سامين نصرات تجمع بين حب الطبخ والكتابة بعفوية ساحرة
الأكثر مشاهدة
بضحكة تلقائية وصوت حماسي وشغف كبير تجاه الطعام ومكوناته وحكي قصص الناس من خلاله، جابت سامين نصرات الطاهية الأمريكية من أصول أيرانية، أربع بلاد مختلفة إيطاليا والمكسيك واليابان والولايات المتحدة، لتخبرنا في رحلة مصورة عرضتها شبكة نتفلكس عن "الملح والدهون والحوامض والحرارة" كيف نصنع طبق شهي من عناصر اعتبرتها رئيسية، وما يحكيه الأكل عن الناس وخبراتهم وطبيعة حياتهم.. ليشعر كثيرون أن وراء عفوية سامين نصرات حكاية يجب أن تُروى.
الطاهية سامين نصرات
تعود أصول سامين إلى إيران، ولكنها ولدت وعاشت في الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجرة عائلتها إليها في عام 1976، وفي سان دييجو في كاليفورنيا ولدت في 7 نوفمبر عام 1979، كانت الحياة حينها تسير بشكل طبيعي، فهي فتاة عادية لا تهوى شيئا محددا بشكل واضح، وعلى عكس المتوقع، لا يشغلها المطبخ والطهي، ولم تتعلم إعداد الوجبات سوى مع كبرها في العمر.
كانت تهوى سامين القراءة، وتمنت أن تتخصص في دراسة الشعر لتكتبه، لكنها التحقت بجامعة كاليفورنيا وتخصصت في اللغة الإنجليزية، وحتى تتمكن من تحقيق حلمها بأن تكون شاعرة، عملت كنادلة في مطعم شيف بانيس Chez Panisse، ثم اكتشفت أنها مهتمة بالمطبخ ومكونات الطعام وتريد أن تشترك في عملية الطهي نفسها، ولهذا صارت الفتاة التي لم تكن تعرف عن الطعام سوى المطبخ الإيراني (الفارسي) الذي اعتادت أن تتناول أطباقه من يد والدتها، واحدة من أشهر الطهاة حول العالم.
"كان الطعام بالنسبة لي وسيطا آخر لحكي قصص الناس" كونها دوما ما كانت مهتمة أن تعرف عن الناس، واكتشفت أن إعداد الطعام لا يتوقف عند تناول وجبة شهية أو الاستمتاع بمذاق مميز، ولكنه يتعدى ذلك ليكون عن الأشخاص على اختلافاتهم، فهو عن مَنْ يجتمعون حول مائدة واحدة، والناس الذين زرعوا الطعام، ومن شاركوا في صناعته، وكذلك من قاموا بإعداده في النهاية، وعلى مدار عملها في الطهي كانت تلك أهم فكرة تدور في بالها، حتى تتاح لها الفرصة لتجمع ما بين عشقها الجديد نحو الطعام وتفاصيله، والكتابة التي تعتبرها حلمها وهوايتها الأولى.
مشوار سامين مع الطهي بدأ في عام 2000 داخل مطعم Chez Panisse حيث قضت سنوات طويلة، وتعلمت فنون الطهي وأصوله على يد أليس وووترز، التي تعد واحدة من أشهر الطهاة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الطاهية التي تنبأت لسامين أن تكون معلمة الطبخ القادمة في أمريكا، وتتذكر سامين أنها كانت مساندة لها مع رئيس الطهاة كريستوفر لي، الذي تتلمذت على يديه.
بدأت علاقة سامين بالطعام تتغير تدريجيا، فبعد أن اعتادت أن أعظم طعام هو الوجبات الفارسية التي تعدها والدتها، والتي تتكون في الغالب من الخضروات والأعشاب، اكتشفت مكونات متنوعة لا حصر لها يمكن حتى إضافتها مع الأطباق التقليدية، واستمتعت بفكرة التجربة وتغيير المذاق بوضع القليل من الجبن أو التوابل، واستطاعت أن تصنع لنفسها ذوقا خاصا مميزا، ونمت قدرتها على استشعار التباين في نكهات الأطعمة المختلفة.
