 30 عاما.
وكانت لعلوية زكي بصمتها في تقديم أفلام مميزة أيضا، فناقشت قانون الأحوال المدنية في فيلمها "القانون لا يعرف عائشة" عام 1987، و"حل يرضي جميع الأطراف" عام 1986، وفيلم "رجل اسمه عباس" بطولة محمود المليجي عام 1978، وقبل ذلك عملت كمساعد مخرج في الإخراج التلفزيوني لمسرحيات (نمرة 2 يكسب، حواء الساعة 12، الفرافير).
على مدى مسيرتها الفنية الطويلة، كُتبت الفرصة لكثيرين أن تُخرج أعمالهم علوية زكي، من بينهم محمود ياسين وعبد الرحمن أبو زهرة وحمدي غيث وسناء جميل وحسن عابدين، وهم أيضا قامات فنية كبيرة، كما تعاونت مع كتاب كبار منهم يسري الجندي ومحفوظ عبد الرحمن وصفاء عامر، فأنتجوا معا أعمالا ظلت خالدة ومؤثرة، وباتت تراث تلفزيوني نفخر به، وتتذكر علوية زكي ما قاله لها أحد مديري التلفزيون بعد مرور السنوات "أنتي أثبتي عكس نظريتنا.. استمري في الإخراج".
علوية زكي كانت السبب في ظهور نجوم كبار على شاشة التلفزيون، فهي مَنْ عرفت العالم على أحمد زكي بإشراكه في مسلسل "اللسان المر" عام 1976، وهو المسلسل الذي ظهر من خلاله محمد منير على التلفزيون للمرة الأولى، كما ساعدت على ظهور خالد النبوي ووفاء الحكيم من خلال أعمالها الدرامية، وأشركت عمرو دياب في سهرتها التلفزيونية "الثانوية العامة" عام 1986، ليكون ظهوره الأول في عمل تلفزيوني.
تميزت أعمال علوية زكي بالاختيار الدقيق للموضوعات، فكانت على عكس كثيرين لا تخرج أي عمل إلا بعد أن تشعر أنها منفعلة بتفاصيله "أنا مقلة، عقبال ما ألاقي النص الجيد الي أنفعل بيه وأقدر أجذب المشاهد"، وفي الغالب ما تدور أعمالها حول قضايا إنسانية واجتماعية متعلقة بالمرأة وشكل الحياة في ربوع مخصر المختلفة من الحضر والريف.
وفاة علوية زكي
تقول عنها الكاتبة إقبال بركة إنها "فنانة ذات رسالة واضحة تمجد الإنسان، رجلا أو امرأة، وتصحبه نحو مسعاه للانتصار للحق والمساواة والوطن والخير"، ويذكر حفيدها عمرو المليجي في أحد اللقاءات التلفزيونية شخصيتها القوية وقدرتها على النجاح في عملها وتربيتها لبناتها الثلاث وحدها.
رحلت علوية زكي في 7 أغسطس عام 2019، وتركت إرث تخطى الـ 30 عمل درامي، وصفحات أسستها عائلتها على مواقع إنستجرام وفيسبوك، لتشهد على ريادتها، وكونها صاحبة تاريخ طويل من العمل الإخراجي الدؤوب، مكنها من أن تكون المصرية الأولى في الإخراج التلفزيوني، ونالت عن مشوارها الفني عدد من الجوائز وشهادات التقدير والتكريمات، منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1975، كما نالت جائزة من معهد التلفزيون العربي عن فيلمها "طيور الشمال"، وكانت أول مخرجة تنال هذه الجائزة.
الكاتب
هدير حسن
الثلاثاء ١٧ نوفمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا