سلام قطناني يوتيوبر تثري المحتوى العربي بحبها للعلوم
الأكثر مشاهدة
ما الذي يشكل وعينا؟ ما هي اللغة التي تتكلمها الأسماك؟ كيف يبدو ثقب الأوزون؟ وكيف نعرف عمر الأحافير؟ أسئلة من بين كثير من الأفكار التي طالما شغلت بالها، وكانت الإجابة عليها ملاذها للهروب من واقع تغمره المشكلات والمصاعب، لتحلق بعيدا مع العلوم، التي تعتبرها "صافية ونقية"، تفكر وتبحث وتبرهن، وقد تصيب أو تحتاج إلى وقت أطول ومعرفة أكبر.. سلام قطناني يوتيوبر (صانعة محتوى مرئي) عربية استطاعت أن تقدم محتوى علمي على يوتيوب يشاهده الملايين.
سلام قطناني
حكايتها، كما روت أجزاء منها لـ "احكي"، وعرفنا أجزاء أخرى من لقاءات سابقة، تخبرنا أن الحياة يمكن لها أن تكون قاسية، ولكنها ملهمة أيضا، وأن السعي والشغف الحقيقي تجاه أي اهتمام يمكن له أن ينير لنا الطريق، مهما بدا صعب وغير ممهد، ويمنحنا الفرصة لأن نتشارك التجربة الإنسانية بمزيد من الانفتاح والحب، وأن نضيف لحياتنا معنى.
تبدو سلام قطناني مزيج مختلف جمع بين ثقافات عربية متعددة، كونها ولدت في سوريا في 5 مارس 1985، ولكنها تحمل الجنسية الأردنية، بينما أصولها فلسطينية من يافا، عاشت في الإمارات منذ عام 2000، وبقيت بها ما يقرب من 16 عاما، لديها شقيقتين هي أكبرهن، وهو ما حملها مسئولية مبكرة وكان له الدور في قرارات مختلفة متعلقة بحياتها.
مع انتهائها من إتمام التوجيهية (الثانوية العامة)، فاجأتها وفاة والدها، التي لم تمنحها الفرصة لتكمل تعليمها وتلتحق بالجامعة، بسبب تغير الوضع الاقتصادي للأسرة وحاجتها للعمل، وشعورا منها بالمسئولية تجاه أسرتها بدأت تعمل في مهن مختلفة بعيدة عن اهتماماتها ولا تتمنى أن تستقر بأي منها.
أمنيتها كانت أن تدرس بالجامعة "لكن ما أقدر لأنه لازم أشتغل، وعطاني كتير شعور بالنقص، وكنت بحاول أعوض هالنقص من خلال القراءة والعلوم اللي كنت أحبها من صغري"، فكانت تهعرب من مشاكل يومية وظروف صعبة تعيشها إلى العلوم "كاني أنغمس بعالم تاني حلو ونقي ويريحني كتير"، الأمر الذي أكسبها مع مرور الوقت مهارة التعلم الذاتي.
صارت سلام قطناني قادرة على أن تستكشف أي مجال جديد وتتعرف على أي معلومة من خلال جهد ذاتي واعتماد على النفس، فتقرأ لستيف هوكنج كارل سيجان ونيل ديجراس ورتشارد دوكينز، وتبحر في علم النفس مرة، وأخرى نحو الفضاء، وثالثة في نظريات التظور والنسبية، وتقرر أن تنتهج المنهد العلمي في حياتها ووجدت أنه "يمكن أنه ما كملت تعليمي من الأشياء المنيحة (الجيدة) اللي صارت بحياتي، لأنه خلاني أعلم نفسي ذاتيا، وافكر كيف أكتسب المعلومات".
من بين مهن ووظائف مختلفة، بعضها يديوي والآخر إداري، عملت سلام كمضيفة طيران لمدة طويل تصل إلى 10 سنوات من أبريل 2008 وحتى 2018، وكانت تلك واحدة من التجارب التي أثرت في تكوين شخصيتها، فكان لديها الفرصة لتتفاعل مع أشخاص من ثقافات مختلفة، وتستكشف طباع بشرية متعددة نابعة من تأثيرات الهوية والثقافة واللغة والنشأة "وخلاني أحسن من لغتي والطريقة اللي بشوف فيها الناس".
وإلى جانب عملها، قررت سلام قطناني أن تحصل على شهادة جامعية، فدرست إلكترونيا إدارة المشاريع ونالت شهادة من جامعة روهامبتون في لندن، التي يبدو أنها كانت وسيلة للحصول على تحصيل جامعي يمكنه أن يكون معرفة جديدة يمكن الاستقادة منها.
العلوم كانت المساحة الآمنة لسلام دائما، فمع انشغالها لساعات في عملها، وكذلك انغماسها في مشكلاتها الخاصة، بعد أن انتهت حياتها الزوجية التي استمرت لما يقرب من 16 عاما ومنحتها ابنتها أيلا، وحاجتها إلى الاعتماد على نفسها كأم وحيدة تربي ابنتها مما يضعها تحت ضغط نفسي كبير "كان الوضع مؤذي وبحاول أدور على شي أعمله عشان مخي ينسى وينشغل فيه"، فكان حديثها عن النسبية ونظرية التطور وعلوم الفضاء واستكشاف النفس هو ما يجعلها تشعر بالراحة "وفي عندي دودة بدي أحكي عن العلوم، ومبديش أتقل على أصحابي".
بداية سلام قطناني على يوتيوب
فور أن تضغط لمشاهدة أي فيديو على يوتيوب لسلام قطناني، يأتيك صوت طفولي يخبرك أن تلك قناة والدتي التي يجب أن تتابعها لأنها تصنع فيديوهات رائعة "Guys, This my Mom YouTube Channel.. She Makes Awesome Videos"، فابنتها أيلا هي شريكتها التي ترافقها الحلم، الذي بدأته سلام من أجل ألا نُثقل على أصدقائها بالحديث عن العلوم، وقررت أن تصنع فيديوهات تتحدث فيها عن اهتماماتها العلمية دون أن تنتظر منها متابعة أو مشاهدة وصلت الآن إلى أكثر من 5 ملايين، ولكنها تعاملت مع الأمر على أنها "هواية بحاول أخرج فيها طاقتي".
بدأت سلام أول فيديوهاتها في يونيو 2017 متحدثة عن الحالات العشر للمادة، "لم أتوقع أنه ناس كتير تندمج مع الشي اللي بحكيه، وأصحابي كتير خبروني مين اللي بدوا يسمعك تتكلمي عن النسبية" ولكن طريقتها المميزة وظهورها المرح الذي يلقي المعلومة بلهجة الباحث لا العالم المتيقن جمع كثيرون حول المحتوى الذي تقدمه "وانصدمت من التأثير اللي شوفته في الرسايل وبتحكيني أنه نحنا كملنا دراسة بسببك، أو أبدعنا في الفيزياء لأنك عبرت عنها بطريقة ممتعة".
شجع ذلك سلام قطناني على أن تصنع محتوى علمي عربي ثري، وأن تساعد في نشر مفهوم التفكير النقدي ونقل نظرتها للعلوم إلى كثيرين، "ما كان هدفي أعرّفك ايش راح تستفيد لما تعرف سرعة الضوء، لكن أنه تعرف تحلل الأمور من وجهة نظر حيادية خالية من الانحيازات، وتسقط هاد الشي على حياتك الشخصية".
تحمل سلام قطناني نظرة مختلفة للعلم، كونه واضح وله أساساته ومتحيز دوما للحقائق النابعة من التجريب والمراقبة، "العلوم من الأشياء القليلة النقية والصافية بعالم مليان أحكام وقصص غير واقعية، ما عندها تحيزات ولا تعرف إيديوجيات الأشخاص وأهوائهم"، وكانت كلما تعمقت فكرة وعبرت عنها ساعدها ذلك على أن تكون شخص أفضل، وأن تفهم الحياة من منظور مختلف.
بعد ثلاث سنوات من العمل على قناتها وإنتاج فيديوهاتها التي تناولت الصفر المطلق والفضاء والمفاهيم العلمية المغلوطة والتعامل مع المشكلات النفسية، توقفت عن العملكمضيفة طيرات وقررت ان تكرّس ةقتها لغنتاج محتوى علمي مختلف، وتمكنت على مدار هذه الأعوام أن تنفذ شراكات وتعاونات مختلفة، فشاركت في مسلسل "هنا الأرض" كأول مسلسل خيال علمي من نوعه في الشرق الأوسط موجه للأطفال، وتم عرضه على منصة شاهد، ومسلسل "بداية القصة" الوثائقي عن الرحلة الأنثروبولوجية لقطاعات مختلفة، وبرنامج "فتيات مغامرات"، وتعاونت مع هيئة الفضاء السعودية ووزارة التعليم في تقديم "أجيال الفضاء" كدورة استكشاف الفضاء التي تعتبر منهج صيفي في المملكة العربية السعودية لعام 2020.
نالت لقب "شخصية العام" من مجلة Living Well الأردنية عام 2019، وتعتبر أن التعاونات كانت جيدة وتقدم أفكار مميزة "لكنها كانت بتحاول تمشيني بطريقة معينة تبعدني عن لغة الناس، ويحد من طبيعتي وشخصيتي"، كون التعامل مع القنوات التلفزيونية مثل أبو ظبي وسكاي نيوز والجزيرة يتطلب انضباط أكبر، ويقيد الحرية الكافية للتصرف أمام الكاميرا.
يتابع سلام قطناني على فيسبوك أكثر من 160 ألف شخص، وعلى إنستجرام أكثر من 200 ألف، ويشترك بقناتها على يوتيوب 180 ألف متابع، تعتبر رسائلهم يمكنها أن تخلق معنى لما تقوم به وتخفف عنها ضغوط الحياة "ولما أكمل في نشر العلوم والحاجات اللي بتعلمها، هو اللي بيديني معنى لحياتي".
تشعر سلام قطناني بالرضا تجاه تجربتها ورحلتها مع الحياة، التي تضطر فيها إلى تطوير محتواها وتراعي ابنتها وحدها، وانتقلت خلالها من سوريا والأدرن إلى الإمارات، حبث كانت فرصة لمعرفة ثقافات مختلفة ولكن وصفتها بأنها "حياة بتخليكي بعيدة عن الواقع وحقيقة الأشياء، وبتنسي أنك بتكبري وتضيعي حياتك هيك، ومش بتقدري النعم كأنه جوه فقاعة"، وانتقلت منها للأردن حتى تكون على احتكاك حقيقي بكل الطبقات التي تكون المجتمع.
من طفولة قاسية في بيئة فقيرة تحوطها المشكلات العائلية والمادية، وإحساسها بالظلم "وكنت حاقد على الحياة وما بعرف ليش هيك بيصير معايا"، تمكنت سلام أن ترى الجانب الآخر وتدرك ان ظروفها كانت فرصة لتتعلم وتعتمد على نفسها، وجعلها في النهاية "أوقات أحس بالفخر أنه وصلت لمكان مرتاحة فيه وراضية عن أدائي بشكل كبير.. الدنيا علمتني وبتعلمني وفاهمة حياتي ونتقبلاها ومقدرة الظروف اللي كان ممكن تكون أسوأ".
الكاتب
هدير حسن
السبت ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٠
التعليقات
لا يوجد تعليقات
اترك تعليقا