انتقلت سامين من مطعم بانيس إلى مطعم بيركلي في كاليفورنيا، ثم انتقلت إلى إيطاليا وعملت في مطاعم مختلفة مع كبار الطهاة من بينهم بينيدتا فيتالي وداريو سيتشيني، كما حاولت أن تدير مطعما لمدة تقترب من الخمس سنوات، ولكنها أغلقته في عام 2009، بعد أن عانت مع عملية الإدارة وتحقيق الأرباح، وعلمت حينها أنها يمكن أن تكون جيدة وناجحة في إعداد طعام شهي ومميز، ولكنها قد تكون غير جيدة في الإدارة والبيزنس.
لم تتوقف محبة سامين للطبخ عند إعداد الوجبات وفهم مكونات الطعام، ولكنها أرادت أن تتقن ما تقدمه، وأن تنقله لآخرين، فبدأت في عام 2007 في تقديم دروس الطبخ، وبسبب كون طبيعة شخصيتها مرحة وقريبة إلى القلب سهّل ذلك عليها أن تكون معلمة طبخ جيدة يحب كثيرون إتباع تعليماتها، وتقول عنها أليس ووترز "هناك سحر في طريقة تعليم سامين، يمكنها أن تكسبك على الفور بمزيجها الخاص الذي لا يقاوم من الدفء والصدق والفهم العميق للطبخ وضحكتها الحماسية.. إذا كان هناك شخص واحد يمكنه أن يوضح لنا كيف نطهو، فسيكون سامين".
كتاب سامين نصرات
مع مرور السنوات، بدا أن سامين ابتعدت عن هدفها الأساسي في كتابة الشعر، ولكن ما حدث أنها عكفت على دراسته والتثقف في الأدب وروايات شكسبير، إلى جانب إعداد الطعام والطهي، وهو ما جعلها تفكر أن تجمع بين الاثنين، وبدأت في رسم الخطوط العريضة لكتابها الأول، متمنية أن يلقى رواجا وأن يكون لديها فرصة أن يعرف كثيرون بوجهة نظرها حول الطعام.
قبل أن تنتهي سامين نصرات من كتابها الأول، جاءتها الفرصة لتشارك في تجربة تلفزيونية مختلفة عن الطعام، فظهرت في عام 2016 في واحدة من حلقات شبكة نتفلكس الوثائقية بعنوان "Cooked مطبوخ"، والتي كانت تنفيذ بصري لكتاب بنفس العنوان للكاتب الصحفي المهتم بالطعام والثقافات البشرية مايكل بولان، وهو نفسه الكاتب الذي تدين له سامين بالعرفان لنزعه موهبتها في الكتابة والصحافة ومساعدته لها، كما أنها كانت "الشيف" الذي علمه الطبخ.
مع دروس الطهي، وتتبع وصفات الطعام المختلفة حول العالم، صارت سامين نصرات واحدة من كتاب أعمدة الطعام لصحيفة نيويورك تايمز، واعتبرت أنها محظوظة كونها قادرة على الجمع بين حبها للكتابة والطبخ واعتبارهما أفضل طريقة للتقارب بين الناس على اختلافاتهم، فكونها من جذور مختلفة عن البلد الذي نشأت به، كان لقب "مهاجرة" يلاحقها دوما، وكان التشتت والشعور بعدم الانتماء إلى أمريكا، التي ولدت بها ولم تعرف سواها، يعشش داخلها.
كانت نشأة سامين كطفلة مهاجرة ليست سهلة على الإطلاق، فهي من أصول إبرانية، حيث البلد التي لها عداوة متأصلة مع الولاات المتحدة الأمريكية، فتحكي كيف كان اختلاف مظهرها بين أقرانها في المدرسة وسن المراهقة يجعلهم ينعتونها بـ "الإرهابية" بسبب بشرتها السمراء "كنت مدركة أنني مختلفة، وأحاول دائما أن أكون مهذبة وأكثر لطفا وذكاءا".
وكان حنينا يتملكها دوما لبلادها الفارسية، فمن حكايات والدتها عن سحر إيران وجمال الطبيعة "كأنه المكان السحري، حيث تذوق الطعام بشكل أفضل، والطبيعة أحلى، آمنت أنها الأرض الموعودة، وأنني أنتمي إليها"، ولكن مع زيارتها لإيران وهي بعمر 14 عاما، شعرت سامين أنها مختلفة هناك أيضا ولا تنتميلهذا المجتمع، وأن الأمر ليس بالروعة التي تم نسجها في خيالها، وأدركت أنها فتاة من كاليفورنيا.
هذا التخبط في الهوية كان له أثره في حياة سامين وطريقة تعاملها مع الأمور، وجعلها ترى التشابه والتقارب أكثر مما تلحظ الاختلاف، ولذلك مع إصدارها لكتابها الأول "Salt, Fat, Acid, Heat" (الأملاح، الدهون، الحوامض، الحرارة) في 2017 برسوم الفنانة ويندي ماكنوتون ومقدمة للكاتب الصحفي مايكل بولان، اهتمت سامين أن يعكس الكتاب رغبتها في خلق عمل ملهم يزيد من وعي المجتمع بالثقافة والبيئة.
نال الكتاب لقب أفضل كتاب عن الطعام لعام 2017 من قبل صحيفة The Times of London، ثم حصلت عنه سامين على جائزة جيمس بيرد لأفضل كتاب طبخ لعام 2018، وكان من أكثر الكتب مبيعا في نيويورك تايمز، كما وصل تقسسمه على موقع Goodreads إلى 4.5/5، ومنحته الرابطة الدولية لمتخصصي الطهي لقب أفضل كتاب طبخ في العام.
تحولت فكرة الكتاب، التي تتبع أربع عناصر اعتبرتها سامين رئيسية من أجل أعداد الطعام، إلى سلسلة حلقات وثائقية عن الطعام أنتجتها شبكة نتفلكس وأطلقتها في أكتوبر 2018، لنرى سامين بروحها المرحة المحبة للجميع ترتحل إلى الليابان لتخبرنا عن قصة الملح وصناعته، وتذهب بنا إلى المكسيك حتى نتذوق الأحماض ونعرف سر مذاقها، كما تأخذا معها نحو إيطاليا حيث للدهون طريقة طهي مثيرة، ثم تعود إلى كاليفورنيا لتخبرنا أن ذلك كله لن يتم دون استخدام مثالي للحرارة.
اعتبرت سامين أن تحويل كتابها إلى برنامج هو أفضل طريقة لتعبر عن وجهة نظرها "كنت أريد نقل فكرة أن الطعام الجيد حول العالم متاشبه رغم الاختلافات، وأننا كبشر متشابهون أكثر مما نحن مختلفون"، متمنية أن يمتلك المشاهدون مزيدا من التعاطف مع الآخرين عندما يتعرفون إلى ثقافته، وبالفعل، كان لبرنامجها صدى إيجابي واسع، وقالت عنه صحيفة الواشنطن بوست "لا يشبه أي عرض تلفزيوني آخر عن الطعام".
انعزلت سامين لفترة بعد أن حققت نجاحات وشهرة لم تكن تتخيلها، وضمتها مجلة التايم ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة لعام 2019. ومع حلول مارس 2020، ووقوع العالم تحت أسر جائحة كورونا، أطلقت سامين مع المنتج هريشيكيش هيراوي بودكاست عن الطبخ بعنوان "Home Cooking" ليكون وسيلة تساعد الناس على التعامل مع ظروف العزل الاجتماعي بوصفات منزلية يمكنهم إعدادها بأنفسهم.
تستعد سامين لطرح كتابها الثاني "What to Cook ما يجب طهيه"، والذي تتعاون فيه مرة أخرى مع الرسامة ويندي ماكنوتون، وتعرض من خلاله ما يقرب من 120 وصفة مقدمة من بيئات وثقافات مختلفة، فتتبع وصفة أكلة يقدمها مطبخ على عجلة في الشارع، ووصفة أخرى لأم عاملة تحاول أن توفق بين منزلها وأطفالها، ووصفة لشخص تعرض لحادث، وأخرى لشخص ذو قدرات خاصة، وهكذا لتعرف كيف يطبخ كل شخص، ما أدواته والقيود التي يضعها لنفسه.
رغم نجاحها، تعتبر سامين أن الفشل هو جزء أساسي من كون الشخص طباخ وكاتب "ستضع الكثير من الملح، وتطعي الدجاجة بشكل غريب لا مذاق له، أو تحرق الأشياء وتفسدها.. لكن الجميل في الطهي أنه يوجد دائما غدا وفرصة أخرى لإعداد الطعام وتناوله"، وتقول عن نفسها "أنا أعيش لأطبخ وأتناول الطعام مع أصدقائي، وأمارس هوايتي في ركوب الأمواج، والنوم تحت النجوم، وكذلك القراءة والكتابة والاستماع إلى الموسيقى الجيدة".
الكاتب
هدير حسن
الأحد ٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا